| «نور» يداوي آلام التوحد بـ«الشخبطة على الحيطان».. الرسم غيّر حياته

«ابنك عنده توحد».. صدمة شديدة عاشتها الأم «هبة الله كمال الزيات» بعد سماع الطبيب المعالج لطفلها «نور»، وهو يشخّص حالته بأنّه «مريض بالتوحد»، بدأت بعدها رحلة مليئة بالآلام والاضطرابات وكثير من الصبر، لإخراج طفل سوي وسليم، وتعليمه المهارات الحياتية، حتى وجدت الأسرة ضالتها في «الشخبطة على الحيطان»، التي كانت دواء للطفل، ساعده على تجاوز محنته، فضلا عن مشاركته في معارض مختلفة بلوحاته، التي أشاد بها كثيرون، وكانت سببا في تعافيه.

المعاناة الطويلة التي عاشتها الأسرة بدأت قبل 10 سنوات، حين كان عمر «نور» لم يتجاوز 3 أعوام، حيث تأكدت الأم من متخصصين في إحدى العيادات بحي مصر الجديدة، أنّ نجلها مصاب بـ التوحد، وبدأت تخيّل مصير طفلها: «أول ما عرفت جتلي صدمة نفسية كبيرة، وأنا في العيادة شوفت أطفال كبار مبيتكلموش وتصرفاتهم طفولية جدا، وفي منهم لسّا لابس حفاضات رغم إنّه كبير، وكنت خايفة إن نور يطلع شبههم». قالت الأم لـ«».

طبيعة مرض التوحد

جهل الأم بمرض التوحد، كان وراء خوفها مما رأته في العيادة، ومع الوقت تبيّن لها أنّ الأطفال الذين رأتهم من ذوي الهمم ولهم قدرات خاصة، وأنّ أعراض مرض التوحد مختلفة ولها طريقة خاصة للتعامل معها، تقول الأم: «بعد ما عرفت طبيعة التوحد قدرت أتعامل مع نور، وأخدت كذا قرار عشان أقدر أتعامل معاه كويس».

الاستغناء عن الوظيفة

«الاستغناء عن الوظيفة» كان أول القرارات التي اتخذتها «هبة الله» لرعاية طفلها، حيث كانت تعمل في مجال الكيمياء الحيوية، بعدها بدأت مشوارها لزيارة الأطباء والمراكز المعالجة لهذا النوع من الاضطراب، بعد أن أحاطت بها أصابع الاتهام بأنّها السبب في ما حدث لنجلها، وأنّ إهمالها هو ما أوصله لـ«التوحد»، تقول: «مشوار طويل قضيته من دكتور لدكتور، وقتها كنت حزينة ومببطلش عياط وعندي يأس، نفسي ابني يتكلم ويخف، والكل بيتهمني إنّي السيي في اللي نور وصله بسبب إهمالي».

دور الجد

القرار الثاني الذي اتخذته أسرة «نور»، كان العودة إلى مصر، حيث كانت الأسرة مستقرة خارج البلاد، واختارت الأسرة العيش في منزل الجد «والد الأم»، الذي كان له دور كبير في احتواء حفيده، كما كان الشخص الوحيد القادر على التعامل مع الحفيد: «والدي رجل جيش، عميد أركان حرب وصاحب روح محاربة متعرفش الهزيمة واليأس، من أول يوم مكانش معترف إن نور عنده مشكلة واتعامل معاه على إنه طفل طبيعي، وكل حاجة كان نور بيحتاج يتعلمها كان الفضل لربنا ثم بابا».

شخبطة على الحيطان

مع تقدم الطفل في العمر، لاحظت أسرته حرصه الدائم على الرسم «والشخبطة» على حوائط المنازل التي تنقلوا بها منذ عودتهم إلى مصر، ورغم الانتقادات الكبيرة للأم والأسرة من المعارف والمحيطين، إلا أنّ الأسرة لم تلتفت لأي منها، وتركت «نور» يرسم كما يريد: «كان بيتقال عليّا أم مهملة جابت لابنها توحد وسايباه يشخبط على الحيطان، وده كان بيخليني حزينة جدا، لكن فرحتي وأنا بشوفه بيرسم كانت بتنسيني اللي بسمعه».

تركت الأم طفلها يرسم على جميع حوائط المنزل، سعيا للتعافي والوصول لمرحلة طبيعية كأقرانه، كما كانت حريصة على أن تشتري له الرسومات لتلوينها، تقول: «كنت بجيبله وأسيبه يلون، وده كان بيخليه مبسوط، وفي مرة سبته بيرسم فيل».

معرض للفنان «نور»

في تلك اللحظة انتبهت الأسرة لموهبة الصغير في الرسم، وبعد نصيحة من الجد ذهبوا بنجلهم إلى مدرسة في الإسكندرية بها قسم متخصص لتعليم الرسم، وهو ما أعجب «نور» بشكل كبير وبدأ رحلة مع هذا العالم، وكان للرسامة شيرين بولس، مدربته في المدرسة دور كبير في رحلته، حتى فوجئت الأسرة بدعوة من الرسامة لمشاهدة المعرض الذي شارك فيه «نور» برسوماته: «الرسم في رحلة (نور) عمل المعجزة، وكان سبب إنّه يتكلم».

رسالة

رحلة الأم «هبة» والابن «نور»، تجسيد حقيقي لحجم المعاناة التي يعيشها الأمهات والآباء بعد تشخيص أبنائهم بـ«التوحد»، لكنها في الوقت ذاته بارقة أمل، دفعت الأم لكشف قليل من تفاصيل رحلة طويلة ممتدة حتى الآن، علها تجد في ذلك مواساة لكل الأمهات اللاتي يعيشن المعاناة ذاتها، ويشجعن على تقبل الوضع والإيمان بقدرات أبنائهم واختلافها، ناصحة الأمهات اللاتي لديهن أطفالا مصابين بالتوحد: «سيبوا ولادكم يطلعوا طاقاتهم بأي شكل، وافرحوا بيهم، ولو ولادكم مختلفين افرحوا باختلافهم، لأنه نعمة، واعتبروا الاختلاف جمال، لأنه فعلا جمال وارضوا لأن السعادة في الرضا».