(أ ف ب):
داهم عناصر من الشرطة الإثيوبية كاتدرائية في أديس أبابا قبل طلوع الشمس في أحد أيام يوليو مقاطعين الصلوات واقتادوا قرابة عشرة كهنة من إثنية تيجراي بالقوة في شاحنة بيك-أب.
لم يقدّموا أي تفسير للمداهمة، لكن لم تكن حاجة لذلك: فالموقوفون أدركوا على الفور أنهم سينضمون إلى آلاف التيغرانيين الذين اعتقلوا بتهمة دعم “جبهة تحرير شعب تيجراي” المتمردة.
على مدى العام الماضي، استهدفت حملة اعتقالات تعسفية واسعة النطاق تيجرانيين من جميع الأطياف في العاصمة أديس أبابا وأماكن أخرى في إثيوبيا، في وجه آخر خفي للحرب المدمرة في شمال البلاد.
ويؤكد المسؤولون شرعية التدابير الهادفة للقضاء على الجبهة التي يعتبرونها منظمة إرهابية.
غير أن مقابلات أجرتها وكالة فرانس برس مع عشرات الموقوفين والمحامين ومسؤولين في القضاء وحقوقيين، تكشف عن عملية أكثر عشوائية تطال مسؤولين عسكريين بارزين وصولا إلى عمال مياومين.
وقال ضحايا لفرانس برس إن تجربتهم كشفت عن طابع عرقي للتوقيفات، فيما بنيت القضايا على أدلة واهية، حسب قولهم.
وأوقفت الشرطة رجال الدين الذين اعتقلوا من الكاتدرائية لأكثر من أسبوعين واتهمتهم بجمع أموال للجبهة وإحراق أعلام إثيوبية، بل التخطيط لهجمات إرهابية بأنفسهم.
ويقول راهب إنه لم يتمالك نفسه عن الضحك عندما سأله محقق عن مكان إخفاء المسدسات.
وقال لفرانس برس مشترطا عدم نشر اسمه لدواع أمنية “قلنا لهم نحن رجال إيمان ولسنا سياسيين”.
وأضاف “لا أعلم من أين جاؤوا بالمعلومات، لكنهم يستخدمونها لقمعنا نحن التيجرانيين ودفعنا لكي نعيش في الخوف”.
– عملية تطهير داخل الجيش –
بدأت الاعتقالات عقب اندلاع الحرب في إقليم تيجراي في أقصى شمال البلاد مطلع نوفمبر 2019، بعد أشهر من التوتر بين رئيس الوزراء أبيي أحمد وجبهة تحرير شعب تيجراي التي كانت تمسك بالسياسات الوطنية قبل تولي أبيي أحمد مهامه في 2018.
في البدء، استهدف المسؤولون عسكريين بشكل رئيسي.
بعد أسبوعين على أول عملية إطلاق نار، استُدعي عشرات الضباط التيجرانيين الى اجتماع متلفز في أديس أبابا. وبثت وسائل الإعلام الرسمية المشاهد كدليل على دعم المشاركين فيه للحكومة.
لكن في وقت لاحق، اعتقل ثلاثة من أولئك الضباط وتمّ تفتيش منازلهم بحثا عن أسلحة قبل سجنهم بتهمة التواطؤ للإطاحة بأبيي، وفق ما قال أفراد من عائلاتهم لفرانس برس.
وقال مايكل الذي كان والده من بين الموقوفين إن الاعتقالات أثارت دهشته.
وأضاف إن والده وهو ضابط خدم لثلاثة عقود “لم يمكن يحبّ التحدّث بالسياسة”، مضيفا “بل كان يوبخنا عندما نتحدث في السياسة”.
بعد تقرير نشرته وسائل إعلام رسمية في أغسطس وذكر أن محكمة عسكرية قضت بإعدام عدد من الضباط “الخونة”، ازدادت مخاوف مايكل.
وقال “أخشى كثيرا أن يحكموا بالإعدام أو المؤبد على والدي والمحيطين به”.
ولم يرد متحدث عسكري على طلب فرانس برس التعليق على الموضوع.
بعد مضي عام تقريبا، لا يزال والد مايكل معتقلا في معسكر للجيش غرب أديس أبابا. والسماح له بثلاث زيارات أسبوعيا يجعله محظوظا مقارنة بآلاف الموقوفين الآخرين الذين لا يؤذن لهم بذلك.
– إسكات المنتقدين –
وكانت القوات الإثيوبية سيطرت سريعا على الجزء الأكبر من إقليم تيجراي. ومع استمرار الحرب في 2021، تكثفت حملة التوقيفات وإن ببطء.
لكن جبهة تحرير شعب تيجراي تمكّنت في أواخر يونيو من استعادة السيطرة على غالبية المنطقة ومنها العاصمة ميكيلي ما دفع بالجيش إلى سحب جزء كبير من قواته.
بعد ثلاث ليال على استعادة السيطرة على ميكيلي، وصل خمسة من عناصر الشرطة الفدرالية وثلاثة ضباط باللباس المدني إلى منزل ألولا في أديس أبابا، وطرقوا باب الناشط التيجراني الذي كان يستخدم صفحته على موقع “فيسبوك” لتسليط الضوء على مجازر واغتصابات جماعية في تيغراي، وفق منشوراته.
أبقوه قيد الاحتجاز ليلا في مركز للشرطة في العاصمة، ثم اقتاده جنود إلى معسكر يبعد 200 كلم شرقا في منطقة عفر.
في الأيام السبعة التي تلت، عاش ألولا، وهذا ليس اسمه الحقيقي، على قطعة خبز وكوبين من الماء يوميا.
وكان في المعسكر أكثر من ألف موقوف، بينهم صحافيون وسياسيون جاهروا بالحديث عن أهوال النزاع الذي أودى بالآلاف، ودفع وفق الأمم المتحدة، بعشرات الآلاف إلى ظروف تشبه المجاعة.
أُفرج عن ألولا، لكنه بات يخشى الحديث عن الحرب.
وقال لفرانس برس “إذا تحدثت عن ذلك، سيتم اعتقالي مجددا أو ربما قتلي”.
بموازاة الاعتقالات، أغلق المسؤولون آلاف المحال التجارية “الداعمة لجبهة تحرير شعب تيجراي”، وفق ما أعلن مسؤول في وزارة التجارة في سبتمبر.
في مجمع واحد في أديس أبابا، أُغلقت سبع حانات وفندقين في يوليو بسبب “الضجيج الملوث”، اعتبرها أصحاب المصالح اتهامات لا أساس لها.
وقال صاحب حانة يدعى مايكل لفرانس برس “يتصورون أن التيجرانيين يحتفلون بالتقدم الذي أحرزته الجبهة”.
واعتبر إغلاق المحال دليلا آخر على أن المسؤولين يستهدفون جميع التيجرانيين وليس فقط داعمي الجبهة.
– ارتباك –
ويقول الباحث في منظمة العفو الدولية فيسيها تيكليمن إنه من الصعب معرفة الحجم الحقيقي للتدابير القمعية بسبب سريتها.
لكنه يلفت إلى أن المنظمة “تلقت تقارير عدة” تفيد باحتجاز أكثر من ألف شخص في معسكر واحد في ظروف “بائسة”.
ولا تتوافر معلومات عن العديد من الموقوفين.
وقال تيكلي لوكالة فرانس برس “قطع أفراد الأسر مئات الكيلومترات بحثا عن أقارب موقوفين. وتوجه آخرون إلى مراكز الشرطة للاستفسار عنهم”.
وأثارت الاعتقالات حتى انتقادات بعض المسؤولين الحكوميين.
في أواخر سبتمبر، كتب المسؤول البارز في الإدارة الموقتة المعينة من أبيي في تيغراي أبراها دستا، على “فيسبوك” إن السلطات خلقت بيئة يعد فيها التحدث باللغة التيجرانية، “جريمة”.
في اليوم التالي، اعتقل أبراها واتهم بانتهاك قوانين الأسلحة والتحريض.
وتحدث مسؤولون آخرون في مجالس خاصة، وفق تقارير.
خلال مؤتمر في سبتمبر في مدينة أداما، وبّخ المدعي العام غيديون تيموثاوس موظفين في مديرية استرداد الأصول في مكتبه لحماستهم المفرطة في مطاردة أصحاب الأنشطة التجارية، وفق ما قال مسؤولون حضروا المؤتمر.
واتهم المديرية ب”سوء استخدام النفوذ”، ودعا إلى وقف الإجراءات ذات “الطابع العرقي”.
ولم يرد غيديون، وهو الآن وزير العدل، على طلب للتعليق.
وحتى إن توقفت الاعتقالات غدا، يخشى الضحايا من أنها تسببت بتآكل النسيج الاجتماعي وخصوصا في أديس أبابا، حيث كان التيجرانيون يعيشون في حرية.
وقال محام تيجراني يمثل نحو 90 من الموقوفين التيجرانيين “واضح أن كل شخص يشعر بالارتباك… لا يعلمون ما سيحصل غدا”.
وأضاف “حتى أنا لا أشعر بالثقة. يمكن أن يعتقلوني في أي وقت”.