ذكرت تقارير صحافية اليوم، الجمعة، على خلفية زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، لإسرائيل واستئناف مفاوضات فيينا حول اتفاق نووي بين الدول العظمى وإيران، يوم الإثنين المقبل، أن القيادة الإسرائيلية تعلم أن قدرتها على التأثير على الإدارة الأميركية محدودة، وأن إسرائيل لا تسعى إلى هجوم ضد إيران في حال انهيار مفاوضات فيينا، وإنما إلى استمرار “حرب الظلال” ضد إيران.
وبحسب الصحافي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناداف أيال، فإن “حكومة بينيت – لبيد تحاول إقناع واشنطن بأنه حتى لو انهارت المحادثات مع إيران، فإن المنطقة ليس ملزمة بالتدهور إلى حرب”. وأضاف أن المنطق الذي يوجه الحكومة الإسرائيلية في هذا السياق، هو أن “الأميركيين مقتنعون بأنه إذا لم يتوصلوا إلى حل ما، فإن الإسرائيليين سيشعرون أحرارا بتشديد ردود فعلهم تجاه النووي الإيراني والنظام الإسلامي، لدرجة شن هجوم محتمل والتدهور إلى حرب إقليمية”.
وتابع أيال أنه “يقولون في إسرائيل إنه إذا كانت المعادلة بهذا الشكل، فإن الولايات المتحدة ستميل دائما إلى التوصل غلى اتفاق، لأن الإمكانية الثانية صادمة بالنسبة لها. ولذلك ينبغي إقناع أميركا أنه بالإمكان عدم التوقيع (على اتفاق) مع الإيرانيين، وأن الحكومة الإسرائيلية ستستمر بالتنسيق، بقدر الإمكان، مع واشنطن وستجد طرقا أخرى، ليست حربا إقليمية، من أجل الاستمرار في إحباط النووي الإيراني، شريطة ألا يتجه الإيرانيون بسرعة إلى صنع قنبلة نووية”.
وأضاف أيال أن “الرسالة الإسرائيلية إلى سوليفان بسيطة: إذا لم يجنّ الإيرانيين، فإن حرب الظلال ستستمر، لأنه يحظر أن تكون بحوزة إيران قدرة نووية عسكرية، ولكن إسرائيل لن تسارع إلى عمليات حربية”. وبحسب أيال، فإنه في أعقاب نشر “يديعوت أحرونوت” مقابلة مع قائد سلاح الجو المعين، تومير بار، التي قال فيها إن إسرائيل جاهزة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية فورا، طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، ألا يكرر ضباط الجيش تصريحات ومقابلات كهذه في الفترة القريبة المقبلة.
من جانبه، كتب المحلل العسكري في القناة 13، ألون بن دافيد، في مقاله الأسبوعي في صحيفة “معاريف”، أن “الجيش الإسرائيلي، سلاح الجو والموساد يبنون خيارا لهجوم ضد البرنامج النووي، وهذه وظيفتهم. ونعم، ستستمر القيادة الإسرائيلية بتذكير العالم بأنه يوجد خيار كهذا، وهذه وظيفتها أيضا. لكن إخراج الأمور من سياقها وتصويرها كأننا سنحلق صباح غد إلى هجوم في إيران، هو صياغة محرري الأخبار، وهم يخطئون تجاه وظيفتهم”.
بينيت اثناء استقباله سوليفان، أول من أمس (مكتب الصحافة الحكومي)
وبحسب بن دافيد، فإن مسؤولين إسرائيليين طلبوا من قادة الدول العظمى الشريكة في الاتفاق النووي ألا يناقشوا المندوبين الإيرانيين حول مستوى تخصيب اليورانيوم، وألا يقترحوا أي مقابل لقاء وقف التخصيب عند مستوى 60%. “بالعكس، قال الإسرائيليون، إذا كان الإيرانيون يريدون التخصيب بمستوى 90%، فلنراهم يفعلون ذلك”.
واعتبر بن دافيد أنه “في هذه الحالة ستكون جميع الدول العظمى، التي وقعت على الاتفاق السابق، ملزمة بإعادة العقوبات على إيران بكاملها. والإيرانيون يدركون ذلك وليس صدفة أنهم لا يجرأون الآن على التقدم أكثر من 60% تخصيب”.
وتوقع بن دافيد أنه في حال التوصل إلى اتفاق في فيينا، فإنه ستفرض قيود على إسرائيل ومطلب أميركي “بوقف العمليات ضد إيران والاستعدادات لهجوم، استعدادات علنية على الأقل. وإسرائيل، التي تعتمد على الولايات المتحدة بالتسلح والصواريخ الاعتراضية لمنظوماتها الدفاعية، لن تتمكن من الرفض”.
وأشار بن دافيد إلى أن الصورة التي تتعالى من محادثات وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، ووزير الأمن، بيني غانتس، من محادثات أجروها في واشنطن والعواصم الأوروبية، هي أنه سيتم التوصل إلى اتفاق نووي مرحلي على الارجح.
واضاف أن “هذا سيكون اتفاق سيء، وحتى أنه سيء جدا بالنسبة لإسرائيل، لكنه لا يزال أفضل من الوضع الحالي، الذي تتقدم فيه إيران ونحن الوحيدون المستعدون لإيقافها. وأي شيء يبعد إيران عن القنبلة، ولو لفترة قصيرة، سيكون مباركا”.
تراجع تأثير العقوبات على إيران
وأشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، إلى أنه “في إسرائيل يُذهلون كل مرة من جديد من نجاح إيران بالحفاظ على موقف متشدد في المفاوضات. وبالرغم من أزمة إيرانية داخلية غير مسبوقة، يبدو في إسرائيل أن إيران هي التي تُملي اتجاه المفاوضات”.
وأضاف هرئيل أنه “في إسرائيل يعترفون أن حجم التأثير المحتمل على مواقف الولايات المتحدة والدول العظمى في المفاوضات محدود. بل أن أجندة إدارة بايدن تغيرت، بشكل لا يعمل في صالح إسرائيل. وإلى جانب القضايا الدولية الماثلة على أجندة بايدن، أضيفت قضية أخرى، وهي المواجهة التي أخذت تشتد بين روسيا وأوكرانيا. ولا يستبعدون في واشنطن أن يشعل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حربا مع أوكرانيا. والجهود من أجل لجم خطوات بوتين تحتل الآن مكانا مركزيا في جدول الإدارة الزمني”.
وشدد هرئيل على أن تصريحات كتلك التي أدلى بها قائد سلاح الجو الإسرائيلي المعين حول هجوم في إيران “لا تسهم بشيء في المجهود السياسي الإسرائيلي وتعتبر، من جانب الإيرانيين أيضا، أنها ثقافة فارغة. وبينيت، الذي فوجئ بالمقابلة، يعتقد ذلك أيضا”.
وفي وقت سابق من الأسبوع الحالي، أشار المسؤول السابق في الموساد الذي ترأس الكفاح المالي ضد إيران، أودي ليفي، في مقال في موقع “معهد القدس للإستراتيجية والأمن”، أنه بالرغم من الوضع الاقتصادي الإيراني الصعب، “إلا أن العقوبات الدولية لم تنجح بفرض تسوية بما يتعلق بالبرنامج النووي”.
وأضاف ليفي أن هدف العقوبات لم يُعرف حتى الآن، “إسقاط النظام أم ممارسة ضغوط تقود إلى تنازلات إيرانية في المفاوضات”. وقدّر ليفي تراجع القدرة على إنفاذ العقوبات وأنها تفقد نجاعتها.
ووفقا لليفي، فإنه إثر التوتر بين الولايات المتحدة وبين الصين وروسيا، تحولت الصين إلى حبل إنقاذ بالنسبة لإيران في محاربتها للعقوبات. واشار إلى أن “قادة إيران باتوا يعرفون ملاءمة أنفسهم لنظام العقوبات بواسطة بناء ’اقتصاد داخل اقتصاد’. وفي الوقت الذي تعاني فيه الدولة والمجتمع من العقوبات، يزدهر حرس الثورة الإيرانية ويرهن لاحتياجاته قسما كبيرا من القدرات المتقلصة للاقتصاد المحلي”.
وقدّر ليفي أنه “لا يوجد احتمال أن تستجيب الولايات المتحدة لاقتراح إسرائيل بفرض مزيد من العقوبات”، لكنه اعتبر أنه “من الجائز أن يتوصل الأميركيون والصينيون في نهاية المطاف إلى تسوية في صراعهما الاقتصادي، وفي ظروف كهذه، ستكون بكين مستعدة للتضحية بعلاقاتها مع إيران”.