| «يوسف» أقدم مكوجي رجل في الأقصر من 40 سنة: عندي سر الصنعة

جدران محل صغير بهت لون طلائه من أثر الزمن، بين جنباتها أكوام من الجلاليب الصوف وقطع الملابس المختلفة، تنتظر كيها بقدم عجوز ماهر احترف مهنته وأفنى بها عمره، لم يعد ينافسه بها أحدا في منطقته، يستقبل الزبائن غارقًا بين الأكوام منهمكًا في عمله، يكسر تفاصيل المشهد المزدحم في عين الناظر إليه منظر المكواة الخشب على لوح معدني متوهج تتوسط واجهة المكان، في مشهد يزدوج فيه حب المهنة، وأثر التراث القديم.

الحاج «يوسف» يحترف المكواة الرجل

بالجلباب الصعيدي، ويد «مكرمشة» من أثر الزمن ومشقة المهنة، وعمامة أضحت سمة أساسية بوجهه، يقف العجوز السبعيني يوسف زيدان، وسط محله الذي يقضي فيه ساعات النهار كلها في كي الملابس، يحكم قبضته على اليد الحديدية الطويلة للمكواة، مثبتا قدمه اليسرى على قطعة الخشب المغلفة بها المكواة لتعزل عن قدمه السخونة الناتجة عن لوح صاج متوهج لتسخينها، يضغط بقوة قدمه فتخرج الملابس من تحت يده مرتبة ومفرودة.

أخر مكوجي رجل في إسنا بالأقصر

محل المكوجي العجوز «يوسف»، يتوسط سوق إسنا التاريخي بمحافظة الأقصر يبعد خطوات قليلة عن معبد إسنا الفرعوني، حفظ الأهالي طريقه جيدا، يستقبل زبائنه بضحكة و«نكتة» اعتادوها منه، لا يصعب عليه كي أي قطعة من الملابس، أحب مهنته التي بدأت رحلته بها منذ 40 عاما واندثرت.

«من شبابي وأنا شغال مكوجي رجل، المكوة اتطورت واتغيرت وظهر منها الكهربا والبخار وأنا متمسك بحرفتي اللي مبقتش موجودة»، بابتسامته المعهودة ومخارج حروف متغيرة من تساقط أسنانه، يقول العجوز السبعيني في بداية حديثه لـ«»، من أمام محله، يتباهى بمهنته ومهنة أجداده، حسب تعبيره.

سر الصنعة

توطدت أواصر العلاقة بين العجوز الصعيدي وزبائنه، إذ يأتون إليه من المناطق المجاورة له قاصدين صنعة يده دون غيره: «في هدوم كتير متنفعش تتكوي بالمكوة الحديثة زي الجلاليب الصعيدي الصوف اللي في بلدنا، مكوة الرجل بس عشان وزنها تقيل هي اللي تنفع معاها»، يستكمل حديثه عن مهنته التي اختفت منذ ظهور المكواة الكهربائية ومكواة البخار الحديثة، بينما يحتفظ هو بـ«سر الصنعة» ومهارة تحريكها بطرق معينة للحصول على ملابس مكوية بشكل جيد.

علاقة العجوز بمكواته التي تزن أكثر من 10 كيلوجرامات،  اتضحت جليًا بمنظره أثناء كي الجلاليب الصوف التي يأتي بها الزبائن إليه، لا يصعب عليه تحريكها رغم ثق وزنها ووهن جسده، ليعبر عنها بكلمات قليلة: «دي عشرة عمر معايا حفظتها واتعلمتها ومفيش حد في المنطقة كلها يعرف يتعامل مع المكوة الرجل دي زيي»، فخورا بصنعته وحرفته التي تندرج ضمن قائمة المهن التراثية.