قبل نحو 60 عاما، بدأ الصغير «وحيد بكر» عمله في محل المكواة القريب من منزله في محافظة الجيزة، لمساعدة أسرته لمواجهة ظروف الحياة، وبدأ «صبي المكوجي» مراقبة صاحب المحل وهو يعمل في صمت، يتعلّم منه أصول المهنة، إلى جانب عمله في نظافة المحل والذهاب إلى منازل الزبائن، لتوصيل الملابس المكويّة وتحصيل المقابل، وبفضل مهنته استطاع استكمال دراسته والتخرّج في كلية الزراعة.
صبي مكوجي.. أولى خطوات «وحيد» في المهنة
بعد وقت قصير، حصل «وحيد» على ثقة صاحب المحل، الذي ترك له المكواة الحديد التي كان يتم تسخينها على «الوابور»، وملابس الزبائن لكيّها، ومع الوقت قدّم المحل خدمة «الصباغة» للزبائن، وهي الأمور التي تمرّس عليها الصبي وحيد حتى أتقنها.
بمرور السنوات استبدل المحلي الذي يعمل به «وحيد» المكواة الحديد بأخرى «كهربائية»، حتى استقرّت الأمور إلى ما هي عليه الآن، وأصبحت المكواة التي تعمل بالبخار هي المُستخدمة في معظم المحلات، يقول «عم وحيد» صاحب الـ68 عاما: «المكواة الحديد كانت الأفضل.. كانت بتطلع الشغل ممتاز».
التخرج في كلية الزراعة
لم تتوقف طموحات «وحيد» عن العمل في المكواة، بل أصرّ على استكمال تعليمه والحصول على شهادة عليا، يقول لـ«»: «كنت باخد الكتب معايا أذاكر وأنا شغال، واتخرجت في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وبقيت موظف، ومع ذلك رفضت أسيب الشغل، وفضلت شغال في المحل بالليل، وبالنهار في الوظيفة».
إدارة جدو وحيد
سنوات العمل الطويلة التي قضاها «وحيد» في العمل، شكّلت في داخله حلما بامتلاكه، وهو ما تحقق قبل نحو 10 سنوات، حين اشترى المحل من صاحبه، وكتب عليه عبارة «إدارة جدو وحيد»، يقول: «المكواة هي اللي علمتني الحياة وأصول الكفاح، مقدرش أستغنى عنها، هفضل شغال لآخر يوم في عمري».
وصل «وحيد» إلى سن المعاش، وأصبح عمله في المكواة التي كان شاهدا على عصورها الثلاثة، بداية من المكواة الباجور، مرورا بالكهربائية، وصولا إلى البخار، هو ملجأه وملاذه الوحيد للهروب من «ملل بعد الستين»: «عندي 4 أولاد بيتحايلوا عليا أقفل المحل، بس أنا رافض أتخلى عن حلمي وببقى سعيد كل يوم وأنا بفتح المحل الصبح، وجودي وسط الناس والزباين بيحسسني بالونس».