مع انتهاء فترة الهدنة وعودة العمليات العسكرية الإسرائيلية بكثافة أكثر في قطاع غزة فإن الحرب ستدخل بعد أيام شهرها الثالث فيما تظل آفاق انتهاء الحرب الدائرة شبه معدومة، فدولة الاحتلال تواصل مخططها لإفراغ غزة وشمالها من السكان الذين ظلوا هناك كما بدأت حرباً لتهجير سكان مدينة خان يونس من السكان.
يوم أمس تم إلقاء مناشير تطالب سكان المنطقة الشرقية لمحافظة خان يونس بالتوجه نحو رفح لأن منطقة خان يونس أصحبت منطقة عمليات.
والخطة الإسرائيلية الأولى كانت نقل كل سكان قطاع غزة في منطقة غرب رفح وتجميعهم في مخيم لاجئين واحد من أجل استكمال مهمة ترحيل سكان قطاع غزة إلى سيناء.
ليلة أمس لم تتوقف الدبابات عن قصف مناطق شرق خان يونس خاصة منطقة القرارة التي تم الطلب من سكانها إخلاءها تحت تهديد القصف والصواريخ.
ومع فجر اليوم (أمس) خرج المئات بحثاً عن النجاة. وكان أول شيء قامت به الدبابات والطائرات فور انتهاء مدة الهدنة هو قصف كل البلدات شرق خان يونس بشكل عنيف والحديث يدور حول بلدات عبسان وبني سهيلا وخزاعة.
المخطط الإسرائيلي لاستكمال الهجوم البري على قطاع غزة يتواصل لإفراغ المنطقة من السكان وإزاحة الجميع نحو الجنوب.
لا يعرف أحد كيف ستؤول الأمور ولكن يبدو أن التوجهات لتحقيق المخطط الأول حول إفراغ المنطقة من السكان يصير واقعاً.
هل هذه حرب أوكرانية جديدة؟ أظن أنني أشرت على هذه الصفحة في الأسبوع الأول للحرب إلى تلك الإمكانية، والآن بعد شهرين تبدو المقاربة أكثر إلحاحاً.
حيث يبدو أن الأمور تسير نحو حرب طويلة على غرار الحرب الأوكرانية.
العالم يغضب أول يوم ويصرخ في اليوم الثاني والثالث يجتمع ولكن مع الوقت يتم تخدير مشاعر المجتمع الدولي ويتحول الصراخ والتعاطف إلى تعاطٍ يومي مع ما يحدث.
ومع فارق التشبيه بين الأطراف المختلفة في الحرب الأوكرانية فإن ما ترمي له هذه المقاربة هو طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع الأزمة، فالعالم يحب الأخبار الساخنة ولكن بعد أن تبرد لا أحد يتناولها، وتصبح مجرد خبر آخر في نشرات الأخبار الطويلة ويتم إنزالها من العناوين الكبرى إلى العناوين الفرعية ثم تختفي بشكل كامل من نشرات الأخبار.
وإذ كنا «محظوظين» فإن أي مذبحة جديدة قد تعيد وضع غزة في قائمة الأخبار الفرعية.
هذه حرب أوكرانية جديدة بمعنى أن مدة الحرب الذي بدا أنها لن تطول لأيام ستطول أشهراً وربما أكثر. فالمدة الزمنية هي جوهر النقاش في هذا وهي كلما طالت استغول العدو في حربه ضد شعبنا.
العالم الذي وقف بحزم مع الاحتلال في جرائمه والذي وصلت الوقاحة في بعض قواه لاعتبار أن ما يجري هو دفاع عن النفس، تحول إلى التعاطف المعنوي معنا ولكن في حدود أقصى ما تصل إليه هو الطلب من دولة الاحتلال التخفيف من استهداف المدنيين وتقليل الإصابات بينهم.
لا أحد يطلب التوقف الكامل بل أقصى شيء هو أن يتم التخفيف من القتل بين المدنيين.
مر الآن شهران على حرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على شعبنا وتحولت مواقف العالم قليلاً لكنها لم ترتقِ للمستوى المطلوب بل ظلت في إطار تأييد مهمة إسرائيل ولكن الطلب منها إبداء بعض اللين في التعاطي مع المدنيين.
لا تقتل منهم كثيراً ، فلا أحد يقول لا تقتل، بل اقتل بالحد المعقول. ولا أحد يمكن أن يكون متأكداً من أن هذه الحرب ستنتهي مثلاً نهاية العام أو مطلع العام القادم، كل شيء وارد، وحالة أوكرانية جديدة قد تستمر لأشهر دون أن يكون هناك ضغط من المجتمع الدولي لإيقافها وستستمر معاناة شعبنا إلى مدى لا يعرفه أحد.
العالم ليس عادلاً! لا جديد في هذه العبارة. والعدالة شيء لا يسعى خلفه أحد، والأخلاق شبه معدومة في كل أدبيات السياسة وليست غايات السياسيين تحقيق العدالة. ولكن الظلم أيضاً ليس سيداً على الجميع ولا يمكن فهم ما يجري بوصفه شيئاً طبيعياً ولا تفسير كل ما يحدث باعتباره جزءاً من حركة التاريخ.
العالم يتبنى العدالة حيث مصالحه، وحيث لا يكون له مصلحة يتم استبدال المعايير وتزوير القيم وتشويه الأخلاق. ونحن لم نطلب يوماً العدل لأننا نعرف أن أكبر ظلم وقع علينا وقع تحت ادعاء العدل الكاذب حين تم وهب بلادنا لغيرنا.
حتى حين حاول العالم التعاطف معنا فإنه يجعل يوم تضامنه معنا يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني وهو اليوم الذي ارتكب فيه العالم أكبر جريمة بحق شعب في التاريخ حيث قرر تقسيم بلادنا وقضى بإقامة دولة لليهود في فلسطين وأخرى للعرب وتمت إقامة دولة اليهود ولم تقم دولتنا.
ولما لم يستطع العالم إقامة دولة فلسطين أو لم يرغب اكتفى فقط بأن حول يوم خيانته لنا ليوم تضامن معنا.
يا للمفارقة التي لا يمكن فهمها إلا في سياق العجز المستمر للمجتمع الدولي ولسعيه في دعم إسرائيل لأنه لا يستطيع ولا يريد أن يتصادم معها. عالم غريب لا يمكن التعويل عليه كثيراً.
الحرب على غزة ستستمر لفترة طويلة، وقد يتم التوصل لهدنة أخرى ووقف إطلاق نار مؤقت لكن الحرب ستستمر والسعي لتحقيق المخطط الإسرائيلي بتفريغ غزة ربما يستمر. ولكن المؤكد أن إرادة شعبنا لا يمكن هزيمتها وما لم تفلح الصهيونية في تحقيقه في النكبة لن تستطيع تحقيقه بعد خمسة وسبعين عاماً.
قد يتم تهجير السكان من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب ولكن نكبة أخرى لن تتحقق. ويمكن للعالم أن يظل صامتاً وربما يواصل تصفيقه تشجيعاً لإسرائيل لكن هذا لن يعني هزيمة شعبنا.
ومع هذا علينا أن نتجهز لحرب أطول ولفترات أطول من المعاناة والألم لأن غايات الاحتلال هي إدامة كل هذه الحرب.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0