الأطراف تخرج مثخنة ..! –

لم يمتلك أي من قادة حماس سعة صدر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما قال: «لو كنت أعرف أن النتيجة ستكون هكذا لما أقدمنا على العملية».

قال ذلك منتصف الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان العام 2006 عندما كانت قواته تكسر القدم الإسرائيلية التي حاولت الدخول عشرات الأمتار في لبنان، وحين فشلت استعاضت عن ذلك بعقيدة الضاحية التي دمرتها وهي المنطقة التي يقيم فيها الحزب مقره ومؤسساته.
مساء السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي بعد إبادة وحشية لثلاثة أسابيع كانت إسرائيل تتجهز لاقتحام غزة براً من الجهة الشمالية لمنطقة العطاطرة ببيت لاهيا، في ذلك المساء أعلنت عن «مناورة ودخول محدود لأراضي القطاع».
كان لافتاً أن تعترض الولايات المتحدة على ذلك، لكن اتضح لاحقاً أن إسرائيل أطلقت على عملها اسم مناورة لخشيتها من عدم القدرة على الدخول لأن قواتها البرية كما قال الجنرال إسحق بريك كانت مترهلة وليست مؤهلة للحرب، وكانت المعارضة الأميركية في حال حدث لها ما حدث في جنوب لبنان أن تعود وتوقف اجتياحها قائلة لم يكن الأمر أكثر من مناورة وإن إسرائيل استجابت للمطلب الأميركي لا وقف العملية بعد فشلها إن فشلت.
لكن إسرائيل تقدمت لتعلن عن بدء اجتياح وتلاشت التصريحات الأميركية الاحتياطية للخطة «ب» حين يتطلب حفظ ماء الوجه فيما لو كُسرت قدمها، واجهت مقاومة شديدة لكن ليس بتلك القدرة على وقف تقدم الجيش الإسرائيلي الذي وصل إلى معظم مناطق القطاع وقسمه إلى شمال وجنوب وأقام شريطاً عسكرياً في محور نتساريم وأعلن عن بناء معسكرات جيش دائمة، هذا كان متوقعاً نظراً للاختلال الهائل في موازين القوى بين الطرفين.
شنت إسرائيل حرب إبادة قتلت عشرات الآلاف وجرحت أضعافها، وهدمت أكثر من 80% من مباني القطاع وتحول سكان غزة إلى نازحين، وأعدمت البنية التحتية والطرق والمستشفيات وشبكات الكهرباء والجامعات والمدارس، وحولت القطاع إلى منطقة غير صالحة للحياة وأعادت احتلال القطاع وتحلم بالسيطرة العسكرية والأمنية لسنوات.
أي باختصار إن الفلسطينيين سيخرجون من هذه المعركة مثخنين بجراح عميقة ستبقى لسنوات وخصوصاً في ارتداداتها على التماسك الاجتماعي ونسيج المجتمع وقدرته على إعادة إنتاج حركته الوطنية كمجتمع لم يخرج سالماً، فقد كانت مغامرة فادحة.
هذا على الصعيد الفلسطيني ولكن ماذا عن إسرائيل ؟ هل تخرج من هذه الحرب دولة سليمة؟
ما حدث لإسرائيل لا يقل جسامة عما حدث للفلسطينيين وإن أخذ شكلاً مختلفاً.
فالدولة فقدت عقلها في لحظة الحرب لتصاب بالسعار الذي تسبب لها بأزمات سترافقها طويلاً.
فقد انكشفت الدولة وفقدت هيبتها ومكانتها وقوة ردعها، فإذا كانت حماس الجهة الأصغر في محور ينتهي بطهران تفعل هذا فكيف سيكون الأمر مع حزب الله وهو السؤال الذي سيطر على النقاش العام في إسرائيل منذ أكتوبر.
إسرائيل في هذه الحرب استنزفت كل أرصدتها الوهمية التي انكشف أنها مثل العملات الرقمية التي انهارت فجأة، كلفة الحرب الاقتصادية التي ستؤدي حسب الجنرال بريك إلى الإفلاس، هروب الشركات، وقف الاستثمار، تظاهرات طلابية غاضبة في أنحاء العالم تزيد من ضغط المقاطعة، قادة إسرائيل يخشون المحاكم الدولية، دول في أوروبا تعلن موقفاً إلى جانب الدولة الفلسطينية، انقسامات داخلية في المجتمع، وانحدار العلاقات مع الولايات المتحدة والعالم.
عسكرياً وهي الدولة التي كانت تعتبر إلى حد قريب الأقوى في الشرق الأوسط يتم ضربها من كل الجهات.
حماس تجرأت عليها وحزب الله يضرب بكثافة ودقة ولا يخشى الحرب.
فقد انتهى تهديد إسرائيل الذي ظهر في أول الحرب بأنها ستعيد لبنان للعصر الحجري واتضح أن الحزب أيضاً قادر على إعادة إسرائيل للعصر الحجري.
مئة ألف إسرائيلي في الشمال لم يستطيعوا العودة وتوقفت معاملهم ومصانعهم واستثماراتهم وتحولوا إلى بطالة تنفق عليهم الدولة ويستنزفون موازنتها.
الضربة الإيرانية التي وصلت بدقة إلى القاعدة العسكرية والتي استنجدت إسرائيل قبلها بمحور دولي وإقليمي للمساهمة بصدها لم يكن وقعها أقل مما يحدث في الشمال.
فهل ستستمر بعدها إسرائيل بالتهديد بضرب إيران ؟ لقد كفت عن ذلك فالموازين في المنطقة تتغير ويبدو ضعف إسرائيل وانكشافها لا مثيل له إذ تعيش ظروفاً مضطربة لم تعشها سابقاً.
أمام كل هذا كيف تبدو ثقة المواطن الإسرائيلي بدولته ؟ بجيشه ؟ هل يمكن أن يثق بأن الجيش قادر على صد التهديدات التي باتت تتجسد في الشمال حيث لا تصدر حكومته سوى تهديدات عاجزة عن إعادته.
لو أجرينا مقياساً لمدى ثقة الإسرائيلي بقوة الدولة كيف ستكون النتيجة ؟
من هذه الحرب يخرج الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني متعبين ومنهكين، فقد أدمى كل منهما الآخر وأنهك كل منهما مجتمع الآخر.
لم يخرج الفلسطينيون وحدهم بوجه يطفح بالدم بل إن وجه إسرائيل كذلك، فما المستقبل الذي كتبته هذه الحرب للطرفين ؟
سيناريوهان لا ثالث لهما يتعلقان بالإسرائيلي الذي تعطيه جملة الأحداث نتيجة غير آمنة في هذه البلاد، فإما أن يذهب أكثر للتطرف، أو تكون هذه الحرب قد أحدثت صدمة إفاقة أن إسرائيل أقل كثيراً مما رسمته في مخيلة مواطنها، ولا حل إلا بالدولتين.
خياران لا ثالث لهما. فكيف ستساهم الأحداث القادمة في تعزيز أي منهما ؟.