سأتحدث لكم اليوم في سطور وجيزة، عن شابٍ مفعم بالحيوية والنشاط. لا يعرف للراحة سبيلاً، تجده في قمة العطاء سواءً في علاقاته العائلية، المجتمعية والتنظيمية. إنه القائد في سرايا القدس المهندس أحمد محمود أبو دقة (43 عاماً).
تربى أحمد وسط أسرة محافظة، تحملت فيها والدته (حفظها الله) عبئاً كبيراً في تربيتهم وتعليمهم، لنجد أن هذه الأسرة فيها طبيب مختص بجراحة المخ والأعصاب، ومحاسب، وصيدلي، فيما درست إحدى كريماتهم الكيمياء، وأخرى الرياضيات، حيث أن الأم تُولي التعليم أهميةً كبيرة باعتباره سلاحاً في يد الإنسان.
درس أحمد هندسة الحاسوب، وكان مميزاً في تخصصه، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 سرعان ما انخرط في صفوف سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وكان معاوناً للشهيد القائد خالد منصور، الذي ارتقى في معركة (وحدة الساحات) في آب/ أغسطس 2022.
عَرف أحمد دوره في المواجهة، وكان يشارك في صد اجتياحات الاحتلال، ولقد رأيته عام 2001 يُلقي “أكواع” (عبوات ناسفة محلية الصنع) على دبابة إسرائيلية خلال اجتياحها لمنطقة الفراحين، شرق خان يونس، يومها كان يصول ويجول بشجاعة وحيداً في الميدان، قلتُ له بُعيد الاجتياح: «ما أقوى قلبك يا ابن العم.. من أين لك كل هذه القوة والشجاعة؟!..»، فكما هو معلوم فإن أحمد كان قصير القامة، يومها أجابني وهو يبتسم كعادته: «الصحة بتلعب دور يا ابن العم».
لم يتوقف دور أحمد على صد اجتياحات الاحتلال، بل شارك في تخطيط وتنفيذ عمليات استشهادية بالمستوطنات التي كانت جاثمةً على أرض قطاع غزة قبل العام 2005.
ومع بدء مرحلة إدخال سلاح الصواريخ في الصراع والمواجهة، لعب أحمد دوراً أساسياً في عمليات تأمين المواد اللازمة لإنتاجها، الإنتاج، التربيض، وإطلاق الصواريخ تحت إشراف القائد خالد منصور، ولقد حقق هذا العمل تألقاً وتميزاً، الأمر الذي بوأهم لأن يستمروا بالعمل في هذا الإطار، لنرى اليوم هذه القدرات الصاروخية هائلة التأثير، وكلنا شاهد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو يتباهى باغتياله أبو دقة وسلفه القائد علي حسن غالي، وذلك لمسؤوليتهما عن إطلاق الصواريخ في معركة (ثأر الأحرار).
أحمد أبو دقة لم يكن مميزاً فقط في الأداء المقاوم، بل كان مميزاً في العلاقات الإنسانية، العائلية والمجتمعية، يلجأ له كل من يقع في إشكالية أو يقصد حاجة، ولا يرده خائباً.
أذكر أنه قبل شهرين اتصل فيّ هاتفياً، وتحدث معي عن ضرورة لملمة صف شباب العائلة في إطار نُعزز فيه حضورنا مجتمعياً، يومها قلت له بالعامية: «دوس يا ابن العم وأنا معك». وبذل أحمد جهداً كبيراً في هذا الجانب مع مختار العائلة ووجهائها وشبابها الفاعلين، باعتبار عائلتنا منتشرة جغرافياً في سبعة تجمعات شرقي خان يونس.
لم يقف عمل أحمد عند هذا الحد، بل كان ينشط في العمل الخيري بصمت، فيأتي له التجار والأغنياء من العائلة والعوائل الأخرى لاسيما من تربطنا بهم علاقات نسب ومصاهرة، ويعطونه تبرعات كي يساعد بها المحتاجين والفقراء لثقتهم بأمانته، وأنه شخصية مجتمعية يقصدها المتعففون.
أخيراً – وللحديث بقية بالطبع عن هذه الشخصية الكبيرة- أريد أن أقول بأن هذا الاصطفاء لأحمد، رباني {ويتخذ منكم شهداء}، لكن هناك شيء نستلهمه من مسيرته، وهي أنه كان حريصاً على رضا والدته وطاعتها، حيث أنها كانت ورغم كونه أوسط أبنائها تُحبذ السكن في بيته، بل وإنها عندما تذهب يوماً أو يومين لبيت أحد أشقائه لا يستطيع أن يجلس في بيته، ويذهب لإحضارها قائلاً لأشقائه: «من يريد رؤية الحاجة فبيتي بيتكم. أهلاً وسهلاً»، ويُعيدها معه للبيت، وهي تكون في قمة السعادة والسرور.
ذلك كان أحمد أبو دقة، الذي يعرفه كل أهلنا في محافظة خان يونس، وهو معروف بشكل كبير على مستوى قطاع غزة.. ليكون من أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ويستحق أن يُدون اسمه في سجل الخالدين.
……
*محاضر في كلية الإعلام بجامعة دمشق**
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0