إلى أين نحن ذاهبون؟ | مصراوى

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

منذ فجر النهضة العربية الحديثة إلى اليوم، والسؤال الجوهري الذي يشغل ذهن المصلحين والمفكرين والسياسيين في بلادنا يدور حول أسباب تخلف العرب والمسلمين وتقدم الغرب. وهو سؤال النهضة والتقدم الذي كان المناضل المصري الراحل عبد الله النديم (1842- 1896) أول من صاغه في مقال له نُشر بجريدة الأستاذ عام 1882 ميلاديًا تحت عنوان: بم تقدموا وتأخرنا والخلق واحد؟

ثم أعاد الأمير شكيب أرسلان (1869 – 1946) طرح ذات السؤال في رسالة مطولة له جعل عنوانها: لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم؟” نُشرت في مصر عام 1939 ميلاديًا.

وقد اتفق كلاهما على أن حالة الإسلام والمسلمين في القرن العشرين لا ترضي أشد الناس حبًا للإسلام لا من جهة الدين ولا من جهة الدنيا، وحاول كلاهما أن يبحث عن أسباب تقدم الغرب الأوربي وتخلف الشرق المسلم، وعن مكمن الداء والضعف هنا، ومكمن الصحة والقوة هناك.

والمؤسف أننا لا نزال إلى اليوم وبعد أكثر من قرن ونصف نُعيد طرح السؤال ذاته، ولا نزال حتى اليوم متأخرين عن ركب التطور الحضاري والاجتماعي والسياسي الغربي، ونعيش مستهلكين لكل ما يقدمه لنا الغرب من أفكار ومنجزات علمية وتكنولوجية. ولا نزال اليوم نطرح نفس الأسئلة ونُعاني من نفس المشكلات والمعوقات؛ وكأن دائنا في بلادنا هو العياء مصداقاً لقول أبو العلاء المعري: كم وعظ الواعظون منا وقام في الأرض أنبياء/ وانصرفوا والبلاء باقٍ وما زال دائها العياء.

فهل عياؤنا وتخلفنا بالفعل بلاءُ وقدرُ لا مهرب منه، وأننا غير مؤهلين حقًا للتطور والحداثة وصنع الحضارة كما حاول بعض المستشرقين أن يُوهمونا بهذا؟

لا أظن ذلك، وحتى لو كان الأمر قدر كما يقولون، فيجب علينا بعد استيعاب دروس الماضي أن نسأل الله قدرًا جديدًا أكثر إيجابية وفاعلية ونجاحًا وتحققًا طالما كانت الأقدار التي يُمسك بها الله في يده لا متناهية كذاته وقدرته، كما قال الفيلسوف الباكستاني الراحل محمد إقبال (1877 – 1938).

في واقع الأمر إن الحلم بتغيير وإصلاح واقعنا الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والحضاري، هو حلم راود عدة أجيال من المفكرين والمثقفين العرب منذ مطلع النهضة العربية إلى اليوم. وقد قدموا في سبيل تحقيق ذلك الحلم عددًا من الخطابات الفكرية الإصلاحية، بداية من جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، ومرورًا بـ لطفي السيد وطه حسين وزكي نجيب محمود وعلال الفاسي ومالك بن نبي ومحمد عزيز الحبابي، وانتهاء بـ حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، ومحمد أركون وعبد الوهاب المسيرى، ونصر حامد أبوزيد، وغيرهم.

وأظن أننا اليوم نحتاج إلى مشروع فكري نقدي متكامل لرصد ودراسة وتقييم هذه الخطابات الفكرية الإصلاحية النظرية لنعرف إجابات التساؤلات التالية:

– لماذا لم تؤت هذه الخطابات الفكرية ثمارها تقدمًا وازدهارًا في مجتمعنا وبلادنا وموقعنا الحضاري؟ ولماذا لم تتحول هذه الخطابات النظرية إلى مشاريع للتقدم والنهضة في الواقع وظلت حبيسة الكتب والسياقات الأكاديمية؟

– هل استطاعت الرؤى والأفكار التي قدمها أصحاب تلك الخطابات الفكرية أن تشتبك مع الواقع بغاية تصحيحه والانتقال به مما هو كائن إلي ما ينبغي أن يكون أم فشلت في ذلك؟ ولماذا؟

– هل احتلت هذه الخطابات والرؤى والأفكار حيزًا من اهتمامات الناس أم لم يلتفت إليها أحد، وأشاح الإنسان العربي وجهه عنها وعن أصحابها، ولماذا؟

– ما هي الجوانب الإيجابية غير القابلة للنقض والدحض لدى أصحاب هذه الخطابات التي يُمكن استبقاؤها واستكمال البناء عليها لصياغة خطاب فكري نهضوي حضاري جديد قابل للتطبيق في الواقع؟

وأظن في النهاية أن النقد والتقييم الموضوعي لتلك الخطابات الفكرية وأصحابها عبر طرح التساؤلات السابقة عليها، سوف يُجنبنا طرح كل الأسئلة التي طرحها أجدادنا قبل 150 عامًا، وسوف يُدفعنا للبحث عن إجابات جديدة للمُهم والراهن منها.

كما أنه سيفتح الباب في حياتنا الثقافية والفكرية لحدوث تراكم معرفي يمنعنا من البدء من الصفر وكأننا نُعيد اختراع العجلة من جديد؛ وعندئذ يُمكننا أن نعرف مَن نحن؟ وفي أي مرحلة تاريخية نعيش؟ ولماذا تقدموا وتخلفنا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟