أنهت آليات التجريف والدمار الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، عملها في منطقة أراضي عائلة الأطرش قرب قرية سعوة في النقب، بحماية قوات أمنية معززة، وسط أجواء متوترة إثر اعتداءات وحملة اعتقالات طالت نحو 30 شخصا، أمس واليوم.
وسبق أن أعلنت ما تُسمى “سلطة أراضي إسرائيل” أن أعمال التجريف والتشجير في أراضي أهالي النقب تنتهي اليوم، كما خططت لها مسبقا، وأنه لا علاقة لأي ضغوطات سياسية بذلك.
ونقل موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” (“واينت”) عن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، قولهم إن الحديث يدور عن اليوم الأخير للتشجير في المنطقة، وأن غالبية الأعمال نُفذّت.
وأوضح وزير الرفاه الاجتماعي، مئير كوهين، أن أعمال التشجير استكملت كما خُطط لها سلفا.
ومنعت القوات الأمنية، صباح اليوم، الأهالي من دخول أراضيهم المستهدفة بالتحريش، في وقت شرعت الجرافات الإسرائيلية بأعمال التجريف، لليوم الثالث على التوالي.
واندلعت مواجهات إثر محاولة لصد الآليات الإسرائيلية، وأطلقت الشرطة قنابل الصوت ونفذت حملة اعتقالات جديدة خلال قمعها للاحتجاج الأهالي.
وأفادت مصادر محلية بأن وحدات شرطية اقتحمت قرية صووين، وشنت حملة اعتقالات استهدفت الأهالي. وأظهرت المقاطع التي وثقها ناشطون، آليات التجريف تتوجه فجرا إلى النقب، بحماية قوات معززة من الشرطة.
وأفاد موقع “عرب 48” في النقب أن المحكمة في بئر السبع أطلقت سراح عدد من المعتقلين، اليوم، ورافع عدد من المحامين العرب عنهم، تطوعا. كما أصيب عدد من المحتجين إثر اعتداء الشرطة عليهم.
وقال مُركّز لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد، جمعة الزبارقة، إن “ما تشهده أراضي الأطرش خصوصا ومنطقة النقب عملية إجرامية من قبل الحكومة الإسرائيلية التي تستهدف الأرض والإنسان”.
وأكد أن “الأوضاع في منطقة نقع بئر السبع سيئة للغاية، والاعتقالات (الثلاثاء) طاولت قاصرين ونساء وأطفال بعد أن هدمت جرافات السلطات خيمة الاعتصام المقامة على أراضي الأطرش”.
وأشار الزبارقة إلى أن “الشرطة تتعامل مع المحتجين بعدائية وهمجية وتستفز الشبان وتعتدي عليهم وتستخدم كل الوسائل لقمع المتظاهرين السلميين، وتستعين بالخيول والكلاب في عمليات الاعتقال، وكذلك التراكتورونات وسيارات رش المياه العادمة وقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين”.
وناشد مُركّز لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب، “كافة أبناء النقب خصوصا، والمجتمع العربي بقياداته وناشطيه السياسيين، بالتوجه إلى قرية الأطرش والوقوف إلى جانب الأهالي ونضالهم المشروع”. ودعا إلى مشاركة واسعة في المظاهرة الاحتجاجية المقررة يوم غد، الخميس، الساعة 15:00 على مفرق سعوة – الأطرش.
إلكين: سنواصل تجريف الأراضي في النقب
من جانبه، أكد وزير الإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، عزم الحكومة الإسرائيلية على مواصلة عمليات التجريف في النقب، وقال في تصريحات للإذاعة العامة الإسرائيلية إن الأراضي في النقب “هي أراضي دولة إسرائيل”، مشددا على أنه “سنواصل تجريفها وزرع الأشجار فيها”.
وأضاف “سلطة أراضي إسرائيل لديها كل الدعم السياسي مني ومن الحكومة لمواصلة عملها في النقب”، معتبرا أنها “تتصرف بطريقة مهنية”، وقال إنه يرجح التوصل إلى تسوية مع رئيس القائمة الموحدة، منصور عبّاس، مشيرا إلى أن “يتفهم ضغط الجمهور العربي على عباس، لكن هذه أراضي دولة، من يعتقد أنها أرضه يمكنه اللجوء إلى القضاء”.
بن غفير يدعو أنصار اليمين للتوجه إلى النقب
من جانبه، دعا عضو الكنيست الفاشي إيتمار بن غفير، أنصار اليمين الإسرائيلي المتطرف وأعضاء الكنيست عن “الصهيونية الدينية”، إلى التوجه والتواجد في النقب، والمشاركة في “زرع الأشجار”، معتبرا أن ذلك يمثل “أمر الساعة”.
وتشهد منطقة أراضي النقع الواقعة شرقي مدينة بئر السبع وبلدة تل السبع، في المنطقة المسماة تاريخيا “منطقة السياج”، مواجهات منذ أول أمس، الإثنين، بين أهالي ست قرى بدوية، وأجهزة الأمن الإسرائيلية.
الحكومة تبحث عن التسوية في النقب… وأولويتها “فرض سيادتها”
قال وزير الرفاه والضمان الاجتماعي، المكلف من قبل الحكومة بـ”تسوية (مسألة) توطين البدو” في النقب، مئير كوهين، إن حكومته شرعت بمحادثات “مع جميع الأطراف المعنية في محاولة للتوصل إلى تسوية”، مشددا على أن “الأهم هو عودة القانون والنظام إلى النقب”.
وقال كوهين: “بعد سنوات من إهمال النقب والتهرب من اتخاذ القرار بشأن قضية توطين البدو في الجنوب، تنشغل الحكومة الحالية للغاية في إقامة مستوطنات جديدة وتسوية مسألة التوطين، خلال التواصل مع القيادة البدوية المحلية، وفوق ذلك كله – مع الحفاظ على سيادة الدولة”.
وأضاف “إنني أحث جميع السياسيين ، من جميع الجهات ، على تحمل المسؤولية وعدم إشعال نار الخلافات الجدل وعدم وضع العصا في عجلات التسوية”، زاعما أن “الحكومة ملتزمة بحل القضايا المتعلقة بالمجتمع البدوي في النقب وهذا ما أتعامل معه”.
وتابع “إلى جانب الحق الأعلى الذي تتمتع به الدولة بأن تغرس الأشجار في أراضيها، من المهم القيام بذلك بشكل مسؤول، وبالتالي يجب الاستعداد من جديد في كل ما يتعلق بمسألة الغرس”.
وأضاف “بصفتي منسق مخططات التسوية، فأنا في حوار مع جميع الأطراف المعنية في محاولة للتوصل إلى حل يعزز القضية الأهم وهي عودة القانون والنظام إلى النقب”.
التعاطي الأمني مع الاحتجاجات
وفي هذا السياق، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن كبار المسؤولين في جهاز الشرطة، حذروا القيادة الساسية، من أن “منظمات إجرامية تحاول تأجيج الصراع حول زرع الأشجار في النقب للإطاحة بالحكومة”.
وأفادت القناة بأن جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك) “يشارك في التحقيق في واقعة وضع الحجارة على خطوط السكك الحديدية وإحراق سيارة في النقب الليلة الماضية”، خلال الاحتجاجات على عمليات التجريف وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
وشددت القناة، نقلا عن مصادرها في الشرطة، على أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتعامل “مع الأحداث (في النقب) على أنها (على خلفية) قومية”.
وخلال السنوات الأخيرة الماضية، اتخذت السلطات الإسرائيلية من عمليات التشجير في قرى النقب “غير المعترف بها” أداة لمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية والاستيلاء عليها، قبل أن تتوقف في عام 2020 على خلفية مواجهات مع سكانها.
وتحت ستار “تحريش الصحراء”، تهدف المخططات الإسرائيلية إلى سلخ وتجريد سكان النقب العرب، وخاصة في القرى غير المعترف بها، عن أراضيهم وتحريشها بأشجار حرجية، لمنعهم من دخولها واستعمالها.
وبدأت قوات معززة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، وخاصة ما يسمى بـ”الدوريات الخضراء”، منذ الإثنين الماضي، بالتوغل في أراضي القرى العربية الست: المشاش، الزرنوق، بير الحمام، الرويس، الغراء، وخربة الوطن، ترافقها قوات من الخيالة والكلاب البوليسية لمنع الأهالي من الدفاع عن أراضيهم.
من جانبها، قررت لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، مساء الثلاثاء، “تصعيد النضال” في مواجهة هجمة المؤسسة الإسرائيلية المتواصلة والتي تستهدف الأراضي العربية في صحراء النقب، وذلك في رد على الاعتداءات والاعتقالات التعسفية التي طاولت 21 شخصا بينهم سبعة قاصرين وفتاتان.
وأشعل المحتجون الإطارات المطاطية، وشرعوا في إغلاق تقاطعات رئيسية في النقب، مساء أمس الثلاثاء، كما شوهدت سيارة قد اشتعلت فيها النيران عند مدخل قرية شقيب السلام، احتجاجا على عمليات التجريف، وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
ودعت لجنة التوجيه العليا لعرب النقب إلى التواجد في أرض نقع بئر السبع صباح الأربعاء، كما دعت إلى المشاركة في مظاهرة جماهيرية حاشدة من المقرر تنظيمها يوم الخميس الساعة 15:00 على مفرق سعوة – الأطرش.
وأعلن المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، عن الإضراب الشامل بما يشمل جميع المدارس في القرى غير المعترف بها والمجالس الإقليمية في النقب، الأربعاء، وذلك “تضامنا مع الأهل الذين تُصادر أرضهم ويُعتدى عليهم”.
وقررت لجنة التوجيه رفع سقف مطالبها “بحيث تجاوزت وقف التحريش إلى الاعتراف الفوري بقرى منطقة النقع”، التي تمتد مساحتها على 45 ألف دونم، ويعيش عليها 30 ألف فلسطيني من بدو النقب.