تأتي استضافة مملكة البحرين للقمة العربية في دورتها الـ33، في ظل ظروف عربية ودولية بالغة التعقيد على المستوى السياسي والأمني، في الوقت الذي بدأ القطار العربي، وعلى وجه التحديد الخليجي، بالعمل على التنمية والاستقرار بعد موجات ضربت أمن واستقرار المنطقة.
ولا شك أن قضايا العالم العربي منذ مطلع القرن الواحد والعشرين كانت الشغل الشاغل لصناع القرار الدولي، لِما لهذه المنطقة من أهمية على المستوى الجيوسياسي، وتأثيراتها على الأمن العالمي، لذا كان ولا يزال العرب في عين العاصفة، الأمر الذي يستدعي صيغة سياسية وأمنية متطورة بين الحين والآخر للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
ترتيب الأولويات السياسية
إن التطورات الأخيرة التي ضربت المنطقة في العقد الماضي، في سورية واليمن والعراق وليبيا، وأخيراً في غزة، تفرض على العالم العربي، فعلياً، إعادة النظر في ترتيب الأولويات السياسية، إذ أصبحت المنطقة ساحة مفتوحة لا تتوقف عند حدود الجغرافيا، ومن هنا تأتي أهمية العمل العربي والتشاور المستمر.
كل ما سبق يقودنا إلى سؤال محوري وهو: ماذا عن قمة البحرين؟ وما أهمية هذه القمة، وما ينتج عنها سواء من بيانات أو قرارات أو نقل مستوى التنسيق العربي العربي إلى مستويات أكثر حيوية ودينامية واقعية، تخدم بالدرجة الأولى المصالح العربية العربية.
وهذا ما يجعل من قمة البحرين قمة من نوع آخر، قمة تحتضن العرب بكل همومهم وقضاياهم الساخنة، علها تجد طريقها إلى الحل أو المقاربة في أضعف الحالات، لذا فمن المؤكد أن أنظار العالم العربي وحتى الإسلامي والدولي تتجه إلى هذه القمة النوعية من حيث المكان والتوقيت.
تعكس استضافة المنامة للقمة العربية المكانة الراسخة والعميقة لمملكة البحرين ودورها التاريخي في إرساء الأمن والاستقرار، فمن المعروف عن المملكة أنها الدولة الصفرية من ناحية المشكلات تحظى بسمعة دولية وعربية ناصعة، إذ باتت المملكة وجهة إقليمية مهمة للتجمعات الدولية؛ التي تخدم الإنسانية في مختلف المجالات، وهذا ما يجعل من اختيار البحرين كمستضيف للقمة في مقدمة المسؤولية السياسية أمام العالم العربي.
مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي
قمة البحرين تشكل مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك، حيث تنعقد القمة في ظل أوضاع جيوسياسية دولية معقدة، تواجه خلالها الأمة العربية مرحلة تاريخية دقيقة في ظل ازدياد حدة التحديات السياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن اللقاء العربي له دلالات وأهمية وأبعاد تفرضها الظروف والتحديات.
ولا يخفى على العرب دعم مملكة البحرين كل ما يسهم في توحيد الكلمة بين الأشقاء العرب ويقوي الأواصر المشتركة ويعزز من قوة ومنعة الدول العربية في مواجهة التحديات كافة، وبالشكل الذي يعود بالخير على البلدان العربية وشعوبها؛ حفاظًا على التئام الشمل العربي ووقف استنزاف طاقات ومقدرات الشعوب العربية.
هذه المرة ربما الأنظار تتجه بكل عناية وحرص إلى ما ينتج عن هذه القمة التاريخية التي تستضيفها مملكة البحرين للمرة الأولى في تاريخها، لمناقشة الرؤية العربية عن قرب وبشفافية أكثر، ذلك أن الظروف المحيطة بالعالم العربي لم تعد تنتظر في ظل الحركة التاريخية التي سيطرت على المجتمعات والدول.
مسار سياسي نحو سلام عادل
إن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال خالدة في الوجدان السياسي العربي، رغم محاولات البعض خلط الأوراق في العلاقة العربية مع فلسطين، خصوصاً مملكة البحرين، هذه القضية التاريخية التي تعكس هوية وعروبة الأمة العربية، تفرض نفسها اليوم على قمة البحرين كما كانت في كل مرة، إلا أن الظروف والمعطيات اليوم تجعل من تناول هذه القضية ذات أهمية بالغة، من منطلق عروبي وإسلامي وإنساني.
قمة البحرين فرصة لتجديد التأكيد على موقف العرب جميعاً الراسخ تجاه القضية الفلسطينية، وضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية، ووقف التصعيد في منطقة الشرق الأوسط وضمان السلام والأمن والاستقرار الإقليمي، والحاجة إلى مسار سياسي نحو سلام عادل ودائم في المنطقة على أساس حل الدولتين وقبول فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة؛ لينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
منذ قمة أنشاص الأولى في 28 مايو في عام 1946، يرافق كل قمة عنوان عريض، إلا أن المأمول في قمة البحرين أن تكون قمة الحلول لقضايا العالم العربي، وقمة نهاية الحرب على غزة؛ التي ما زالت القضية الأولى على المسرح العربي والدولي.