اختتمت يوم أمس في العاصمة الإماراتية أبوظبي، أعمال ملتقى أبوظبي الإستراتيجي الثامن الذي نظمه مركز الإمارات للسياسات هذا العام تحت عنوان «عالم ما بعد الجائحة»، بمشاركة نخبة واسعة من صانعي السياسات والخبراء الإستراتيجيين والباحثين البارزين من أنحاء مختلفة من العالم.
وضمن أعمال اليوم الثاني ألقى الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الكلمة الرئيسة للملتقى، أكَّد فيها أن الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة مناسبة تُركِّز فيها قيادة الدولة على ما سيحققه الشباب الإماراتي في المستقبل، وليس تبادل التهنئة بما تم تحقيقه. وأشار إلى أن التركيز بشكل أكبر على الدبلوماسية والتواصل سيكون في صميم السياسة الخارجية لدولة الإمارات في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد19، التي قال إنها أسهمت في إعادة ترتيب الأولويات، وبيّنت أيضاً أكثر من أي وقت مضى أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة لمواجهة التحدّيات.
وحدَّد الدكتور قرقاش عدة أولويات ستُوجِّه نهج دولة الإمارات عندما تتولّى مقعدها في يناير كعضو مُنتخب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أولها العمل على تضافر الجهود الجماعية لضمان خروج العالم بأسره من الجائحة بأسرع ما يُمكن؛ وثانياً، دعم الجهود المبذولة لتعزيز الحوار والتواصل بهدف حل النزاعات؛ وثالثاً، العمل على تعزيز التعاون مُتعدّد الأطراف لمُكافحة الإرهاب والتطرّف؛ ورابعاً، الدفاع عن دور النساء والفتيات في تعزيز السلام؛ وأخيراً، السعي ما أمكن إلى بناء الجسور بين القوى العظمى في مجلس الأمن.
وكان اليوم الثاني من أعمال الملتقى قد تخللته ست جلسات تناولت حالة منطقة الشرق الأوسط، وذلك بالتركيز على الأزمة في أفغانستان، ومستقبل السياسات الإيرانية والتركية، ومستقبل المنطقة العربية في ضوء التحولات الجيوإستراتيجية.
وناقشت الجلسة المخصصة لأفغانستان، واقع وأبعاد الأزمة في هذا البلد عقب انسحاب القوات الأجنبية منه، والتحديات التي تواجه حكم حركة طالبان، وتوقَّع نصير أحمد أنديشة، سفير جمهورية أفغانستان الإسلامية في جنيف، أن السيناريو الأفضل في أفغانستان هو أن تعمل طالبان على صياغة خطة انتقالية، من خلال مبادرة ذاتية أو عبر مساعدة الأمم المتحدة والدول الإقليمية، تضمن انخراط مختلف الأقاليم والقوميات والقوى السياسية فيها، وترتكز على إقامة حكم لا مركزي.
من جهته، أشار مارفين وينباوم، مدير برنامج دراسات أفغانستان وباكستان في معهد دراسات الشرق الأوسط بواشنطن، إلى أنه بالرغم كل ما يقال عن توجه الاعتدال في طالبان الحالية مقارنة بطالبان الأولى، فإن الملاحظ أن القادة المعتدلين في طالبان يتراجع تأثيرهم. والمعضلة التي نواجهها حالياً أننا لا نعرف أي نوع من الدولة ستُنشِئها طالبان؟ ومع ذلك، فقد جادل وينباوم بأن دعم الاستقرار في أفغانستان سيمكن من خلق المزيد من الفرص الاقتصادية التي لن تقتصر على الداخل الأفغاني، بل يمكن أن تعم المنطقة كاملها، وأن وجود سلام مستقر في أفغانستان في ظل سيطرة طالبان الكاملة على هذا البلد سيكون أمراً جيداً لمشاريع التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وفي الجلسة المكرَّسة لإيران والخيارات الإقليمية، قالت كيرستن فونتنروز، مديرة مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، إن أولوية إدارة بايدن في الشرق الأوسط هي الاتفاق النووي مع إيران، وإن هذه الإدارة مُصِرَّة على التعامل مع إيران بانتهاج الدبلوماسية والأدوات الاقتصادية ثم أدوات أخرى. لكن الباحث في الشؤون الإيرانية بمركز الإمارات للسياسات، محمد الزغول، جادل بأن الاتفاق الإيراني فقد قيمته، بسبب توسع الحرس الثوري وتطوير الاتفاق الصاروخي بما يهدد الأمن الإقليمي. ومع أن هذا لا يعني عدم الاعتراف بأهمية الوصول إلى اتفاق نووي، لكن الوصول إلى اتفاق شامل، بحسب رأيه، أصبح صعباً، ولذلك فالمنظور الإقليمي للحل مهم باعتبار البرنامج الصاروخي والسلوك الإقليمي. قائلاً: إنّ هناك مساراً إقليمياً لم يُختبَر، وأن الاتفاقات الثنائية بين إيران وجيرانها غير كافية لوقف الطموح النووي للنظام الإيراني، ولذلك من المهم أن تدعم الأطراف الدولية المسار الإقليمي لحل المشكلات الأساسية مع إيران.
وبَحثت الجلسة المخصصة لتركيا، أهم المعضلات التي تواجه تركيا في إدارة سياسة البلاد الداخلية والخارجية وقال عمر طاش بينار، الأستاذ في كلية الحرب الوطنية الأمريكية، إن توجهات تركيا هذه خاطرت بزعزعة علاقتها مع حلفائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، والتي اتخذت العلاقة معها منحنيات أكثر تعقيداً في ظل العقوبات التي فرضتها واشنطن على تركيا، وتوجُّه الأخيرة لتوثيق علاقتها مع روسيا.
وقال طاش بينار إن فهم ما يحدث في تركيا اليوم يتطلب الإحاطة بالتغيرات الحاصلة في طبيعة السياق السياسي الذي تم فيه إنهاء الوصاية العسكرية على الحكم، والذي أدخل البلاد منعطفاً غير مسبوق في تاريخها المعاصر، حيث بات هناك شخصنة واضحة للسلطة ومَرْكَزة متزايدة للقرارات وحصرها بيد شخص واحد هو الرئيس أردوغان.
وناقشت الجلسة قبل الأخيرة، حالة العالم العربي، وقال عبد المنعم سعيد، رئيس الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، إن ما يُسمى «الربيع العربي» لم ينته بعد، بإيجابياته وسلبياته. في حين تحدثت رندا سليم، مديرة «مبادرة حل الصراع وحوارات المسار الثاني» في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن هناك تيارين يسيطران على المشهد في المنطقة، هما تيار التصعيد والمواجهة وتيار خفض التصعيد. ويظهر التيار الأول في الصراعات في اليمن، وفي لبنان، ومع إيران، وكذلك مع قوى ما دون الدولة. أما التيار الثاني فظهر في المصالحة بين دول مجلس التعاون وإيران.
وجادل زيد عيادات، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، أنه بسبب عوامل مهمة من قبيل غياب الحوكمة الرشيدة، التي ستبقى معضلة أساسية في المنطقة، وأزمة الهوية في العالم العربي وأزمة الشرعية والتنمية والأمن، ووجود فجوة ما بين الدولة والمجتمع، فإن محاولات الإصلاح تبقى عسيرة، ولا بد من أخذ الدروس من تجربة الخمسين عاماً الماضية. لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن العالم العربي يبقى ذو فاعلية لا يمكن التنبؤ به، وأن كل اللاعبين فيه يتنافسون على من يكون له النفوذ الأكبر، لكن من دون الوصول إلى نتيجة حاسمة.
وفي نهاية الملتقى قدمت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، الخلاصات والاستنتاجات التي توصل إليها المتحدثون في جلسات الملتقى الاثني عشر على مدى يومين.