تحيي إسرائيل ذكرى أهم وأخطر جواسيسها على الإطلاق في مصر مئير ماكس بينيت الذي زرعته بالقاهرة منتصف القرن الماضي، وانتحر قبل محاكمته.
وكان قد أنهى بينيت، حياته قبل 70 عاما، وذلك قبل الإدلاء بشهادته أمام محكمة مصرية بعد إلقاء القبض عليه على يد أجهزة الأمن المصرية، حسب القناة السابعة الإسرائيلية.
وكان قد تم القبض على بينيت، على خلفية قضية التجسس “عسك حبيش” او ما عرفت إعلاميا في مصر في خمسينيات القرن الماضي بـ”فضيحة لافون” حيث كان له دور كبير في هذه الخلية التجسسية.
وتحدث الباحث في التاريخ الأمني الإسرائيلي اللفتنانت كولونيل جدعون ميتشنيك، إلى القناة السابعة قبل حفل إحياء الذكرى الذي سيقام نهاية هذا الأسبوع في الذكرى السبعين لانتحار ضابط المخابرات الإسرائيلي ماكس مئير بينيت، والذي أنتحر قبل يوم واحد من شهادته أمام المحكمة العسكرية المصرية حول تورطه في عمليات تخريبية في العاصمة المصرية القاهرة.
وسيقام حفل التأبين للجاسوس الإسرائيلي في نهاية هذا الأسبوع بالقرب من النصب التذكاري لذكراه في مستوطنة “كفر حسيديم”.
ويروي ميتشنيك قصة الجاسوس السري بينيت، الذي خاطر بحياته من أجل عدم إفشاء أسرار إسرائيل، رغم أنه في الواقع لم يكن من المفترض أن تكون له أي علاقة حقيقية بقضية “لافون”، وهي القضية التي شارك فيها ضباط استخبارات إسرائيليون شباب تم إرسالهم لتنفيذ عمليات تخريبية في عدة مواقع في مصر من أجل إلغاء اتفاقية بين مصر وبريطانيا.
وولد ماكس مائير بينيت في هنغاريا عام 1917 وهاجر إلى إسرائيل في عشرينيات القرن الماضي.
وفي عام 1936 وجد نفسه ينضم إلى عصابات “الهاغاناه” الصهيونية المسلحة – النواة الأولى للجيش الإسرائيلي – وأقام في “كفر حسيديم”، حيث ستقام هذا الأسبوع أيضًا مراسم لإحياء ذكراه.
ويحمل الجاسوس الإسرائيلي وفق القناة العبرية عددًا من الأوسمة نتيجة أعماله في الهاغاناه، حيث عمل مع مرشدي الهاغاناه اللاسلكيين الذين ساعدوا الشباب الإسرائيلي المتطوع لحمل السلاح وقتل الفلسطينيين.
ووفق القناة العبرية فقد أخذ بينيت قبل تجنيده من جانب الموساد دورة في المملكة المتحدة لصناعة الأجهزة اللاسلكية، حيث كان شخص موهوب للغاية، ويعرف سبع لغات في وقت واحد.
وبعد إنهاء بينيت عمله في عصابات الهاغاناه، التحق بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية عندما تم إعلان قيام إسرائيل وتم إرساله في مهام سرية في إيران والعراق ومصر.
وفي أوائل خمسينيات القرن الماضي، ألتقي بينيت بأبراهام دار، الذي قام بتجنيد أعضاء يهود في تجارة الملابس في صيف عام 1951، وألتقي الاثنان كجزء من الوحدة 131، وهي حدة العمليات الخاصة بالموساد التي أسسها بنيامين جيبلي.
وفي ضوء مهاراته عرض على بينيت الانضمام إلى الوحدة وتم توجيهه للتجسس في مصر بعد فترة تدريب في ألمانيا.
ويقارن الباحث الإسرائيلي ميتشنيك المسار الذي سلكه بينيت بالمسار المشابه الذي سلكه الجاسوس الإسرائيلي الشهير في سوريا إيلي كوهين من خلال التدريب في الأرجنتين، ويشير إلى أن الفارق بين إيلي كوهين وبينيت، هو أن كوهين كان معروف لدى الجميع في عالم الجاسوسية، بينما بينيت اختفت شخصيته وأصبحت غير معروفة لدى معظم الناس.
وفي ألمانيا، بني بينيت سيرته الذاتية كرجل أعمال، أصيب في الحرب العالمية، وهو ما يتوافق مع ساقه العرجاء، وكرجل أعمال يعرض على عدد من الشركات ليكون وكيلًا لها في مصر، وكان من ضمن هذه الشركات، شركة لتركيب الأطراف الصناعية التي يمكن للجنود الجرحى استخدامها.
وغادر بينيت إلى مصر في أبريل 1952، حيث عرف باسم “ماكس بينيه”، ومثل شركات الأعمال الألمانية كوكيل لها في مصر، حيث كان شخص متحدث لبق وفي الوقت نفسه كان منطوي، ومع ذلك تمكن من إقامة علاقات مع شخصيات مختلفة داخل مصر على نطاق واسع، وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب، الذي شغل منصب أول رئيس جمهورية، وكان حينها يشغل رئيس جمعية خيرية للمعاقين في مصر وكان على رأس جماعة الضباط الأحرار اللذين أنقلوا على ملك مصر.
وأشار الباحث الإسرائيلي إلى أن هذا الأمر يشبه أيضاً حقيقة إيلي كوهين الذي التقى في الأرجنتين بالشخص الذي قاد الانقلاب في سوريا.
ونشرت القناة السابعة الإسرائيلية صورة كان قد تم نشرها في صحيفة بيلد الألمانية يظهر فيها “بينيه” بجوار قائد الثورة المصرية اللواء محمد نجيب، ويقوم لاحقا بإنشاء مركز تأهيل جنود الحرب المصريين المعاقين.
وأوضحت القناة العبرية إنه في هذه العملية قوم “بينيه” بتمرير معلومات استخباراتية سلمها لعملائه في المخابرات الإسرائيلية ، بالإضافة إلى حصوله على صورة تقدير للموقف فيما يتعلق بما يحدث في الحياة العامة والسياسية والأمنية في مصر.
ولفتت القناة العبرية إلى أنه في ظل توطيد علاقات بينيه باللواء محمد نجيب، إلا أنه لسوء الحظ يقوم تنظيم الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر بطرد نجيب من التنظيم، وفي هذه المرحلة تأتي الحادثة المشينة، حيث يتم إرسال مجموعة من الشباب السهودي وشابة تدعى “مارسيل نينيو”، الذين تم تجنيدهم للقيام بعمليات فقط في زمن الحرب، وفي وقت السلم أيضًا لتنفيذ سلسلة من التفجيرات في مصر اعتقادًا منهم أن التصعيد في مصر سيؤدي إلى إلغاء اتفاق استراتيجي بين بريطانيا ومصر.
وأضاف الباحث ميتشنيك للقناة العبرية، إن هذه المجموعة لم تكن مؤهلة للقيام بمثل هذه العمليات المعقدة، والأعمال التخريبية التي قاموا بها كانت مجرد عملية لهواة ولم يكن لديهم أي فرصة لإحداث تغيير جذري من وراءها.
ويقول ميتشنيك: “لم يكن للشبكة قائد، فقد ركضوا بمفردهم”، وفي هذا الواقع، تم توجيه ماكس بينيت، الموجود في مصر على أي حال، لتقديم المشورة لأعضاء الخلية من خلال معرفته بمارسيل نينو، كما أنه حول إليهم الأموال وأصبح في الواقع بمثابة رسول وقائد جزئي.
وأضاف: “قام بينيه بجمع أعضاء الخلية معًا بواسطة مارسيل، ولكن خلف الكواليس وبهذا السلوك، فقد كسروا القاعدة الأساسية المتمثلة في عدم الخلط بين المقاتل السري الذي من المفترض أن يتصرف كذئب وحيد مع شبكة تجسس، ويجب ألا يعرف المرء شيئًا عن الآخرين”.
وعقب عمليات التفجير الإرهابية اليهودية في القاهرة، وفشل تفجير سينما “رفيو” بالإسكندرية في 23 يوليو 1954، بدأت موجة من الاعتقالات، حيث بدأت بالقبض على فيليب ناثانسون الذي انفجر جيبه قبل الأوان وكانت الشرطة المصرية في انتظاره.
وفي غضون أيام، تم القبض على مارسيل نينو أيضًا، وخضعت للاستجواب والتعذيب، كما تم القبض على بينيه بعد أن تمكن من تهريب زوجته وابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات إلى خارج مصر على متن طائرة.
وحاولت مارسيل نينيو، خلال التحقيقات معها، الانتحار، لكنها فشلت، وبعد العلاج الطبي، أعيدت إلى التحقيقات.
وجرت المحاكمة الصورية لأعضاء المجموعة اليهودية التجسسية الفاشلة في المحكمة العسكرية بالقاهرة، وفي 21 ديسمبر عام 1954 ، كان من المفترض أن يشهد بينيه عليهم ويكشف كل تفاصيل المجموعة ، ومن خلال عائلته، تقوم المخابرات الإسرائيلية بتعيين محامٍ للدفاع عنه ويرسل بينيه رسائل لعائلته يصف فيها وضعه الصعب، وفي اليوم السابق للشهادة، وفي الرابعة فجرًا، ينتحر بينيه بقطع عروقه بشفرة الحلاقة، ليمنع المصريين من متعة وقوفه كشاهد على زملائه الجواسيس، كما أوضح هو نفسه مسبقًا.
وفي المقابل أتهم محامي الجاسوس الإسرائيلي المصريين بقتل بينيه، ولكن فيما بعد قدم اعتذاره للمصريون وأكد أنهم ليسوا مسؤولين عن ذلك وطالب بإجراء فحص على يد طبيب ألماني وتمكن من نقل جثة بينيه إلى إيطاليا، وتم التعتيم الكامل على القضية برمتها في إسرائيل، وبعد خمس سنوات يتم نقل الجثة إلى إسرائيل ودفنها سراً.
ووفق ميتشنيك فقد تم رفع حجب السرية لأول مرة بعد حفل زفاف مارسيل نينو عام 1971، ويبدو أنه كان الوقت المناسب لرفع السرية عن ماكس بينت أيضًا، لكن ذلك لم يحدث.
وفي عام 1986، وفي مقال بصحيفة “معاريف” ، حكي إيمانويل روزن عن الجاسوس الذي مُحي من التاريخ وتبدأ عملية علنية في نهايتها يتعرف عليه حاييم هرتسوغ رئيس إسرائيل حين ذاك ومنحه وزير الدفاع الأسبق اسحق رابين رتبة فريق تسلمتها زوجته وابنته ميشال، حيث تمت ترقيته لرتبة فريق وهو متوفي، لكن الغموض لا يزال قائما ولم يتم التطرق إلى تخليد ذكراه بعد.
وبعد سنوات طويلة قامت ابنته ميشيل البالغة من العمر ثلاثة وسبعين عامًا، والتي كرست نفسها لهذا الموضوع، بإنشا وقعًا على شبكة الإنترنت، وهي مستعدة لإلقاء محاضرة حول هذا الموضوع في أي مكان.
وسيقام نصب تذكاري لذكراه في “كفار حسيديم”، وسيكون هناك أيضًا حدث لإحياء ذكرى بينيه يوم الجمعة الساعة 12:45 ظهرًا بعد مؤتمر صخفي وجولة ستقام هناك.
ودعا ميتشنيك وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي لحضور حفل التأبين، ومنحه وساما مثلما منحه رابين رتبة فريق عام 1987، كما طالب باستدعاء ميشيل بينيه، أبنته إلى مكتب الوزير باحترام كبير وإرسال مسؤول من وزارة الدفاع إلى الحفل بالقرب من النصب التذكاري.