| «نزل على أسياخ حديد».. بطولة مسعف تنقذ عامل من الموت: فصلته في نص ساعة

عالم مرهون بالسرعة، سيارة تكاد أن تطير من فوق الأرض لإنقاذ روح من الموت، يصدح صوتها عاليًا فيفسح لها الجميع الطريق من أمامها، بالداخل ثمة مشاعر متباينة بين الخوف واللهفة يشقق منها الحجر وتدمع لعظمتها الأعين، هنا مريض كٌتب له النجاة في لحظات فارقة ذات يوم، وآخر فارق الحياة على أعتاب المستشفى، وبين هذا وذاك دوّن المسعف «إسلام محمد» ببطولته وشجاعته، اسمه في سجلات قائمة الشرف بهيئة الإسعاف المصرية.

بلاغ للتوجه إلى الحي الحكومي لإنقاذ عامل سقط من ارتفاع كبير على أسياخ حديد

عقارب الساعة تجاوزت ظهر أحد الأيام في شهر مارس من عام 2020، الجميع منشغل بمتابعة أخبار الوباء الذي ظهرت أولى حالات الإصابة به في مصر – حينها- الأطقم الطبية تتأهب لمواجهته ورجال الإسعاف منتشرون في أرجاء الجمهورية، هواتفهم اللاسلكية تستعد في كل لحظة لاستقبال مرضى الفيروس الفتاك، حتى جاءت استغاثة عاجلة إلى المسعف البالغ من العمر 36 عاما، تخبره بالتوجه فورا من نقطة تمركزه بتقاطع طريق السخنة مع الطريق الإقليمي، إلى الحي السكني «R2» بالعاصمة الإدارية الجديدة، لإنقاذ مصاب في موقع العمل سقط من ارتفاع كبير على أسياخ حديدة بقاعدة خرسانية اخترقت جسده وارتفع صوت صراخه من آلامها.

أسياخ حديد تخترق جسد العامل من الفخذين

«كانت أغرب حالة قابلتها من وقت شغلي، وصلت مكان البلاغ لقيت العامل واقع على قاعدة خرسانية وسيخ طالع من العضلة الخلفية للفخذ الشمال وسيخين تانيين طالعين من تحت رجله اليمين»، يروي المسعف الذي يعمل بالعاصمة الإدارية منذ 4 سنوات تفاصيل الواقعة، التى أحيا ذكراها، بعد عام ونصف من وقوعها، مسؤول الإعلام بهيئة الإسعاف المصرية بمنشور على موقع “فيسبوك” تكريما له في اليوم العالمي للعمل الإنساني الموافق التاسع عشر من أغسطس من كل عام.

بأنفاس محبوسة وسرعة بديهة وحذر شديد تعامل المسعف «إسلام» مع العامل الذي يرتفع صوت أنينه فتتلاحق على أثره دقات قلب الجميع في موقع العمل، وظيفته تحتم عليه نقل المصاب إلى المستشفى بالجسم الخارجي الذي اخترق جسده «اتعلمنا إن المصاب بننقله بالحاجة اللي اخترقت جسمه زي ما هي من غير ما نحاول نحركها، عشان ميتعرضش لقطع في أي وريد أو وتر في الجسم يتسبب في موته»، ومن هنا كانت المهمة المستحيلة أمام المسعف الثلاثيني إبن قرية وردان بمحافظة الجيزة، بعد أن التصق جسد المصاب بالقاعدة الخرسانية.

مهمة مستحيلة لفصل العامل عن القاعدة الخرسانية بحذر

لم يكن أمام «إسلام» حلا لنقل المصاب الذي يستغيث من شدة آلامه إلا رفع جسده لمسافة لا تتجاوز سنتيمتر واحد عن القاعدة الخرسانية حتى يتضح جزء من الأسياخ الجديدة التي اخترقت جسد العامل: «حاولنا نرفعه مسافة قليلة جدا بالمللي، واستعنت بعامل شاطر يقطع الأسياخ بحذر عشان نقدر ننقل المصاب للمستشفى»، كما تابع نسبة ضغطه ودرجة الوعي لديه كل لحظة، حتى تنفس الصعداء بمجرد نجاحه في إخراج العامل من القاعدة الخرسانية ونقله إلى أقرب مستشفى، بحسب وصفه.

تلقى العامل العلاج اللازم، واستكمل حياته بعدها، بحسب وصفه المسعف البطل «اللي عرفته بعد كدة إن العامل الحمد لله عايش ونجحت محاولة إنقاذه التي استغرقت فيها ما يقرب من نصف ساعة».

ووصف المسعف مهنتهم بـ«المهمة الصعبة» التي تحتم عليهم المخاطرة بأنفسهم في بعض الأحيان لإنقاذ المرضى والمصابين.