تُمثل شريحة الشباب العمود الفقري لبناء حاضر أي مجتمع من المجتمعات، وتُساهم في تحديد معالم ومسار مستقبله. فهذه الفئة التي تُشكل أكثر من ثلث التعداد الإجمالي للسكان في العالم وخمس المجتمع الفلسطيني يتوجب أن يكون لها دورٌ فاعل وملموس في بلورة السياسات العامة، وتنمية مجتمعاتها؛ اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، واجتماعياً، وسواها، وذلك عبر إتاحة المجال لها بالمشاركة في عملية صنع القرار والتأثير فيه.
ومن هنا، فإن التهميش والخوف من المستقبل هما المهيمنان الابرز على واقع حياة الشباب في فلسطين، حيث يسود أوساطهم شعورٌ عام بالإحباط والقلق من المستقبل، فمن جهة، تشل هيمنة النزعة الأبوية في مجتمع ذكوري قدراتهم على التعبير عن أنفسهم وعن طموحاتهم، كما تُقيد روح الابداع لديهم، مع ما يصاحب ذلك من قمع وكبت وتمييز تجاه الشابات خاصة. ومن جهة ثانية، يتزايد تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، في ظل نظام سياسي هش وصراع محتدم على السلطات في فلسطين وبعض الاحزاب فيها، من وضع هذه الفئة سوءاً وضياعاً.
فواقع الشباب الفلسطيني شهد ولا يزال مشكلات اجتماعية عامة وأخرى خاصة؛ تأثرت بهم وتأثروا بها، الأمر الذي أدى إلى حالة من التيه وفقدان البوصلة والأمل في بعض الأحيان، وأضحت هذه المشكلات عوائق جدية أمام الشباب الفلسطيني حيث حالت دون تحقيق طموحاتهم وأهدافهم. وهذه المشكلات العديدة تُمثل عائقاً أمام قطاع الشباب في فلسطين والتي تتجلى صورها بوضوح عبر الموروث الثقافي ودوره في تحجيم المشاركة العامة للشباب، ودور العشائرية والمناطقية في الحد من المبادرة والفاعلية، وتأثير القوانين السائدة، ومنها قانون الانتخابات على إعاقة تقدم الشباب، فضلا عن الدور المحدود للمجتمع المدني والمؤسسات الشبابية، والأحزاب السياسية المُقصرة في خدمة شريحة الشباب، أو تأهيل افرادها لأخذ زمام المبادرة في إحداث عملية التغيير المجتمعي.
وتُعتبر عملية توسيع قاعدة المشاركة المجتمعية تعزيزاً لمبادئ المواطنة والانتماء والانحياز للمصلحة العامة، وتعميقاً لمكانة وريادة الشباب في المجتمع ومؤسساته. ولذلك، فإن المشاركة الفاعلة للشباب تشمل الاعتراف بمكامن القوة لديهم، واهتماماتهم وقدراتهم، والعمل على تطويرها من خلال توفير فرص حقيقية لهم حتى يشاركوا في اتخاذ القرارات التي تمسهم على صعيد الأفراد والمجتمعات والمؤسسات وخاصة في المشاركة السياسية وصناعة القرار في السلطة أو الدولة.
إن تبوء الشباب المسؤولية في الهيئات السياسية الرسمية أو الأهلية لم يعد يُعتبر أحد المطالب الأساسية لديمقراطية النظام السياسي في فلسطين فحسب، بل يتعدى ذلك في أن مشاركتهم السياسية هي تعبير حقيقي وفعلي عن مصالحهم. فبدون مشاركة الشباب مشاركة فعالة، فإنه لا يمكن الحديث عن مساواة في الحقوق والواجبات بين فئات المجتمع الفلسطيني المختلفة، وبما يضمن المشاركة الفاعلة في العملية التنموية.
ولعل أبرز سمات المشاركة السياسية الفلسطينية، متمثلة في: أولها، أن هذه المشاركة شكلت معلماً رئيسياً من معالم المشروع الوطني منذ بداياته الأولى سيما بعد هزيمة 1967، وقد وقف على رأس هذه المشاركة الشباب، في حين تمثلت السمة الثانية حول غياب التبلور وعدم وجود عناوين شبابية واضحة وصريحة، إلا بعد تشكل منظمات وأطر شبابية فلسطينية تحمل هموم وآمال قطاع الشباب، وبتراجع هذه المنظمات لاحقاً شكلت الجامعات إحدى الحاضنات الرئيسية للحركة الشبابية الفلسطينية.
ورغم أن الشباب يشكلون نسبة كبيرة من الناحية العددية، إلا أنهم من الناحية الفعلية ليسوا كذلك، فهم يمثلون أقلية بالمفهوم السياسي الفلسطيني، ما يعني سيطرة فئة على مجريات الأمور. فالنظام السياسي هو الذي يجعل من المساواة حقيقة واقعية، سواء أكانت المساواة على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة، وهو الذي يجب عليه أن يحقق مطالب الشباب ويشركهم في الفعل السياسي والتنموي عامة.
إن استثناء الشباب الفلسطيني من المشاركة السياسية الفاعلة وتهميشهم من الممكن أن يؤدي إلى نتائج خطيرة قد تُفضي بهم إلى تنامي الشعور بالإحباط والوهن وتقويض التماسك الاجتماعي الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى تفاقم بعض المشكلات الاجتماعية كالفقر والجريمة والعنف والتطرف.
ولذلك، فإن ترجيح القيم الثقافية التي تعزز سلطة العقل والإبداع وتمكين الشباب الفلسطيني من ممارسة حرية الاختيار والتعبير وتحمل المسؤولية، ستبقى ناقصة ما لم تتعزز بتوفير فرص المشاركة السياسية بالرأي والممارسة من خلال فتح سبل الحوار بين الآباء والأبناء الطلبة والأساتذة والمسؤولين مع الأجيال الجديدة. كذلك، فإن للثقافة والهوية الثقافية دورٌ في طبيعة عدم المشاركة الشبابية في فلسطين، ويتجلى ذلك من خلال عدم المساواة، وعدم وضوح سقف الحريات، أو احترام الرأي والرأي الآخر، والتعصب والعشائرية وضعف التوعية والتنشئة الديمقراطية. إضافة إلى انتشار التقليد الأعمى للغرب، وسلبية بعض العادات والتقاليد.
وبخصوص رأي الشباب الفلسطيني حول المشاركة السياسية في السلطة، فإنهم يجمعون على أهمية دورهم في المجتمع دون أن يسقطوا ذكر محاولات تهميشهم أو التراخي في تحقيق مطالبهم وأهدافهم. لذا فإن مشاركة الشباب في الحياة السياسية غائبة، فـنحن شعب فتي ولكن من يحكمنا ويتحكم بنا ويقودنا هم الشيوخ، لذلك، لا توجد مشاركة شبابية في الحياة السياسية في فلسطين وإن وجدت فهي ضعيفة وشكلية ولعل هذا الانطباع يشمل السلطة والأحزاب الفلسطينية الأخرى باستثناء الأحزاب الإسلامية التي تمثل فيها نسبة التمثيل الشبابي أعلى من غيرها من الأحزاب العلمانية الأخرى.
ولو نظرنا لمتوسط العمر للأمناء العامين للأحزاب الإسلامية مع متوسط العمر مع نظرائهم في حركة فتح والأحزاب اليسارية الأخرى، سنجد أنهم في الاحزاب الإسلامية أصغر عمراً من الأحزاب الأخرى، وحتى قياداتهم التي نراها في الإعلام غالباً ما تكون من فئة الشباب وهذا يرجع ربما للانتخابات الدورية لديهم وتدافع الاجيال بصورة طبيعة وليس قيصرية عندهم.
وفي السياق ذاته، فإن المشاركة الشبابية السياسية وسواها تمر، الآن، في أسوأ أحوالها بسبب فقدان الشباب الثقة في السلطة والأحزاب السياسية في فلسطين والتي تحول دون امتلاك هذه الفئة زمام قرارهم والمشاركة في القرارات الهامة وأن الكثير من الأحزاب تستغل الشباب في فترة الانتخابات مثلما تفعله بعض الشخصيات المستقلة، دون أن توظف قدراتهم في الصالح العام.
ومن هنا، فإن غياب الشباب عن مراكز صناعة القرار بالمؤسسات الرسمية والحزبية في فلسطين، يساهم في غياب طرح قضاياهم داخل البؤر القيادية ويساهم في زيادة مشكلات الشباب؛ لأنّ معظم القيادات الفلسطينية الحالية، لا تعمل لصالح تنفيذ مشاريع تنموية وتشغيلية، ولا تلتفت لهموم الشباب ومعاناتهم إلّا في المناسبات، ويشكل الانقسام السياسي بين حركتي “فتح” و”حماس” كذلك عاملا هاما في افقاد الشباب لحقوقهم في المشاركة السياسية، وبالتالي إهمال فئة الشباب في المشاركة السياسية وصنع القرار أصبح له تبعات وانعكاسات وخيمة ليس على تلك الفئة فحسب؛ بل على الأمن والتنمية في الحالة الفلسطينية بأكملها .
خلاصة القول: يتوجب على كافة الأطراف ذات العلاقة بقطاع الشباب في فلسطين الاهتمام بشريحة الشباب، والعمل على تحسن أوضاعهم الاقتصادية، وتشجيعهم على المشاركة في الشؤون السياسية والاقتصادية في أماكن صنع القرار؛ ليساهموا في إحداث تنمية مستدامة. دون ذلك، سوف ينعكس سلباً على المجتمع، وعلى هدف تحقيق التنمية؛ خاصة وأن تهميش طاقات الشباب وتركهم دون تمكين سيحولهم إلى عناصر هدامة للتنمية في الحاضر والمستقبل.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0