كتب د. حامد أبو العز:
بعد أن منح الكنيست الإسرائيلي الثقة لحكومة نتنياهو (البالغ من العمر 73 عاماً). ستكون الحكومة الإسرائيلية القادمة من أكثر الحكومات تشدداً ولعل الوصف الدقيق لهذه الحكومة هو أنها “حكومة حرب” بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ولعل أولى الخطوات التصعيدية التي قامت بها هذه الحكومة كان اقتحام المسجد الأقصى عبر وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير.
اقتحام الأقصى ومعضلة الوصاية الأردنية
باقتحامها المسجد الأقصى، تخطت إسرائيل جميع الخطوط الحمراء التي تم ترسيمها من قبل المجتمع الدولي والعالم العربي، ولعل المقصود من هذه الخطوة في المقام الأول هو الملك الأردني عبد الله الثاني، وذلك لإن إسرائيل تحاول تغير الوضع الموجود وتحريف الحقائق التاريخية وتحدي الوصاية الأردنية.
في الحقيقة، التنديد العربي والإسلامي لم يعد كافيا لردع الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، فهذه الحكومة كما أشرنا وسنشير في مقالنا هذا، قد عزمت على ضرب كل المواثيق والقرارات الأممية والتوافقات المكتوبة وغير المكتوبة عرض الحائط. لذلك فقد ظهرت أهمية توقيت تأييد مجلس الأعيان ومجلس النواب للملك الأردني ودعمه في أي قرار أو أي موقف سياسي أو غير سياسي سيتخذه ضد إسرائيل. إذ أن الحكومة الإسرائيلية لن تتفاهم مع الأردن أو الفلسطينيين إلا من موقف قوة وعليه فقد أصبح التنسيق بين الفصائل الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية ضرورة لا مفر منها. ولكن وللإجابة على سؤال كيف وصلنا إلى هنا، علينا أن نحلل كيفية ظهور الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو ومن ثم نقوم بتقييم السيناريوهات كافة لمستقبل هذه الحكومة المتطرفة.
ائتلاف حزب الليكود اليميني المتطرف مع أحزاب أكثر تطرفاً
في الواقع لقد ولدت حكومة الحرب هذه نتيجة مخاض عسير ومفاوضات ماراثونية بين الأحزاب اليمينية المتطرفة وأغلب ما يجمع هذه الأحزاب هو تقديم تنازلات متبادلة للحفاظ على هذا الائتلاف قائماً. خوفاً من المستقبل غير المستقر لنتنياهو في ظل اتهامه في قضايا فساد ورشاوى، اشترطت الأحزاب الأخرى (اليسارية والعربية وغيرهما من الأحزاب) أن يتنحى نتنياهو عن قيادة حزب الليكود للدخول في ائتلاف لتشكيل الحكومة بدون الأحزاب اليمينية المتطرفة، ولكن حزب الليكود رفض التخلي عن نتنياهو، ونتنياهو نفسه أصرّ على البقاء على رأس الحزب ليشكل الحكومة. يرى نتنياهو في تشكيل الحكومة مع الأحزاب اليمينية المتطرفة فرصة لا تتكرر في سبيل التخلص من قضايا الفساد وإغلاقها بشكل نهائي من خلال إجراء تعديلات على المستوى القضائي يسمح له بتأجيل النظر بقضايا الفساد أو حتى وضعها في أدراج النسيان.
أربع أحزاب كانت على استعداد للدخول في ائتلاف مع حزب الليكود هي: (شاس، كاخ، يهوديته توراه والصهيونية اليهودية). هذه الأحزاب بالطبع دخلت في هذا الائتلاف بشروط واضحة للغاية وهي:
فيما يتعلق بالداخل الإسرائيلي: تقديم امتيازات غير مسبوقة للطبقة الدينية سواء على الحقائب الوزارية المتعلقة بوزارات مهمة كالأمن والدفاع ومحاولة تقديم تسهيلات داخل موازنة الدولة للدعاية الدينية لهذه الأحزاب. كما اشترطت هذه الأحزاب ممارسة ضغوط على اليسار اليهودي وتقليل الاعتماد على اليهود الأمريكيين، وتقديم بعض الخدمات بناء على أسس دينية.
فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني: تطالب هذه الأحزاب بتصفية حق العودة للفلسطينيين بشكل كامل ودعم عمليات الاستيطان على كافة الأراضي الفلسطينية وضم الضفة الغربية إلى الاحتلال الإسرائيلي وإقرار قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين اشترطه رئيس حزب القوة اليهودية بن غفير ووافق عليه حزب الليكود بعد أن أصر بن غفير على تحديد موعد محدد للمصادقة على هذا القانون واعتبر الموافقة عليه شرطاً لإقرار موازنة 2023. كما اشترطت الأحزاب اليمينية قوننة تجريد الفلسطينيين من المواطنة أو ابعادهم وطردهم في حال القيام بعمليات داخل الأراضي المحتلة. وتضمن بيان حزب الليكود قبل يوم واحد من أداء القسم أمام الكنيست العديد من الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني والأراضي العربية المحتلة. فأكدّ نتنياهو على أن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتصرّف في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية والعربية. حيث ستشجّع الحكومة وتطوِّر الاستيطان في الجليل والنقب والجولان والضفة الغربية المحتلة. كما ستمنح الحكومة المقبلة صلاحيات وحصانة أوسع وأكبر لقوى الأمن أثناء تصديها للعمليات من قبل الشعب الفلسطيني.
وضع الحكومة على الساحة الدولية
في خطوة فريدة من نوعها أرسل 100 سفير ودبلوماسي إسرائيلي متقاعد يعملون في وزارة الخارجية برسالة إلى نتنياهو يعبرون فيها عن قلقهم البالغ من إمكانية أن تلحق سياسة الحكومة المستقبلية الضرر بعلاقات تل أبيب الخارجية. يخشى هؤلاء أن يدفع اليمين المتطرف العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي إلى مستوى لم تشهده إسرائيل من قبل.
وبالفعل ففي مهد جماعات الضغط اليهودية (الولايات المتحدة) دفعت هذه اللوبيات الولايات المتحدة إلى دعم إسرائيل بشكل غير مشروط خلال السنوات الماضية، ولكن هذه الجماعات اليهودية اليوم متخوفة من اليمين المتطرف وهي من أكثر الجماعات التي ستتعرض للضرر من السياسات الخارجية لحكومة نتنياهو المتطرفة.
لا تزال الإدارة الأمريكية تؤمن بحل الدولتين (وإن كان في العلن فقط) ويؤيدها في ذلك أغلب اليهود الأمريكيون. إن إصرار نتنياهو والأحزاب المؤتلفة معه على تصفية حل الدولتين ومصادرة الأراضي الفلسطينية وضرب القرارات الأممية بعرض الحائط سوف يدفع هذه العلاقة إلى مزيد من التوتر ليس فقط مع الولايات المتحدة بل ومع الاتحاد الأوربي كذلك.
أما على المستوى العربي فنحن نرى بأن الهدف الأول والأخير لنتنياهو سيكون التطبيع مع المملكة العربية السعودية. ولكن جهوده هذه ستواجه أيضاً بمعارضة من قبل هذه الأحزاب التي تمتلك إيديولوجية معادية للعرب والمسلمين لا يمكن تغييرها بين ليلة وضحاها.
السعودية بدورها تدرك تماماً المكانة الدينية ودورها الإقليمي في المنطقة كما أن كأس العالم في قطر أظهر لها حجم كره القواعد الشعبية لدولة الاحتلال، وهو ما استتبع بمساعي من قبل البرلمان العُماني لتجريم الارتباط مع الأفراد والشركات الإسرائيلية. ولذلك فإن السعودية مدركة تماماً بأن التطبيع مع إسرائيل هي لقمة أكبر من فم إسرائيل وعليه فهي لن تقدم هذه الفرصة لها على طبق من ذهب ولذلك فالسعودية لا تزال وستبقى متمسكة بحل الدولتين والمبادرة العربية.
باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
كاتب فلسطيني