مع مرور عشرين عاما على تنفيذ جيش الاحتلال لعملية السور الواقي في مارس 2002، والتي شملت إعادة احتلال الضفة الغربية بصورة كاملة، والتمهيد لطي صفحة ياسر عرفات، يستعيد الإسرائيليون بعضا من تلك الأيام في محاولة لاستخلاص الدروس والعبر، وتحسس الأخطاء، ومعرفة السبب الذي يجعلهم غير قادرين على تكرار هذه العملية في قطاع غزة اليوم.
ومن الشخصيات الإسرائيلية التي ساهمت بقوة في تنفيذ هذه العملية، هو آفي ديختر، رئيس جهاز الأمن العام- الشاباك، ووزير الأمن الداخلي السابق، الذي كشف أن “العملية كانت موجودة على جدول أعمال الحكومة التي ترأسها آنذاك أريئيل شارون، وذلك فور وقوع الهجوم الاستشهادي في فندق بارك بمدينة نتانيا
وكان واضحا أن العملية ستخرج إلى حيز التنفيذ، وحينها أبلغنا شارون أن الهدف الرئيسي سيكون رام الله من أجل إرسال رسالة واضحة للقيادة الفلسطينية”.
ديختر، 69 عاما، أحد قادة حزب الليكود، والرئيس السابق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أكد في حوار مطول مع صحيفة إسرائيل اليوم، أن “انتفاضة الأقصى شهدت هجمات فلسطينية دامية، ولذاك جاء القرار الإسرائيلي بالخروج من اتفاق أوسلو الموقع عام 1993، وحينها أقمت علاقات وثيقة مع قادة الأمن الفلسطيني، بغرض ملاحقة محمد ضيف قائد حماس العسكري”.
لكن اندلاع الانتفاضة أواخر العام 2000، عقب فشل مفاوضات كامب ديفيد، شكل فرصة لعدم هدوء المنطقة، وانطلاق الهجمات المسلحة في الضفة الغربية، وحينها بدأ التفكير ببناء جدار الفصل العنصري لوقف هذه الهجمات”.
يعتبر ديختر أن “إقامة الجدار الفاصل أثار خلافات إسرائيلية داخلية، فـ”غدعون عزرا” المسؤول السابق في الشاباك لم يعتقد أن هناك حاجة إلى جدار، حتى شارون اعتبر الجدار ذا أبعاد سياسية، رغم أن حاجته أمنية فقط، لأن الطرق الفاصلة بين مدن الضفة الغربية ومدن الداخل لا شيء تقريبا، وبسهولة كبيرة يمكن للمسلحين تهريب المتفجرات إلى القدس، صحيح أن الجدار ساهم في إحباط الهجمات المسلحة، لكننا أخفقنا أيضًا، في ضوء زيادة حدة الهجمات، من هجوم إلى هجوم، وحينها بدأت سلسلة الاغتيالات ضد قادة حماس وباقي الفصائل في الضفة وغزة على حد سواء”.
يستذكر ديختر أن “الاغتيالات عبر سلاح الجو بقدر ما شكلت قدرة على قتل قادة الفصائل الفلسطينية، لكنها مع مرور الوقت أظهرت لنا مشكلة في مدى الكفاءة، لأن الطيران لا يحل لنا التحدي الأمني القائم في الأراضي الفلسطينية، والمشكلة الثانية أن الجيش لم يكن يريد دخول المناطق الفلسطينية، خاصة في مخيمات اللاجئين والمدن، ورغم استحالة التغلب على الفلسطينيين بالاقتصار على الاغتيالات فقط، فإنه كان لابد من الاقتحام الميداني، وبدأ في مخيم نور شمس بطولكرم، ثم مخيم بلاطة في نابلس”.
يعترف ديختر بالقول إن “شجاعة الفلسطينيين ظهرت في تصاعد مستمر، صحيح أننا أحبطنا أربع أو ست هجمات في اليوم، لكننا نفشل في الهجوم السابع، وهنا الإخفاق، لأننا كنا نتعامل مع “قنابل موقوتة” تسببت في مقتل ما يزيد على الـ450 إسرائيليا وإصابة آلاف آخرين، وهذه أرقام مجنونة، لم يعد الإسرائيليون يركبون الحافلات، والفنادق فارغة، وجاء الهجوم على فندق بارك القشة الأخيرة، حينها انطلقت عملية السور الواقي في قلقيلية وطولكرم وبيت لحم ونابلس ورام الله وجنين”.
يكشف ديختر أن “الجيش اعتقل خلال العملية قرابة الثمانية آلاف فلسطيني، وبدأ البحث عن 400 اسم من المفجرين الانتحاريين المحتملين، ممن انتظروا دورهم في تسلم الحقائب المتفجرة، ولعل أبرز الأحداث في العملية حصار كنيسة المهد في بيت لحم، حين تحصن الفلسطينيون فيها، أما معركة جنين فهي حادثة أخرى لا تزال في الذاكرة الإسرائيلية، قُتل فيها 23 جنديًا، 13 في كمين قاتل، عقب تورطهم في منطقة إشكالية”.
في ما يخص غزة لا يرفض ديختر “الحل الاقتصادي لمشكلة القطاع، بزعم أن الفلسطينيين الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا لا يعرفون ما هي إسرائيل، وإذا أرادت إدخال 200 ألف فلسطيني من غزة للعمل فيها، فيجب أن يكون واقع مختلف، لا تكون حماس فيه مسيطرة على غزة، وليس لديها قدرات عسكرية متطورة، قصة غزة يتعين على إسرائيل حلها بالقوة، رغم أن أي رئيس وزراء لن يرغب بالدخول في هذا السيناريو، ولذلك سيتنامى تهديد غزة مع مرور الوقت، وإن أردت معرفة كيف ستبدو غزة في عشر سنوات، فانظر إلى لبنان اليوم”.
اليوم، بعد عشرين عاما على تنفيذ عملية السور الواقي، لا يتردد ديختر في الاعتراف بالقول إن “الضفة الغربية تشكل اليوم تهديدًا أمنيًا أصغر بكثير مما يحدث في قطاع غزة، ولذلك فإن حل التحدي الأمني القائم فيه اليوم يتطلب طرح السؤال على المستويين السياسي والعسكري عن السبب في عدم تنفيذ عملية مماثلة في غزة، مع العلم أنها تتطلب تعبئة جيش الاحتياط على غرار ما حصل في حرب أكتوبر 1973”.
يواصل ديختر حديثه محبطا بالقول إن “تهديد قطاع غزة الأمني لن ينتهي باتفاق مع حماس، أتمنى لو كان هناك ساحر يستطيع أن يجد طريقة لتفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي، لأن ما هو موجود، وعلى عكس لبنان، مساحة شاسعة ممتدة على 360 كم2، لكن في النهاية لن يكون أمام إسرائيل خيار، وسيتعين عليها شن عملية عسكرية لتدمير البنية التحتية العسكرية، مع العلم أن غزة أكثر تعقيدًا من الضفة، رغم أنها صغيرة ومحدودة”.
عربي 21