الصمت يعم المكان، الكل ينتظر في ترقب ما سيظهر خلف ذلك الصندوق الخشبي الكبير، رويدًا رويدًا يطل عليهم بطربوشه الأحمر المدبب المميز ويغني بصوته المعدني الرنان «الأراجوز.. الأراجوز»، ذلك هو المشهد الذي اعتادت عليه الأجيال حتى بداية التسعينات سواء في السينما مثل فيلم «الزوجة الثانية» أو «الأراجوز» أو عبر المسارح المتنقلة، وكانت تلك الدمية هي وسيلة الترفيه التي يترقبها الصغار والكبار، قبل أن تسيطر السوشيال على ميديا، ويبدأ لاعبو ذلك الفن من الدمى والعرائس في الاندثار، ليقرر «عم ناصر» إحياءه مرة أخرى ويحافظ على ذلك الفن من الاختفاء باعتباره مدربًا في الحديقة الثقافية للطفل.
رحلة مختلفة مع فن اللعب بـ«الأراجوز» خاضها ناصر عبدالتواب ابن محافظة القليوبية، الذي يعد واحدًا من أقدم الممارسين لها، إذ يروي لـ«»، أنه رأى «الأراجوز» للمرة الأولى بجوار مدرسته في المرحلة الابتدائية، لتظل تلك الدمية في ذاكرته ولم تغب عنها أبدًا، لينشأ على حب لعب الدمى والعرائس والتمثيل، كانت بدايته في ذلك العالم عام 1987، حيث تدرب مع فرقة «الطيف والخيال» تحت قيادة بهاء الميرغني، وتعلم فن تحريك العرائس، وقرأ وأفراد تلك الفرقة الكثير من كتب خيال الظل: «كنا ممثلين ملناش علاقة بالتحريك ولا العرايس، واحتجنا إن يكون عندنا حد بيلعب بالأراجوز ويدربنا عليه».
الأراجوز يعد من الدمى الشعبية في العربي
قرر أعضاء الفرقة شراء ما يعرف باسم «الأمانة» التي تصدر الصوت المعدني المميز لـ «الأراجوز»، من أحد لاعبي ذلك الفن، وتدربوا عليه حتى أتقنوه، وبعد ذلك قدموا العديد من العروض المختلفة التي لاقت نجاحًا كبيرًا: «الأراجوز يعد من الدمى المؤثرة اللي قدرت تصنع لنفسها كيان عند الجمع الشعبي، وعلى مستوى العربي هي العروسة الشعبية المنتشرة وماسكة نفسها، في مجموعات ظهرت بعدها زي بوجي وطمطم وبكار، لكن الأراجوز العروسة الوحيدة اللي فضلت مكانها ومحبوبة جدا، أي عروسة نلبسها طرطور بتتحول لأراجوز».
«الأراجوز يحمل وجهين، صفارته اللي بيجمع بيها الناس وعصايته اللي بيقصي بيها الفاسد في المشهد اللي بيأديه، وهو من أنسب وسائل التواصل مع الناس والأطفال خاصة».. يعتمد «عبدالتواب» على التحدث مع الأطفال وتعديل سلوكياتهم من خلال الأراجوز، وبحكم عمله في الحديقة الثقافية للطفل، أصبح يدرب في الورش التي تنظمها «ثقافة الطفل» لتخريج لاعبين جدد للأراجوز، تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، وإشراف الدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ومحمد ناصف رئيس المركز القومي لثقافة الطفل، ومكان تنفيذ الورشة بالحديقة الثقافية تحت إشراف ولاء محمد.
نظم «ثقافة الطفل» ورشتين مجانيتين لتخريج لاعبي أراجوز جدد، والورشة الواحدة مكونة من فصلين تدريب، أحدهما للمدرب محمد عبدالفتاح، والآخر لـ«عبدالتواب»، وتم تخريج حوالي 17 لاعبًا ولاعبة في 28 نوفمبر 2021، ويتم حاليًا تدريب نحو 33 شخصًا بهدف تخريج 50 لاعب ولاعبة أراجوز في 28 نوفمبر 2022: «اللاعبين بيدربوا على مجموعة حاجات، منها إزاي أعمل العروسة بتاعتي، إزاي نعمل النمرة بتاعتنا، نوصل للمتدربين فكرة الاتصال والتواصل بينهم وبين الناس، الأداء بالأراجوز نفسه، إزاي اللاعب بيعمل أمانته وبتتكون من إيه، وبنديلهم النمر القديمة التراثية يقروها علشان يبقى عندهم علم بما كان يقدم ويستلهموا منها ما يفيد هذا العصر».
«مهدي» بعد تخرجه في ورشة الأراجوز: «بنفرح الأطفال»
يحكي مهدي يحيى البالغ من العمر 44 عامًا، أحد خريجي مدرسة الأراجوز، أنه فنان عرائس منذ 2006، وفن الأراجوز أثر فيه بشدة: «كان تحدي شخصي ليا إني اتعلمه واستخدم الأمانة، وفي نفس الوقت أحافظ عليه من الاندثار، لأن الناس دلوقتي نسيته وفي كتير ميعرفهوش».
أتقن الشاب ذلك الفن وأصبح لاعب أراجوز بعد 3 أشهر من انضمامه للورشة، ليكون قادرًا على ممارسته وتمريره للأجيال المستقبلية: «في كمان عندنا يوم الأراجوز الشهري بخلاف السنوي، وده ملتقى رائع، بنتجمع فيه وبنحافظ على الفن ده من الاندثار وبنفرح الأطفال»، بحسب حديث «مهدي» من قاطني محافظة الشرقية.
«حمدي»: حب المجال خلاني أكون لاعب أراجوز
«حب المجال خلاني أكون لاعب أراجوز».. كلمات وصف بها حمدي مجدي البالغ من العمر 30 عامًا، حبه لـ«الأراجوز»، إذ كان أحد خريجي تلك المدرسة: «لقيت نفسي منجذب جدا للمجال ده، وحبيت أتعامل مع الأطفال من خلاله وأوعيهم وأهتم بيهم، وفكرة أن فن الأراجوز بيتلاشى ويندثر دي مزعلاني جدًا، علشان كده حبيت فكرة الورش التدريبية وتخريج لاعبين جدد».
يروي «حمدي» ابن منطقة السيدة زينب بمحافظة القاهرة، أنه حاول من خلال تعلم لعب «الأراجوز»، أن يقدم شيئًا للأجيال الجديدة ويتعلم منه أيضًا: «في التلت شهور اللي اتعلمت فيهم، المهم عندي إني حفرت اسم الأراجوز، وأحافظ على اللون ده من الفن، وفي يوم شهري اسمه يوم الأراجوز، بنتجمع فيه في حديقة الطفل ونتناقش وبنقدم عروض مختلفة على مدار اليوم».