هآرتس – بقلم: رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت –
حرب “السيوف الحديدية” في قطاع غزة، وفي الشمال والوسط، والآن في رفح، تتدحرج وتراوح المكان. الجنود الشباب الشجعان يواصلون العملية البرية بتصميم في محاولة لتدمير مقاتلي حماس المتبقين، بعد أن ظهر بأنه تمت تصفيتهم أو إبعادهم، ولكنهم عادوا ويستمرون في القتال، وجنودنا هم الذين سيدفعون ثمن ذلك بحياتهم. والكثير من الفلسطينيين، ومن بينهم مدنيون، وجدوا أنفسهم في قلب العاصفة في ميادين القتال. وقوافل المساعدات، التي تحاول الوصول إلى مليونين من سكان القطاع، ستواصل شق طريقها في البر وعبر الميناء الجديد الذي أقامته الولايات المتحدة للتسهيل على توفير الغذاء والمساعدات الإنسانية لمئات آلاف الأشخاص الذين جعلهم يحيى السنوار شبكة أمان تحميه هو وجنوده.
إسرائيل المحبوسة بين الحواجز تتعاون في توفير المساعدات، ليس بفرح وتفهم بل رغم أنفها؛ لأن هذا هو الثمن المحتم والمبرر، الذي قد يعطي المبرر الأخلاقي لاستمرار الحرب حتى “النصر المطلق”، الذي من شبه المؤكد لن يأتي. لكن في المقابل، تقريباً بشكل خفي، تتطور حرب ستغطي إشاراتها على كل المآسي والدماء والنار وسحب الدخان التي تغطي غزة ومحيطها، وهي الحرب في الضفة الغربية، في المناطق التي نسميها بحق تاريخي “يهودا والسامرة”. هناك يعيش أكثر من مليوني فلسطيني منذ سنوات كثيرة. هم لم يهاجروا إلى هناك، إلى المناطق التي تعتبر بالنسبة لهم “وطنهم”. هم وآباؤهم ولدوا هناك، وأجدادهم وجداتهم ولدوا هناك. وأيضاً ليس لهم بلاد أخرى. نحن نفعل كل ما في استطاعتنا لطردهم من هناك، طردهم من بيوتهم، من مشاهد حياتهم الطبيعية، لكي نضم هذه المناطق لدولة إسرائيل ونستكمل مهمة حياة الجمهور المسيحاني المتطرف والرجعي والقاتل الآخذ في السيطرة على الحكم في دولة إسرائيل.
قلت وأكرر: الحرب في قطاع غزة ليست أمل وطموح بن غفير وسموتريتش وأصدقائهما. وتصميمهما على رفح ليس الهدف الحقيقي، ليس سوى ملحق للحرب في الضفة الغربية. الفم في رفح والقلب في “يهودا والسامرة”.
حرب المستوطنين ومؤيديهم جريمة برعاية الحكومة وغض نظر متعمد وسذاجة متوارعة لا يمكن أن تغطي على وحشيتها. رجسها ونتائجها الصادمة ليست فقط من نصيب ضحاياها في المستوطنات وفي الحقول والشركات وفي مراكز حياة الفلسطينيين، بل من نصيبنا أيضاً، في أرجاء الدولة كلها. حتى قبل 7 تشرين الأول، كانت هناك أعمال عنف فظيعة للمستوطنين ضد الفلسطينيين. حصلت مذبحة حوارة على تغطية واسعة تجاوزت حدود الخطاب الداخلي في إسرائيل. إعلان سموتريتش بوجوب “محو حوارة”، ليس من خلال متطوعين من سكان المناطق، “شبيبة التلال” ومؤيديهم، بل من خلال حكومة إسرائيل، هذا الإعلان أثار صدمة في أرجاء العالم، واستدعى ردوداً دولية غاضبة، بما في ذلك زعماء مهمون وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بايدن. أدرك الجميع أن حكومة الدمار التي يتزعمها نتنياهو تقوض أسس وجودنا، في الوقت الذي تسعى فيه لتدمير أسس وجود الشعب الفلسطيني، الذي يعيش على الأرض التي للشعب اليهودي صلة تاريخية عميقة معها. ولكن أيضاً بالنسبة له، هي أرض حياته، لا ليس له غيرها.
بطبيعة الحال، نهتم بالحرب في غزة، بالحزن الذي يصيبنا، ببيانات المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي أنه “سمح بالنشر” وبالبكاء على أبنائنا الذين يتم الكشف عن أسمائهم وهم في التوابيت لدفنهم باحترام، في ظل حزن الجميع. من المهم الاستماع لقصص بطولة المحاربين الشجعان الذين يعرضون حياتهم للخطر في عمليات مدهشة من أجل العثور على جثث المخطوفين الذين قتلوا منذ أشهر، وإخراجهم من القبر المؤقت وإحضارهم للدفن في إسرائيل. في الوقت نفسه، لا يمكن حرف الانتباه عن الحرب التي تجري الآن في “يهودا والسامرة”، التي هي جزء من الحرب الوجودية التي تديرها دولة إسرائيل الديمقراطية والمتنورة. عندما تهدد جماعات منظمة من المخربين القتلة الذين هم رسل المسيحانية، بتدميرها من أجل تجسيد حلم السيطرة المطلقة على أجزاء البلاد التي يريدون ضمها، وطرد من يعيشون فيها منذ أجيال.
إذا توهم أحد أن بإمكانه إخفاء هذه الأحداث في الضفة الغربية وتجاهلها، فقد جاء رونين بيرغمان ومارك ميزتي من “نيويورك تايمز” (بيرغمان مراسل أيضاً في “يديعوت أحرونوت”) وكشفا الأفعال التي تحدث هناك بكل قبحها. تقرير هذين المراسلين نموذج على الشجاعة والضمير الإنساني والمسؤولية الأخلاقية. الآن الصورة واضحة، لم تعد خفية عن طريق جهود الطمس التي تتقصدها شرطة إسرائيل، شرطة “المناطق” وفيالق بن غفير. هذه صورة صادمة.
منذ 7 تشرين الأول، تم تجنيد حوالي 7 آلاف إسرائيل من سكان “المناطق”، الذين معظمهم خدموا في الجيش سابقاً، ثم تسليمهم السلاح؛ وتم أيضاً تعيينهم لحماية المستوطنين والمستوطنات؛ وطلب منهم كشف وجوههم وعدم إقامة حواجز على الشوارع في الضفة. عملياً، الكثير منهم تركوا نوبة الحراسة في المستوطنات ووضعوا الأقنعة على وجوههم وخرجوا للمواجهات مع سكان المناطق الفلسطينيين بعنف، انتهى في حالات كثيرة بمصابين وتدمير ممتلكات وحتى القتل.
جهاز إنفاذ القانون في إسرائيل يستخدم معايير مختلفة تماماً للفحص والتحقيق عندما يتعلق الأمر بفلسطينيين مشتبه فيهم بالإرهاب مقابل إسرائيليين مشتبه فيهم بالإرهاب. الأخيرين يستخدمون الأقنعة التي يبدو أنها أعطيت لهم لتحقيق الهدف الرئيسي لحكومة نتنياهو، وهو التطبيق المطلق وعديم الرحمة للسيطرة اليهودية على أراضي وطننا التاريخي، على حساب الفلسطينيين الذين يعيشون هناك. منذ أحداث 7 تشرين الأول، نفذ المستوطنون، شباباً وشيوخاً، 848 اعتداء في الضفة الغربية تسببت بإصابات بالغة في النفس والممتلكات، حسب تقارير أجنبية وأشخاص يتابعون بحرص كل يوم ما يحدث في “المناطق” التي تعتبر دولة إسرائيل هي المسؤولة فيها عن حماية الأمن والقانون والنظام.
إضافة إلى ذلك، تم طرد 18 تجمعاً فلسطينياً بشكل كامل، و7 تجمعات تم طردها من أماكنها بشكل جزئي على أيدي المستوطنين العنيفين. ولم ينجح أي تجمع منها في العودة إلى مكانه، ويعيش سكانها الآن في ظروف قاسية، في مناطق وفي ظروف لا تسمح لهم بالعيش. هذه مرحلة من مراحل تجسيد حلم أرض إسرائيل الكاملة بدون الفلسطينيين.
في هذه الفترة، منذ 7 تشرين الأول، تم تنفيذ عمليات إرهابية لرجال حماس في “يهودا والسامرة”، أوقعت الكثير من الضحايا في أوساط اليهود، من سكان المناطق وغيرهم. واضح أن على “الشاباك” والشرطة والجيش العثور على القتلة واعتقالهم، وإذا كانت هناك حاجة، تتم تصفيتهم بدون تردد. الجهات الأمنية في إسرائيل تفعل ذلك، وهي تستحق التقدير على نشاطها في اجتثاث الإرهاب. ولكن الأحداث الآن في المناطق مختلفة ولها تداعيات أخطر.
ما يحدث في “المناطق” الآن هو عملية منظمة وعنيفة وقاتلة من قبل مستوطنين يعرفون أن لهم سنداً ودعماً من وزراء كبار في الحكومة، ويحظون بحرية عمل تنبع من غض نظر تتعمده الشرطة والجيش. جميعهم يفضلون التظاهر بأنهم لم يروا ولم يسمعوا ولم يلاحظوا ولم يعتقلوا– كل ذلك مع الغمز، الذي يعني بالفعل الشراكة في الأعمال الإجرامية هذه. في الفترة الأخيرة، تمكن كل من شاهدوا قنوات التلفاز الإسرائيلية من رؤية كيف أن عشرات الشباب الذين يرتدون القبعات ويحملون السلاح والعصي وقضبان الحديد انقضوا على عشرات الشاحنات التي تنقل الغذاء الذي يهدف إلى علاج الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. هؤلاء الشباب أوقفوا الشاحنات واعتدوا على السائقين وأنزلوهم منها وصعدوا على الشاحنات ورموا الغذاء وأتلفوه. لم تفعل الشرطة أي شيء لمنع ذلك، ولم يكن الجيش هناك من أجل ردعهم. فعلوا ذلك بحرية وبوجوه مكشوفة حيث يمكن تشخيصهم. ولكن لم يتم اعتقالهم أو التحقيق معهم أو توقيفهم. لقد حان الوقت لتسمية الولد باسمه: برعاية حكومة إسرائيل ودعمها وتأييدها، سواء بشكل ناجع أو سلبي، تحدث في مناطق يهودا والسامرة معركة ستشعل الحرب الذي ستجر ملايين السكان الذين يعيشون هناك.
هذا هو لب الموضوع. لا يمكن فهم تراكم الأحداث في “يهودا والسامرة” إلا كجزء من جهود تستهدف في نهاية المطاف إشعال النار التي ستنتشر كالنار في الهشيم كل أرجاء “يهودا والسامرة” وستؤدي إلى حرب شاملة. هذا هو الهدف الأسمى لبن غفير وسموتريتش وأصدقائهم. بالنسبة للمستوطنين ومؤيديهم في الحكومة، ما دامت الحرب مستمرة في غزة، وما دام الجنود يراوحون في المكان بدون حاجة في رفح ومناطق أخرى في القطاع، وما دامت الحرب المحدودة في الشمال مستمرة، وعشرات آلاف سكان الشمال لا يعيشون في بلداتهم وبيتهم، وبالأساس ما لم يعد المخطوفون إلى بيوتهم، ورؤساء عصابات الحكم، لا سيما بن غفير، يعملون على منع عقد صفقة تؤدي إلى تحرير المخطوفين… فإنه يمكن مواصلة العربدة في الضفة الغربية والتنكيل بالسكان الفلسطينيين وقتلهم، حتى غير المتورطين بالإرهاب والعنف.
لقد حان وقت وقف أعمال الشغب هذه. والمسؤولية عن ذلك ملقاة في المقام الأول على الحكومة ورئيسها. ولكن من الواضح أن نتنياهو سيستمر في غض النظر، ومن المؤكد أنه سيعطي تعزيزاً لبن غفير بسبب تصميمه كما يبدو على منع الإرهاب ومنح الأمن لسكان “يهودا والسامرة”. الجميع متفقون على أن نتنياهو غير جدير بالثقة، وأنه لا يملك نية أو رغبة أو قدرة أو التزام أخلاقي لمنع قتل الفلسطينيين على يد اليهود في الضفة الغربية.
إذا لا مناص من وضع هذا الطلب أمام زعيمين آخرين، العضوان في مجلس الحرب واللذان هما الآن الأمل الأخير لكثير من الإسرائيليين الذين لا يريدون أن يعيشوا في دولة أبرتهايد: غانتس وآيزنكوت. هما مناسبان ومنطقيان ومحاربان ووطنيان بكل معنى الكلمة. عندما انضما لحكومة الدمار اعتقدت أنهما مخطئان. وقلت علناً بأنه عندما يأتي اليوم الذي سيتم فيه إزاحة نتنياهو عن الكرسي، كما يستحق، فعليهما أن يكونا مع يئير لبيد، ذخراً سلطوياً يحاول تشكيل حكومة جديدة تعيد بناء دولة إسرائيل قبل أن يكون الوقت متأخراً جداً. وتوقعت أكثر من مرة بأنه إزاء خداع نتنياهو، وإزاء غياب رؤية وأفق سياسيين في الحكومة التي هما من أعضائها، سيستنتجان أنه لا خيار أمامهما إلا الانسحاب من الحكومة.
سمعت المبررات التي نسبت إليهما، والتي تقول إن حكومة بدون غانتس وآيزنكوت ستكون خاضعة بالكامل لهستيريا “المتهرب من الخدمة”، كما يسمي آيزنكوت بن غفير، وأنه من الأفضل أن يكون مجلس حرب مع غانتس وآيزنكوت على أن يكون مجلس حرب مع بن غفير. حتى هنا، ما يحدث في “المناطق” ليس موضوعاً لعملية عسكرية كما هي العملية لتصفية كتائب حماس في رفح. يمكن أن تكون مواقف مختلفة حول عمليات كهذه؛ فلغانتس وآيزنكوت موقف آخر؛ أنا وكثيرون آخرون، الذين اتخذوا في حياتهم العامة قرارات بشأن هجوم أو انقضاض أو عمليات أو تصفيات، لنا موقف آخر. موقفهما في هذا الشأن مشروع، حتى لو كان حسب حكمي خاطئاً. لكن صمتهما على ما يحدث في مناطق “يهودا والسامرة” غير مفهوم وغير مبرر وغير محتمل، عندما يدور الحديث عن أعمال شغب وفوضى تنفذها دولة إسرائيل بواسطة مواطنيها ومستوطنيها وشرطتها وقوات الأمن، فلا مكان للتسامح والتسليم والصمت.
غانتس وآيزنكوت، أنتما اللذان تتحملان المسؤولية. إما أن تنسحبا الآن من هذه الحكومة الدموية، أو تكونا جزءاً منها مع كل الدمار الذي تقوم بتنفيذه.