كتب عامي روحكس دومبا في موقع “إسرائيل دفينيس” مقالاً يشرح فيه الأسباب التي أدت إلى تراجع الثقة بـ”إسرائيل” لمواجهة إيران، وأثر ذلك على علاقات الدول العربية بطهران.
وفيما يلي نص المقال:
يُظهر قرار المملكة العربية السعودية الأخير بإرسال ممثل إلى حفل تتويج الرئيس الإيراني الجديد والدفع قدماً نحو عملية إعادة فتح السفارات أن هناك إدراك في الرياض أن إيران هي القوة الإقليمية.
إلى جانب السعودية، مصر أيضاً تجري علاقات سرية مع إيران بخصوص ترتيب النشاطات في العراق، وأفريقيا والساحة البحرية. أحد مصادر الدخل الرئيسية في القاهرة يأتي من قناة السويس، ولا يناسب السيسي أن يقوم الحوثيون، ممثلين عن إيران، بتهديد شركات الشحن التي تدفع له عمولة لعبور السويس.
إذا قمت بإزالة الطبقات التكتونية في الشرق الأوسط تكتشف حقيقة حزينة تخفي هذه التحركات. الجيش الإسرائيلي لا يظهر قوة تتجاوز الخطوط الداخلية (المناطق الحدودية). الجيش الإسرائيلي والأسلحة النووية المنسوبة إلى “إسرائيل” كافية للردع المحلي، لكي لا يحاول أحد تدمير “إسرائيل”، لكن ليس أبعد من ذلك.
المشكلة أن لا أحد يفكر بتدمير “إسرائيل”. يتعلق الأمر بلعبة مختلفة تماماً في الشرق الأوسط. لعبة تدور حول التأثير الثقافي والاقتصادي. بالنسبة للسعودية، مصر وتركيا، الدول القوية في الشرق الأوسط إلى جانب “إسرائيل”، حُسِم الامر. تمتلك إيران سلاح نووي والأمر فقط مسألة وقت. وفي واقع كهذا، يجب التقرب إلى إيران من جانب وتطوير قدرة نووية من جانب آخر.
خيبة أمل من ترامب
يوجد في الفيلم الجيد، السيئ والقبيح، جملة شهيرة: “إذا كنت تريد إطلاق النار، أطلق النار. لا تتحدث”. وبذلك، في إعادة صياغة الشرق الأوسط، خلق ترامب توقعات عالية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وخيّب الأمل. إذا توقع أي شخص في الرياض أو القاهرة أو أنقرة أن تغير فترة حكم دونالد ترامب أي شيء في طهران بعد 8 سنوات من حكم أوباما، فإنه أصيب بخيبة أمل.
أظهر الإيرانيون للسعوديين، من خلال الحوثيين في اليمن، أن صناعة الطاقة بأكملها في خطر بضغطة زر من طهران. حتى منظومة الباتريوت والجيش الأميركي لم يساعدوا الرياض. الرسالة التقطت. ترامب كثير الكلام، قليل الأفعال. حتى خطة “الحد الأقصى من الضغط” التي قادها وزير الخارجية مايك بومبيو فشلت. صحيح أن الاقتصاد الإيراني تضرر كثيراً، لكنه لم ينهار. لقد أظهر الإيرانيون قدرة صمود وإبداع وغيروا الاقتصاد، جزئياً على الأقل، بحيث لا يعتمد فقط على الطاقة.
فشل ترامب أيضاً في فهم أن صراعه مع الصين سيضر بالمصالح الأميركية في إيران والشرق الأوسط. واصلت الصين شراء النفط الإيراني من السوق السوداء، حتى مع تعرض الشركات الصينية للعقوبات الأميركية. على الرغم من أن الصين قد خفضت الاستهلاك بشكل كبير، إلا أنها استثمرت أيضاً في الحصول على حقوق في البنية التحتية للتنقيب في إيران بهدف تثبيت النفط بسعر مستقبلي مضمون لنفسها.
المدلول هو أن الصين لن تسمح للاقتصاد الإيراني بالانهيار. من أجل الحصول على سعر جيد للنفط المستقبلي، تحتاج الصين إلى نظام مستقر في إيران. ولا يهمها اذا كان ديمقراطياً. إذا كان عجز ترامب هو الذي بدأ الانحدار، فإن صعود بايدن جعله زلقاً. في الشرق الأوسط أدركوا أن الولايات المتحدة اختارت الدبلوماسية والاقتصاد على الحرب.
أدت التغييرات في البيت الأبيض وحقيقة أن “إسرائيل” فشلت في تحقيق إنجازات مهمة في إيران إلى خلق فهم في الشرق الأوسط بأن “إسرائيل” نمر من ورق، وأن الولايات المتحدة تخشى مواجهة عسكرية بسبب الإخفاقات في أفغانستان والعراق. المدلول – لا أحد ذاهب لمنع القنبلة الايرانية. المفاوضات مع إيران ستؤدي على الأكثر إلى تأجيل لعدة سنوات في المشروع النووي، لكن ليس أكثر من ذلك.
الرياض: تقارب مع إيران وتطوير نووي
بالنسبة للسعودية، فهذا يعني السير في اتجاهيين رئيسيين. الأول تحسين العلاقات مع إيران، والثاني تطوير أو شراء نووي عسكري. في السنوات الأخيرة، اعتمدت الرياض على “إسرائيل” والولايات المتحدة في الموضوع الإيراني وأدركت أنه لا يوجد أحد تعتمد عليه. في الرياض يهتمون بمصالح الرياض.
كما ذكرنا، توجه السعودية لتعزيز العلاقات السياسية مع طهران من أجل تقليل المخاطر على صناعة الطاقة السعودية والنظام الملكي على المدى القصير. يعرف الحرس الثوري أيضاً كيفية الهجوم بالطائرات بدون طيار والصواريخ، ويعرف أيضاً كيفية استخدام العملاء في المملكة العربية السعودية. تحتاج السعودية لأن تكرّس لنفسها عدة سنوات من الهدوء لصالح الحصول على سلاح نووي. على ما يبدو، سيكون هذا العدد من السنوات مطابقاً تقريباً لفترة الاتفاقية النووية المتوقعة.
على الصعيد السياسي، تستخدم السعودية مصر أيضاً للاقتراب من إيران. بالإضافة إلى التقارب بين أجهزة المخابرات في الدولتين، شرع السيسي في الأشهر الأخيرة في جولة في أفريقيا، في بعض معاقل العمل أو الطرق اللوجستية للميليشيات التي تسيطر عليها طهران، وذلك من أجل عرقلة نفوذ إيران في محاور عملها في إفريقيا.
تنبع حاجة السعودية لمصر للتعامل مع إيران جزئياً أيضاً من اعترافها بفشل الرياض في اليمن. بعد عدة سنوات من القتال في اليمن بأسلحة غربية متطورة، أدركت الرياض أن الجيش السعودي لا يقدم نتائج في مواجهة الحوثيين الذين يُشغلون من قبل إيران. وهذا أقل ما يقال.
خطيئة الغطرسة الإسرائيلية
نشأ هذا الواقع، جزئياً، بسبب الغطرسة الإسرائيلية تجاه إيران التي لا تنسجم مع الأعمال على الأرض. في السنوات الأخيرة، تفاخروا في “إسرائيل” بالتسلل الاستخباراتي إلى البنية التحتية النووية الإيرانية، والقدرة على القضاء على القدرات النووية الإيرانية، والتعهد بانهيار اقتصادي للنظام في طهران ما سيؤدي إلى تغيير النظام. لكن لم ينجح أي شيء من ذلك.
في حال اعتقدت “إسرائيل” والولايات المتحدة أن الحرب على إيران ستؤدي إلى القضاء على البرنامج النووي العسكري، فقد كان للدولتين فترة كاملة لترامب للقيام بذلك. 4 سنوات كاملة، لكنها مرت، بقيت الكلمات ولم تبق الأفعال. خرج الإيرانيون من عهد ترامب ببرنامج نووي عسكري أكبر بكثير مما دخلوا إليه. المزيد من اليورانيوم المخصب، معرفة التخصيب بسرعة تصل إلى 90%، وبرنامج التخصيب الزائد (بوردو ونطانز)، وبرنامج الخلط الأكثر تطوراً.
بالإضافة إلى ذلك، وبسبب تصرفات الموساد، قام الإيرانيون مؤخراً بتغيير المبنى الأمني للبرنامج النووي بنقله إلى الحرس الثوري. الجهة التي تعتبر أكثر ولاء للنظام. والمدلول، من الناحية النظرية على الأقل، أنه سيكون من الأصعب على الموساد وأجهزة استخبارات الأخرى، الوصول إلى المعلومات المستحدثة حول هذا الموضوع. علاوة على ذلك، اعتباراً من شباط/فبراير 2021، لم يكن لمفتشي الأمم المتحدة إمكانية الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية الخاضعة للإشراف. هناك كاميرات، لكن الأمم المتحدة لا تستطيع الوصول إليها حتى يتم التوصل إلى اتفاق نووي بل إن إيران تهدد بحذف التسجيلات المتراكمة حتى الآن.
فجوة بين الوعود والتنفيذ، رقابة أقل، اتفاق يحصل ونجاحات إيرانية عبر الحوثيين في المملكة العربية السعودية والبحر الأحمر. وكلها، كما ذكرنا، أدت إلى خيبة أمل وانعدام ثقة بـ”إسرائيل” والولايات المتحدة اللتين يمكنهما القضاء على البرنامج النووي الإيراني. من الناحية العملية، تدرك الرياض والقاهرة وأنقرة أن إيران ستمتلك قدرة نووية وهي، عملياً، القوة الإقليمية وليست “إسرائيل”.
الميادين