عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة؛ لمناقشة انتهاك الاحتلال الإسرائيلي للوضع القائم في القدس المحتلة، بطلب أردني فلسطيني مشترك، وعبر المندوب العربي في المجلس الإمارات، وكذلك الصين.
وجاء الطلب عقب اقتحام وزير الأمن الداخلي للاحتلال، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، للمسجد الأقصى الثلاثاء الماضي.
الأردن: عمل متطرف
من جهته وصف السفير الأردني لدى الأمم المتّحدة محمود ضيف الله حمود “اقتحام” الوزير الإسرائيلي باحة الأقصى بأنّه “عمل متطرّف من المرجح أن يخلق حلقة جديدة من العنف”.
وشدّد المندوب الأردني على وجوب “أن يتحمّل مجلس الأمن مسؤولياته بجدية وأن يضع حدّاً لهذا النوع من المحاولات”، مذكّراً بأنّ “إسرائيل ملزمة باحترام الوضع القانوني والتاريخي الراهن والقانون الدولي”.
وقال الأمين العام المساعد للشرق الأوسط وآسيا ومنطقة المحيط الهادي في الأمم المتحدة، خالد خياري، إن آخر المستجدات في القدس المحتلة تثير القلق، وأشارت إلى اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير للمسجد الأقصى الأسبوع الفائت، وما تمخض عنه من توترات وعنف، وما تبعه من أعمال عنف، وكان بمثابة اقتحام تحريضي تسبب في الكثير من العنف.
وأضاف أن الاقتحام “يعدّ استفزازا قد ينبئ باشتعال أحداث عنف تؤدي إلى إراقة الدماء، ولقد رأينا الحالة في الأماكن المقدسة في القدس هشة، وتنذر بانتشار أعمال العنف في جميع أرجاء الأراضي الفلسطينية”.
وتابع: “القادة عليهم مسؤولية في الحد من ألسنة النار، وتهيئة الظروف لإشاعة الهدوء، والأمم المتحدة مستعدة لتقديم كل ما يلزم”.
من جانبها، أدانت مندوبة الإمارات، السفيرة لانا نسيبة، اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى المبارك، وقالت إنه “يؤدي إلى زعزعة الوضع الهش، ويبعد المنطقة عن طريق السلام الذي نسعى إليه جميعا، ويؤدي إلى تعميق الاتجاهات السلبية للصراع، كما يؤدي لمواجهة نسعى لتجنبها في الوقت الحالي، وتغذي الكراهية”، وفق وصفها.
وأضافت: “ندين الاعتداء على المقبرة المسيحية في جبل صهيون، ونطالب المسؤولين هناك بمحاسبة المسؤولين عن هذه الاعتداءات، كما نطالب بتوفير الحماية الكاملة للمسجد الأقصى؛ نظرا لما يحظى به من مكانة مقدسة، مشددة على ضرورة احترام دور الأردن بموجب القانون الدولي والوضع التاريخي القائم، وعدم المساس بالوضع القائم”.
وتابعت: “إن هذه الإجراءات تبعدنا عن إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، ويتعين علينا اتخاذ موقف واضح من كل ما يجري، وضرورة وقف كافة الإجراءات التي تعزز الكراهية في الشرق الأوسط، لنضمن تحقيق حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
رفض صيني
من جانبه، قال مندوب الصين إن “ما نشهده الآن ليس السبيل الأمثل لبدء العام الجديد، وأقول للمسؤولين الإسرائيليين الحكوميين الذين دخلوا باحات المسجد الأقصى المبارك، نحن يعترينا القلق من أي تصرفات أو أي أفعال أحادية الجانب تؤدي لتصاعد التوترات، ما ينذر باشتباكات ومواجهات تمس بالوضع الديني للمقدسات”.
وأضاف أن التصرفات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين “أدت إلى تأجيج العنف، ونحن ندعو للهدوء وضبط النفس؛ لتجنب مزيد من التصعيد، وعلى إسرائيل الابتعاد عن أي تصرفات تؤدي إلى تأجيج الوضع وكل ما ينتهك القانون الدولي، والصين تدين أي تدابير تغير الطابع القائم في القدس، وكذلك كل التغيرات في الأراضي المحتلة، ويجب احترام دور العبادة ودور الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية بحسب قرارات مجلس الأمن”.
وتابع: “لاحظنا أن القادة الإسرائيليين وما ذهبوا إليه من ضرورة الحفاظ على الوضع الراهن يجب أن يترجم لإجراءات ملموسة، فالتوترات ناتجة عن التأخير في تحقيق حل الدولتين، والإجراءات المجتزأة لا يمكن أن تحل محل حل دائم وعادل، وينبغي أن ندفع الطرفين للتفاوض لإقامة حل الدولتين وحل قضية القدس وكل قضايا الوضع النهائي؛ لتحقيق التعايش السلمي”.
وقال إن الصين تؤيد إقامة دولة فلسطين على حدود 1967 وفق القوانين والقرارات الدولية، وسنواصل العمل من أجل تحقيق السلام وحل الدولتين.
بدوره، قال المندوب الألباني: “إنه من المهم الحفاظ على الوضع الراهن في الإمكان المقدسة في القدس لمنع المهالك، وندعو إلى الامتناع عن أي إجراءات تسهم في التأثير على الوضع الراهن في المدينة المقدسة، وكذلك وصاية المملكة الأردنية الهاشمية المهمة من أجل إشاعة الهدوء”.
انتقاد أمريكي
وعلى صعيد الموقف الأمريكي، قال مندوب واشنطن، إن بلاده ملتزمة “بحل الدولتين، لكننا قلقون بشأن أي تدابير أحادية الجانب تقوض حل الدولتين، وأضاف: كما أكد الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن دعم الحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الحرم الشريف، وتقدير الدور الخاص الذي يضطلع به الأردن كوصي على الأماكن الدينية، والوزير بلينكن قال بكل وضوح بضرورة الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب من خلال الخطاب أو الأفعال أو أي تصرفات أحادية تخل بالوضع الراهن، وهي غير مقبولة”.
روسيا: اقتحام يفجر الأوضاع
وأعرف المندوب الروسي عن رفض موسكو لاقتحام بن غفير للأقصى، وقال إنه أمر يثير الحفيظة، ولا يمكن أن ترى هذه الحادثة بمعزل عن الأحداث التي وقعت في العام 2000، بعدما توجه شارون محاطاً بمئات من عناصر الشرطة للأقصى، الأمر الذي فجر الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتي أودت بأرواح الآلاف.
وأضاف: “نحن نجد أن أي توتر في القدس هو حقيقة مصدر لزعزعة الاستقرار، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية، وإنما في المنطقة كلها. وفي هذا الصدد فإننا نهيب بالطرفين أن يبديا ضبط النفس والامتناع عن الخطوات الاستفزازية والأحادية”.
وأعرب عن أمله في أن “لا يتخذ مجلس الوزراء الجديد في إسرائيل أي خطوات من قبيل مصادرة أملاك الفلسطينيين أو تهجيرهم، أو أي إجراءات من شأنها أن تعرقل عملية السلام”، على حد قوله.
وهاجم المندوب الروسي أمريكا، وقال: “لقد أحبطنا وخاب أملنا، إذ إن الأمريكيين في اللجنة الرباعية رفضوا التعاون لاستئناف عملية السلام، وهم في الحقيقة حاولوا أن يراوغوا ويتلاعبوا بعملية السلام، وأن يستغلوها لخدمة أهدافهم الخاصة، ولكن أريد أن أقول إن هذا لن يؤدي إلى أي حلول ملموسة”.
بريطانيا: الاقتحام يؤجج للتوتر
من جانبها، وصفت المندوبة البريطانية اقتحام بن غفير بأنه “يؤجج التوتر، والمملكة المتحدة تؤيد بقوة الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة، وتقدير دور الأردن الهام كوصي على الأراضي المقدسة”.
وأضافت: “نحث على التعاون مع الأردن لاحترام الوضع القائم في القدس، وكل الأطراف يجب أن تمتنع عن الأفعال التي تزيد التوتر وتقوض السلام وتغير الوضع القائم، وموقفنا بشأن وضع القدس واضح ومحدد منذ وقت طويل، ويجب أن يحدد وضع القدس في إطار تسوية تفاوضية، بما يكفل أن تكون القدس العاصمة للدولتين، ويسمح بالوصول إليها والحقوق الدينية لكل الناس، وأن تحترم بشكل كامل”.
وتابعت: “ندعم حل الدولتين على حدود العام 1967، والقدس عاصمة للدولتين؛ لضمان السلام المستدام بين الأطراف، ونشعر بالقلق من ارتفاع مستويات العنف في الأراضي الفلسطينية”.
قلق فرنسي
إلى ذلك، أعرب مندوب فرنسا عن “قلق بلاده العميق” تجاه اقتحام بن غفير، وقال: ينبغي أن نفعل كل ما نستطيع لمنع التصعيد، الذي له عواقب وخيمة على الأرض، وفرنسا تنادي باحترام الوضع التاريخي القائم.
وأضاف أن اقتحام الأقصى “لا يخدم السلام، ويجب وقف سياسة الاستيطان، التي تضع إسرائيل على المحك، ونعيد التأكيد على التزامنا بحل الدولتين؛ إسرائيل وفلسطين، اللتين تعيشان جنبا إلى جنب مع القدس عاصمة لدولتين، الإسرائيليون والفلسطينيون يستحقون العيش في أمان وسلام”، وفق قوله.
الاحتلال يسخر
من جانبه وصف مندوب الاحتلال الجلسة بـ”العبثية” و”المثيرة للشفقة”، وقال جلعاد أردان خارج قاعة مجلس الأمن، “أنا فعلا مصدوم حقا”.
وأضاف للصحافيين “لماذا؟ لأنّه ليس هناك أيّ سبب على الإطلاق لعقد هذه الجلسة الطارئة اليوم. لا شيء. إنّ عقد جلسة لمجلس الأمن حول لا شيء هو أمر سخيف حقاً” وفق وصفه.
ونفى إردان أن تكون زيارة بن غفير “اقتحاما للمسجد الأقصى” أو خروجا عن “الوضع الراهن” التاريخي المتعلق بالأماكن المقدّسة في القدس المحتلة.
وزعم أنه “لكل يهودي الحق في زيارة جبل الهيكل (المسجد الأقصى)”.
وأضاف “إنّ الادّعاء بأنّ زيارة قصيرة وشرعية تماماً يجب أن تؤدّي إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن هو لأمر مثير للشفقة”.
بدوره المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتّحدة السفير رياض منصور، رد على تصريح مندوب الاحتلال، وقال منصور في خطاب مطوّل “أي خط أحمر ينبغي على إسرائيل أن تتجاوزه، لكي يقول مجلس الأمن في النهاية كفى ويتحرك تبعاً لذلك؟ متى ستتحركون؟”.