لم تستسلم لـ«عتمة الإعاقة» التي فرضتها عليها الإصابة بـ«شلل الأطفال» في سنواتها الأولى، بل حاربت وتجاوزت ما حرمه منها المرض، وأبسطه «الذهاب إلى المدرسة والدراسة كباقي أقرانها»، بعد عامها الـ23 بدأت حياة جديدة حققت فيها ذاتها، بدأتها بفصول محو الأمية، حتى وصلت بعزيمتها وصبرها إلى «رسالة الماجستير»، التي تناقشها خلال أشهر عديدة.
اجتازت بخيتة محمد (40 عاما)، ابنة محافظة سوهاج، امتحان محو الأمية بنجاح، متسلّحة في ذلك بعزيمتها التي قهرت ما رآه كثيرون من حولها مستحيلا، ولم تنتظر مساعدة مادية من أحد للإنفاق عل دراستها، بل انكفأت على ماكينة الخياطة تحيك الأثواب لغيرها للإنفاق على دراستها، كما انكفأت على الكتب تنهل منها العلم، لم تكتف بشهادة تؤكد قدرتها على القراءة والكتابة، بل أبحرت في العلم رغم ظروفها الصعبة، وعدم توافر وسيلة مواصلات لنقل ذوي الاحتياجات الخاصة، بسهولة للأماكن التي يريدونها،
حلم «بخيتة» في الجامعة
«كان عندي اختيارين، إما أمتحن في حوش المدرسة لوحدي مع مراقب، أو يشيلوني يطلعوني اللجنة وده كان بيحسسني بالعجز، فاخترت الحل الأول».. كلمات بسيطة قالتها «بخيتة» رواية بها معاناتها ورحلتها مع التعليم، حيث واصلت تفوقها من الإعدادية للثانوية، متحمّلة في سبيل ذلك كل التعليقات المحبطة التي ملأ بها كثيرون أذنيها: «كانوا بيقولولي هتاخدي إيه عير الأذى والتعب؟، لكن أنا كان عندي هدف وحلم لازم أوصلهم، كان لازم أدخل الجامعة مهما كلفني الأمر».
مجموع «بخيتة» في الثانوية أهلها للالتحاق بكلية العلوم، لكن اللجنة الطبية في الجامعة رفضتها: «اللجنة الطبية رفضت دخولي الكلية عشان علمية، خوفا من إني أتعرض لإصابة وأنا بتعامل مع المواد الكيميائية».
شعرت «بخيتة» بالإحباط وأحست أنّها في نهاية الطريق، لكن القدر كان له رأي آخر، بعد أن تحدثت مع أحد معارفها الذي أقنعها بالالتحاق بـ كلية الآداب بجامع سوهاج، وبالفعل قدّمت أوراقها في المدينة الجامعية بسوهاج، وتفوقت وتخرجت بترتيب الثانية على الدفعة، لكنها لم توفق في التعيين «معيدة»، واستمر الحال معها حتى استطاعت التقديم للماجيستير وفي انتظار المناقشة القريبة في الشهور المقبلة.
بخيتة: فترة الدراسة حسستني إني إنسانة طبيعية
لم تكتفِ «بخيتة» بالدراسة، بل حفظت القرآن بالتجويد، وما زالت مستمرة في كفاحها بحثا عن حقوقها في العيش كإنسانة طبيعية: «أجمل فترة في حياتي حسيت فيها إني إنسانة طبيعية فترة الدراسة بالجامعة، مشفتش نظرة الإحباط اللي كنت بشوفها في عيون الناس وأنا على كرسي متحرك، بالعكس شفت معاملة كويسة وتعاون من كل الزملاء والمدرسين».
ما زال الأمل ينبع من كلمات «بخيتة»، منتظرة أن يسعد قلبها بفرصة عمل تعوض تعبها وتزيح آلامها الجسدية والنفسية طوال حياتها، لتتخلى عن ماكينة الخياطة التي تعمل عليها للإنفاق على دراستها العليا.