أسوأ جوازات سفر في العالم.. بتوقيع أمريكي…

لا بد من استراحة مقاتل في ثنايا العمل، أو الحصول على قيلولة ما، لكنها بالنسبة لطبيعة عملي، ليست كتلك القيلولة التي تبعدك عن الطاولة، عن المكتب، عن الكمبيوتر، كي ترمي بجسدك المثقل بهموم العالم على سرير ما، أو ربما أريكة في صالة الاستقبال، إنها قيلولة ما بين خبرين، بين عالمين تجمعهما الكثير من الخيوط وتفرقهما الكثير من التفاصيل، تحاول الابتعاد فيها كثيرا عن الرموز، عن البيوت، عن القصور، عن بيت أبيض وآخر أزرق، عن الإليزيه وعن الكرملين وساحته التي لا زالت حمراء، وتسعى بكل شغف للتوجه إلى لبنان أو مصر، كي تأخذ جرعة من الراحة والجمال والأمل، لكن وطنك يستوقفك، وتحملك الشراع حيث لا تشتهي، فتجد نفسك في أحضان زملائك من المحاربين القدامى، تحصي معهم عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين، وتسأل كم من بيت دمر، وكم عدد الخيام التي هدمت وأخرى نصبت على أنقاضها، ثم تستعجل الرحيل لأن الوقت يحاصرك، فتجد نفسك على معبر كان اسمه الكرامة، ولا زال اسمه الكرامة، لكنه يواصل النزف تحت أقدام الغزاة والعابثين بحثا عن شيء من الكرامة.
ستفشل في تحقيق مبتغاك، ولن تطأ قدماك مصر وشقيقاتها، ولن تزورها، ولن تلتقي بأهلها، ولن تجلس على قهوة في سوق شعبية وتستمتع بصوت أم كلثوم، ولن تتسلق برج القاهرة، أو تجول في دار الأوبرا، لن تقف في خشوع وتأمل تحت أقدام أبو الهول وأشقائه، ولن ترى القاهرة الجديدة ولا الجامع الأزهر أو عمارة يعقوبيان، ولن تستطيع فتح باب زويلة، ولا غيره من الأبواب، ولن توقع في كتاب تاريخ الحضارات بأنك كنت هنا في أم الدنيا، ولن ترى فرعونا واحدا، ولن تتسوق من خان الخليلي، ستكتفي بقصر الشوق ولن تمر بين قصرين، وستتوه في الطريق، وتثرثر فوق ضفاف النيل، ولن تلعب مع أولاد الحارة، كما أنك لن تمر في وسط بيروت، ولن تكتشف مغارة جعيتا حيث القباب والمنحوتات العجيبة ببصمات الطبيعة، ولن تخترق حصون قلعة صيدا المنيعة، ولن تلتقي بفيروز فقد سبقك إليها ماكرون حامل الجواز الماسي،، ولن تتجلى وتفرح وتحزن مع ألحان وكلمات وصوت ملحم بركات، ولن تلتقط شيئا من رفات الطرب الأصيل على ضريح وديع الصافي، لن ترى الجنوب والنبطية والساحل وصيدا والناقورة وجبل الشيخ والليطاني والوزاني وقلعة الشقيف، ولن تتوقف على ما تبقى من أطلال صبرا وشاتيلا، وستكتفي بإطلالة من هيفاء أو نانسي، ومشهد من مسرحية للزعيم، لأنك بحاجة إلى تأشيرة وجواز سفر.
وخلال الترحال والسفر في المنحنيات وبين الصفحات في قيلولتي، المنهكة، المزعجة، المؤلمة، المرهقة، الصادمة، استوقفني في أيقونة المنوعات والطرائف، خبر عن أقوى جوازات السفر في العالم، احتل مانشيتات كافة المواقع بكل ألوانها، وبالبنط العريض، فقررت اقتحامه والوقوف على ما فيه من جديد، مجرد إحساس صحفي، أو ربما فضول، لأبحث عن هويتي وجواز سفري ومكانتي، ما بين الأقوى والأفضل والأسوأ، سرقني الوقت، وغرقت في التفاصيل، وعيناي تسبق شفتاي، إلى أن وجدتني هناك، في أسفل قائمة بلا لون، في الظل، في الذل والهوان، أكاد أمسك بالذيل كي لا أهوي وأصبح سرابا، عزائي أني لم أكن وحيدا، فأنا مع أشقائي وشقيقاتي، في الأصل، في التاريخ، في اللغة والدين، في الموقف والصرخة والأنين، فأنا ابن فلسطين، قلبي مع بغداد،، وعيوني على سورية، وروحي مع اليمن وأخشى على الصومال، وأترقب ما يجري في ليبيا، وأحتضن أفغانستان وباكستان، فأنا لاجئ عربي، لدي من الأشقاء ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد حين، إذا ما مرت أميركا من هنا.