احمد مناصرة.. عنوان جريمة ضد الانسانية …

أحمد مناصرة اسم سيسجله التاريخ  على انه محطة من محطات المعاناة الفلسطينية المستمرة ..فرض عليه السجن مبكرا وهو لا يزال طفلا و تحمل الاعتقال الانفرادي و مخاطر التحقيقات و التعذيب النفسي والضغط للاعتراف بجرم لم يقترفه ..هو واحد من عشرات الاطفال الفلسطينيين الاسرى و هو عنوان مأساة انسانية وقد تحول الى موضوع حملة حقوقية دولية  لتحريره من أسر دام ثماني سنوات حتى الان …أحمد مناصرة ليس الطفل الفلسطيني الوحيد  الذي يتم اعتقاله و هو في سن الثالثة عشرة , سن يفترض ان يكون  فيها احمد في بيته و بين عائلته او في المدرسة او المعهد او في الملعب يمارس رياضته المفضلة عنوان جريمة ضد الانسانية ايضا بكل ابعادها و تداعياتها الانية و المستقبلية
 و لكنه بدلا من ذلك يقبع في  السجون و المعتقلات الاسرائيلية التي خبرها طفلا ثم مراهقا ثم شابا وهو اليوم في سن التاسعة عشرة و يخوض معركة مصيرية لاستعادة حريته و العودة الى حياته الطبيعية و معالجة جروحه النفسية العميقة بعد مرحلة السجن الانفرادي و التعذيب و كل الانتهاكات الجسيمة التي تعرض عليها خلال التحقيقات للاقرار بما لم يرتكبه و الاعتراف بمحاولة طعن جنديين اسرائيليين ..طوال السبع سنوات تواصلت رحلته المدمرة مع الاعتقال و التحقيقات وتسربت تسجيلات لاحمد مناصرة و هو يتعرض للتعذيب النفسي لاجباره على الادلاء باعترافات تدينه و قد تطوعت منظمات حقوقية للدفاع عن الطفل الاسير الذي امضى طفولته خلف القضبان دون سبب ..أحمد مناصرة قضية عادت بقوة الى المشهد بالامس مع اعتزام الاحتلال الاسرائيلي عرضه على المحكمة لتصدر بشانه حكمه القضائي النهائي ..قضية طفل الامس شاب اليوم أحمد مناصرة تحولت الى قضية رأي عام دولي عابرة للحدود وهي قضية تعكس مأساة  عشرات الاطفال الفلسطينيين الاسرى و حتى بقية الاسرى ايضا مع الاعتقال الاداري الذي يمكن ان يستمر طوال سنوات ..
حتى هذه المرحلة ليس من الواضح ما سيكون عليه مصير الطفال الاسيروما اذا سيعانق الحرية  و تنجح بذلك الحملة الدولية لتحريره اوما سيقضي بقية محكوميته  وهي اثني عشر سنة في السجون الاسرائيلية ..واذا ما كتب لاحمد مغادرة السجن فان الاكيد انه لن يستعيد حياته السابقة ولا شيء سيكون كما كان وهو الذي سيحمل معه جراحه النفسية العميقة و مخلفات قمع وظلم الاحتلال و عنصريته خلف القضبان و سيتعين عليه مواصلة المعركة مجددا لاستعادة انسانيته المسلوبة واستعادة نسق حياته ومدرسته وقدرته على التعلم والتفكير..واذا تعنت الاحتلال واصرعلى مواصلة سلبه حريته و حقه في الحياة فلن يكتب للطفل الاسير مغادرة السجن الا و قد تجاوز الثلاثين و في كل الحالات فلن تكسب اسرائيل شيئا اكثر من الادانات و الاتهامات التي ستلاحقها  بارتكاب كل انواع الجرائم ضد الانسانية …..احمد مناصرة اسم سيتعين تسجيله في الذاكرة الفلسطينية و الانسانية باعتباره عنوان من عناوين كثيرة في مسار القضية الفلسطينية و معاناة الاطفال مع الاحتلال ..والاكيد ان مثل هذه الممارسات من جانب الاحتلال التي تهدف الى كسر ارادة هذا الجيل الفلسطيني واذلاله وتحطيم معنوياته و تحويله الى مجرد رقم في سجلات الاحتلال لا يمكن الا أن تؤكد همجية و عنصرية هذا الكيان المتمرد على كل الاعراف و القوانين الانسانية و التي لا يمكن و هنا مربط الفرس ان تمنحه صك الامان او تضمن له الامن و الاستقرار و تمنحه فرصة الفوز بالارض والسلام الى ما لا نهاية ..و الاكيد ان احمد مناصرة لن يكون محطة عابرة تنتهي بانتهاء جلسة محاكمة الامس و سيظل لعنة في سجنه اوخارج السجن تلاحق الاحتلال و تدينه و سيتحول احمد المناصرة و ربما غيره من اطفال فلسطين الاسرى الى قنابل موقوتة قد لا يراها الاحتلال ولكنها ستكون قابلة للانفجار في كل حين و لن يطلبوا اذنا و لن ينتظروا دعوة للرد على جرائم الاحتلال و هذه طبيعة الحياة و ما حملته مختلف التجارب التاريخية ..
بالامس جدد أمس الرئيس الامريكي وصفه ما يحدث في اوكرانيا بجرائم الحرب ..مصطلح خطيرو له تداعياته في القانون الدولي والقانون الدولي الانساني عندما يتعلق الامر بجرائم الابادة و جرائم التصفية العرقية التي وجب الاعتراف انها تنطبق على الحالة الفلسطينية حيث تتوفرالادلة  و البيانات و الشهادات الموثقة لدى المنظمات الحقوقية بما في ذلك هيومن رايتس ووتش و المحاكم الدولية و تحديدا الجنائية الدولية التي كانت اعترفت بان ما يجري في فلسطين يتنزل ضمن صلاحياتها ..الى هذا الحد لن نتوقف مطولا عند ما حدث  في  سجن غوانتانامو وابوغريب و في كل الحروب الامريكية من الكوريتين الى هيروشيما و نكازاكي و فيتنام و لبنان و سوريا والعراق بعد الاجتياح الامريكي لهذا البلد من جرائم عرقية و من استعمال للاسلحة المحرمة دوليا و قناعتنا أنه سياتي يوم تفتح فيه كل الملفات و يدان فيه كل  طرف من الاطراف على ما قام به فالاهم اليوم وقف الجرائم المستمرة لابادة شعب باكمله تعرض ولا يزال على مدى عقود طويلة من الاحتلال لكل انواع جرائم التصفية العرقية بالقتل أو التهجيرأوالتسفيرأوالطرد أوالسجن أوالحرمان من أبسط الحقوق الانسانية …
ما يحدث لاحمد مناصرة و لجيله كما للاجيال التي سبقته يتنزل في حدود  و مفهوم جرائم  الحرب و كل المفاهيم التي ارتبطت بها من الابادة الجماعية الى التصفية العرقية و كل هذه المفاهيم التي وُلدت في أعقاب الحرب العالمية الثانية بالتزامن مع إنشاء محكمة نورمبرغ الدولية لمحاكمة الجرائم النازية…
وباعتبارها تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي عندما تُرتكب ضد مدنيين أومقاتلين خلال النزاعات و الصراعات فان ما يحدث للاطفال الفلسطينيين الاسرى في سجون الاحتلال تنطبق عليه ايضا
ما تضمنته اتفاقيات جنيف التي أُقرت في 1949و التي تحدد اكثر من خمسين نموذجاً لجرائم الحرب، بينها القتل والتعذيب والاحتجاز ا وتجنيد الأطفال والتهجير غير القانوني والنهب ..
قبل اعتقاله عام 2015 كان احمد مناصرة  طالبًا في مدرسة الجيل الجديد في القدس، وكان يبلغ من العمر في حينه 13 عامًا…مناصرة كان شاهدا يوم اعتقاله على مقتل ابن عمه برصاص الاحتلال ..كان يمكن لاحمد مناصرة ان يكون اليوم طالبا ناجح في احدى الجامعات العالمية و كان يمكن ان يكون له مستقبل غير الذي يريده له الاحتلال لو ان المجتمع الدولي كان اكثر عدالة في تحديد جرائم الحرب و ملاحقة مرتكبيها …
كاتبة تونسية