«محمد» يشرح محاضرة لطلابه
لم يتخيل «محمد علي خلف»، صاحب الـ 39 عامًا، أن يأتي يوم ويترك وظيفته التي عشقها، كمرشد كسياحي، تلك الوظيفة التي حلم بها منذ دراسته في كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، وقضى حوالي 6 سنوات في العمل بها، حتى أحداث ثورة يناير التي عطلت قطاع السياحة في مصر.
«يوم 25 يناير كان آخر يوم ليا في الإرشاد السياحي»، ومع ازدياد الأزمة وتفاقم الوضع تغيَّرت حياة محمد بشكل كلي، عندما وجد نفسه حائرا في مفترق الطرق بلا عمل لفترات طويلة، في الوقت الذي كان مسؤولا عن زوجته وأطفاله الاثنين، ليقرر بعد تفكير طويل أن يبحث عن عمل آخر كمدرب للغة الإنجليزية في مراكز الترجمة واللغات؛ لأنه اعتاد أن يساعد أقاربه وأصدقاءه على تعلم اللغة: «بقيت عامل زي السمك اللي خرج من الميه.. اتمنيت رحلة واحدة بس أمشي فيها على رمل معابد الأقصر مع السياح».
معاناة «محمد» بعد ترك عمله كمرشد سياحي
عانى «محمد» في البحث عن وظيفة جديدة في مجال تدريب اللغة الإنجليزية حتى جاءته مكالمة تليفونية من أحد مراكز اللغات في بلدته بدمياط، وفوجئ بمفاوضة على سعر ساعة العمل: «بعد ما كنت بقبض بالعملة الصعبة.. اتصدمت لما اتعرض عليا 10 جنيه في الساعة»، واستمرت مفاوضته قرابة النصف ساعة حتى وصل سعر الساعة النهائي 15 جنيها.
توقَّع «محمد» أن عمله كمرشد سياحي سيشفع له عندما يمتهن تدريب اللغة الإنجليزية، لتمكنه من اللغة واختلاطه بجنسيات عديدة تتحدث الإنجليزية، ولكنه وجد نفسه يفتقد الكثير من المعايير والأسس التي تمكنه من تعليم المتدربين بسهولة، فشعر بالإحباط عندما وجد إحدى الطالبات منهارة في البكاء لعدم فهمها أي شيء مما يتحدث به: «للأسف حاولت أطمنها بالإنجليزي من غير كلمة عربي.. مكنش عندي أي وعي بأن كلامي الإنجليزي هو اللي عملها حالة الصدمة دي».
قبل أن يفقد «محمد» أمله عثر على دورة تدريبة «كورس السيلتا»، تنظمها جامعة كامبريدج ببريطانيا في جميع المراكز التابعة لها حول العالم، لتأهيل الكبار على تدريس اللغة الإنجليزية باحترافية، وعندما وجد قائمة الانتظار طويلة في مصر، قرر أن يجازف بكل الأموال معه «كانت آخر فلوس معايا»، ليحصل على تلك الدورة من أحد البلاد خارج مصر ويصبح مدرب لغة إنجليزية معتمدا.
كانت المهام المطلوبة خلال تلك الدورة التدريبية كثيرة، ومن المفترض أن يتم إنجازها في وقت قصير، ولذلك شعر «محمد» بالمعاناة والضغط خلال أول أسبوعين، حتى تبدلت تلك المشاعر في الأسبوع الثالث لمتعة في الدراسة دفعته ليسأل مدربيه: «ازاي ممكن أكون زيكوا.. أحد أعضاء هيئة تدريس كورس سيلتا»، ليبدأ بعد إجابتهم سلسلة طويلة من الدورات التدريبة التي تؤهله لذلك.
أولى خطواته كمدرب معتمد
«لقيت نفسي وأنا عندي 33 سنة بعمل كاريير من الصفر.. الموضوع كان صعب جدًا»، ليجد نفسه مثل حديثي التخرج يخطو أولى خطواته في ممارسة مهنة جديدة، وبعد مجهود كبير وتحمله لديون كثيرة ليحصل على الدورات التدريبة، حقق حلمه وأصبح مدربا معتمدا للغة الإنجليزية في جامعة كامبريدج، ثم عُرضت عليه الكثير من الفرص للعمل خارج مصر، ولكنه فضل أن يمارس عمله كمدرب في المراكز التابعة لجامعة كامبريدج في مصر حتى يبقى بالقرب من أسرته.
«رجعت أقبض تاني بالإسترليني»، وعندما بدأت حياته في الاستقرار، قرر أن يساعد معلمي اللغة الإنجليزية في مصر على تدريس الطلبة بأساليب حديثة، من خلال فيديوهات قصيرة على «يوتيوب»، وشعر بالفخر خلال عمله لأن الفائدة ممتدة حسب تعبيره، حيث تنعكس المنفعة على الكثيرين وليس متدربيه فقط: «أنا لو درست لـ 10 مدرسين مثلا، وكل مدرس عنده 100 طالب يبقا أنا كده أثرت في 1000 طالب».
حلمه بتدريب معلمي الصعيد
يتمنى «محمد» خلال الفترة المقبلة أن يتمكن من الوصول إلى مدرسي اللغة الإنجليزية في المناطق النائية والبعيدة وخاصة في الصعيد، لمساعدتهم على التطوير المهني، كما يسعى من خلال عمله أن يغير مفهوم دراسة اللغة الإنجليزية عند الطلاب من أجل جني الدرجات فقط للنجاح في الامتحان إلى الشعور بالمتعة بعد طلاقتهم في اللغة التي تمكنهم من تطوير حياتهم، والحصول على وظيفة مناسبة.
«بشتاق لعملي كمرشد سياحي.. بس خلاص بقيت مدرب لغة إنجليزية في الأوراق الرسمية»، فتأتي عليه لحظات يسترجع فيها انبهار السائحين بأحاديثه حول التاريخ الحافل لقدماء المصريين مثل حكاياته عن توت عنخ آمون ورمسيس الثاني، تلك الحكايات التي كان ينقل من خلالها حبه لمصر.