الأونروا: إضرابات ومستقبل غامض..خليل أبو شمالة ..
2023 Feb,05
يتابع الفلسطينيون بقلق ما يحدث داخل الاونروا على صعيدين مختلفين، الأول يتعلق بالمؤامرة على تلك المنظمة الأممية التي أصبحت تشكل عنوانا كبيرا وقد يكون وحيدا لتذكير العالم بقضية اللجوء الفلسطيني وأن هناك شعبا كان يوما ولا يزال يقاتل من اجل نيل حريته والعودة الى وطنه.
المؤامرة على الاونروا كوكالة أممية أنشأت خصيصا بعد النكبة للعناية بشئون اللاجئين الفلسطينيين وتقديم الخدمات لهم والحماية تهدف بصورة رئيسة الى افقاد تلك المنظمة شرعيتها وبالتالي افقاد اللاجئين الفلسطينيين شرعية قضيتهم ، وكان قرار الرئيس ترامب وبتخطيط إسرائيلي قطع التمويل عنها ما هو الا تجسيد لإرادة المعسكر المعادي لفلسطين ولاجئيها وقد ظهر ذلك في تصريحات متتالية من صهر الرئيس الأميركي كوشنير في حينه بان هذه منظمة فالسدة تعيق عملية السلام ويجب التخلص منها لانها تعيق السلام.
القتال على جبهة الشرعية وأهمية بقاء الاونروا واستمرارها خاضه العديد من مفوضي الاونروا السابقين ،ولكن لعل المعركة الأصعب الان هي المعركة الحالية التي تخوضها الوكالة الأممية ومفوضها فيليب لازاريني سياسيا وماليا في ظل تغيرات عديدة يشهدها العالم في ترتيب أولوياته وخاصة بعد الازمة الأوكرانية وتوجه المانحين وتركيزهم على أوكرانيا والتوقعات الاقتصادية المتشائمة لدى العديد من الدول المانحة والتي ستجعلها تنكفأ ذاتيا على نفسها وتقلل من مساعداتها المقدمة للمنظمات الدولية الإنسانية وعلى راسها الاونروا.
ورغم تجديد تفويض الاونروا في ديسمبر 2022 لمدة ثلاث سنوات وتصريحات السيد لازاريني بأن لا احد يستطيع الغاء ملايين اللاجئين الفلسطينيين وتذكيره المستمر بأهمية تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، الا ان الواقع وتحدياته تجعل اكثر المتابعين تفاؤلا اكثر قلقا وذلك بمجرد قراءة متأنية لما يحدث حولنا وفي العالم.
يضاف الى ذلك ان الدعم العربي للأونروا تراجع بنسبة تسعين بالمائة حيث كان هذا الدعم حسب البيانات الرسمية للوكالة 200 مليون دولار في العام 2018 ووصل في العام 2022 الى 23 مليون دولار فقط.
الازمة المالية للأونروا مركبة وخطيرة وترتبط ارتباطا وثيقا بالأوضاع السياسة في المنطقة والعالم وتحتاج من الجميع إدارة وموظفين ولاجئين الانتباه جيدا الى خطورة أي خطوة قد تجعل من هذه المنظمة عاجزة عن تقديم خدماتها وتقلص قدرتها على المناورة أمام المجتمع الدولي، بل قد تدفع ببعض المانحين لإعادة التفكير في مساعداته لللاجئين الفلسطينيين في ظل تمنيات البعص بان يصحو صباحا ولا يروا الاونروا موجودة.
كل هذه المقدمات تقودنا الى مناقشة ورؤية ما يحدث من تصعيد من قبل اتحادات موظفي الاونروا ومطالباتهم بزيادة الرواتب والحصول على توظيفات جديدة لكافة القطاعات المختلفة والوصول الى الاضراب الشامل ووقف كافة الخدمات كما يحدث الان بالضفة الغربية، ويأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه الاونروا من نقص تمويلي حاد وتهديدات سياسية لا مثيل لها تستهدف شرعيتها وقدرتها على مواصلة خدماتها.
الاونروا ليست سلطة او دولة رغم انها تقدم خدمات مشابهه لتلك الخدمات التي تقدمها الدول، وقد يكون الاختلال الوحيد هنا بان الدول والسلطات لديها قدرات غير عادية للحصول على تمويلها عبر الضرائب والمشاريع الاستثمارية واستغلال مواردها الطبيعية بينما الاونروا تعتمد كليا على التبرعات من الدول المانحة والتي تجعلها معرضة لأخطار تاريخية غير مسبوقة نتيجة للتغيرات السياسية في الدول المانحة والتي تشهد صعود لأحزاب يمينية مؤيدة لإسرائيل فيما يلوح في الأفق تهديد عودة الجمهوريين للحكم في اميركا والذي سيشكل تحديا كارثيا للوكالة وميزانيتها.
ومما لاشك فيه بأن الاضراب وتعطيل خدمات الاونروا المقدمة لملايين اللاجئين الفلسطينيين سيشكل فرصة سانحة للعديد من المانحين للتنصل من التزاماتهم بحجة أنهم لن يدفعوا لمن لا يعملون، فيما ستشكل تلك الإضرابات ضربة قاصمة لمجتمعات اللاجئين الفلسطينيين الأكثر هشاشة ، والتي تتعرض الى هجمة غير مسبوقة من قبل إسرائيل بالضفة ،ورأينا ما يحدث في مخيمات اللاجئين بالضفة وخير شاهد على ذلك ما حدث في مخيم جنين قبل أسبوعين ومخيم عقبة جبر بأريحا اليوم السبت.
لا احد ينكر بأن للموظفين سواء بالأونروا أو غيرها الحق في المطالبة بزيادة رواتبهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة وارتفاع في أسعار وتكاليف الحياة، ولكن في حالة الاونروا يبدوا المشهد مختلفا الى حد ما وبالذات في ظل التطورات العالمية المتلاحقة وتوقعات انحسار التمويل العالمي للوكالة والتوقيتات غير المحسوبة للإضرابات والتي من شانها الاضرار استراتيجيا بقضية اللاجئين الفلسطينيين.
ومن الواجب التذكير بأن علينا نحن كفلسطينيين الا نعطي من يريدون اغراق سفينة الاونروا، وتحطيمها مسببات للإسراع في مهمتهم عبر الإيحاء بأن تلك المنظمة أصبحت غير قادرة على أداء مهمتها ،وانه يجب ان توزع مهامها على الدول المضيفة باعتبارها الاقدر على إدارة شئون اللاجئين وتقديم الخدمات لهم.
ان تصاعد الاحداث بالضفة المحتلة وعمليات القتل اليومية التي تطال مخيمات اللاجئين بالأساس تحتم على الجميع "موظفين وإدارة ولاجئين" التوحد في سبيل مواجهة الاخطار الكبيرة التي تطال اللاجئين وخدماتهم والجلوس فورا الى طاولة المفاوضات ووقف الاضراب أو تأجيله مع الاخذ بعين الاعتبار بأن ما يحدث الان من مؤامرة كبرى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، تجعلنا جميعا نقف أمام مسؤولية تاريخية لإنقاذ الاونروا والا نكون معاول هدم سواء بقصد او دون قصد ..