يسرائيل هيوم – بقلم: إسحق غرشون لواء احتياط، قائد المناطق في زمن “السور الواقي”، عضو في حركة الأمنيين
في النقاش الدائر حول غزة، يعدّ “الردع” كلمة مغسولة لوصف الشلل، ولا سيما الشلل الفكري. كما أن مفهوم “احتواء” إشكالي جداً، لأنه يشهد على التسليم للمشكلة وانعدام الحل، أو الأمل بأن يفعل الزمن فعله مصادفة. غير أن التاريخ يعلمنا بأنه أمر لم ولن يحصل أمام منظمات الإرهاب التي يحركها التزمت الديني.
إسرائيل، وهي قوة إقليمية عظمى في كل مقياس تقريباً، لم تجد بعد طريقاً تثبيت “علاقاتها” مع دولة “الإرهاب” غزة. استراتيجيتنا، إذا وجدت، لا تعدل ولا تدرك وتيرة التغير. وهي استراتيجية متبلورة تدل على الرغبة في المبادرة والقيادة وتصميم الواقع. ولكن منذ أصبحت غزة حماستان، فإن دولة إسرائيل لا تفعل سوى أن تجر وترد. نسمح للعدو بأن يمس بسيادتنا، “العمل من دون حافة الحرب”، وأن يضعضع الأمن وإحساس الأمن لإقليم كامل، وأن ينيمنا، ويخلق ربطاً بينه وبين القدس – وكل ذلك برعاية سياسة مشوشة تجد تعبيرها في استراتيجية إسرائيلية غير متماسكة لدرجة السخف، وبموجبها نحتوي ونشتري الهدوء المؤقت ونتباهى بحقيقة “أننا لا نخرج إلى حرب بسبب بالونات”، وكأن “الحرب الكبرى” هي الإمكانية الوحيدة الصحيحة.
سطحياً، تبدو الحرب في غزة عديمة الجدوى، لا لأنه لا يمكن احتلال القطاع ونزع سلاح المنظمات، بل لأن مثل هذه الحرب قد تخدم حماس. فهي ستسرع مكانة المنظمة كدرع للفلسطينيين وتساعدها في السيطرة أيضاً على يهودا والسامرة. غير أن الاستراتيجية المشوشة وعديمة الإقلاع لا تتجه إلى الحرب الكبرى بل تسرع مجيئها. لماذا يخيل أننا نسير في طريق بلا مخرج؟ لأن أعداءنا يشعرون بأننا فقدنا الرغبة في مواصلة الكفاح، ودفع الثمن الذي ينطوي على حقنا في تحقيق الحلم الصهيوني. في دواخلنا محافل سياسية تحاول إعادة عقارب الزمن إلى الوراء. وكأنه لم تمر 30 سنة، يصرون على أن يروا الساحة الفلسطينية كساحة واحدة فيها معتدلون ومتطرفون، ويمكننا بأفعالنا أن ندفع المعتدلين ليعززوا قواهم، أو نملي واقعاً أكثر راحة لإسرائيل.
وبالفعل، هذا ليس متعلقاً بنا، ولن يحصل. حان الوقت لنقرر ما الصحيح لنا كي نضمن مصالحنا القومية والأمنية ونعمل بموجب ذلك وبمثابرة.
هاكم مثالاً على الارتباك الإسرائيلي: حماس بادرت وقادت وثبتت المنظمة في المعركة الأخيرة كـ “حارس الأسوار” للقدس. وخرجت دولة إسرائيل إلى حملة عسكرية تستهدف الإشارة، على الأقل حسب اسمها، بأنها هي التي تحرس الأسوار. أحقاً؟ الحملة، التي أديرت من ناحية عسكرية بشكل مبهر، ضربت حماس دون رحمة ولكنها لم تفعل شيئاً كي تقطع المنطق الذي دفع حماس لتنفيذ إطلاق النار. مثلاً – الإصرار على إسكان البيوت في الشيخ جراح أو بناء روافع والبدء بالبناء في “جفعات همتوس”.
ثم إن الفكرتين الصحيحتين لإنهاء القتال وإبقاء المعركة مفتوحة و”ما كان ليس ما سيكون”، والتي تستهدف تصميم واقع آخر، كنا قد فوتناهما كنتيجة لأفعال تتناقض مع السياسة. ففكرة إبقاء المعركة مفتوحة توضح لقادة حماس بأنهم هم الذين سيدفعون الثمن؛ أي أنهم سيعيدون روحهم إلى بارئها في كل لحظة، إذا ما كرروا أي عمل عنيف من أي نوع. أما الركض المهووس نحو التسوية برعاية مصرية، وإدخال المساعدة الإنسانية إلى القطاع في اليوم التالي للحملة، فقد أغلق المعركة نهائياً وأدى بالطرف الآخر لأن يفهم بأن ما كان هو بالضبط ما سيكون.
نقول شيئاً ونفعل شيئاً آخر، وهم أذكياء بما يكفي كي يستغلوا ذلك لتقليص مجال إمكانات إسرائيل العملياتية. بكلمات أخرى – الاستراتيجية في جهة والأفعال التي يجب تحقيقها في جهة أخرى. منذ صعود حماس إلى الحكم وحتى اليوم، وجهنا الخطى دون بوصلة في طريق بلا مخرج. الواقع يضخ بوتيرة وفي اتجاه بلا سيطرة. الواقع تواق لأفكار جديدة ومنعشة.