اعتبرت جهاتٌ إسرائيلية أن البيان الصادر عن قادة أبرز أذرع المؤسّسة الأمنية (الجيش وجهاز الأمن العام “الشاباك” والشرطة)، والذي وصف اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم في أراضي 1967 بأنها “إرهابٌ قوميٌّ بكل معنى الكلمة”، يُعدّ مهمًّا لمجرّد أنه يسمّي الأشياء بمسمّياتها. وزاد بعضٌ آخر، من الطيف المعارض لحُكم اليمين المتطرّف، وبحقّ، أن هذه الخطوة أتت متأخرة كثيرًا، وربّما تعبّر عن صحوةٍ مؤجّلة، ذلك أن الجيش الإسرائيلي نفسه، وقبل أن يكون بمثابة أداة في أيدي المستوطنين إبّان ولايات بنيامين نتنياهو المتكرّرة في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، سمح بالعنف وبالهجمات اليومية على المزارعين والرعاة، وبقطع الأشجار ومهاجمة الأطفال، وفي بعض الأحيان شارك جنوده في الهجمات، ولذا فهو ليس بريئًا. وينبغي أن نضيف أن التسمية، بحدّ ذاتها، غير مختلف عليها إلى حدّ كبير داخل أروقة المؤسّسة الأمنية، على الأقل منذ تفاقم هذه الاعتداءات قبل أعوام قليلة، وتصاعد ظاهرة نشوء عصابات “تدفيع الثمن” في أوساط المستوطنين، إذ سبق لتلك المؤسّسة ولعدد من السياسيين الإسرائيليين أن وصفوا ممارسات هذه العصابات بأنها إرهاب قومي أو جرائم قومية متطرّفة من النوع الخطر للغاية. ومع ذلك، القضية كامنة في عدم وجود قرار سياسي بملاحقة هذه العصابات. وقبل نحو عشرة أعوام، أعلن الرئيس السابق لجهاز الشاباك، كرمي غيلون، أنّ بإمكان هذا الجهاز، في غضون فترة وجيزة، وضع حدّ لجرائم “تدفيع الثمن” إذا اتّخذت المؤسّسة السياسيّة الإسرائيليّة قرارًا يقضي بمكافحة هذه العمليّات أسوة بأيّ عمليّات أخرى ذات طابع إرهابيّ.
وأوضح أنّ مكافحة هذه العمليّات لم تنجح بسبب عدم وجود نيّة حقيقيّة لمكافحتها، مؤكدًا أنّه لا يُعقل ألّا يكون بوسع جهاز الشاباك مواجهة هذه العمليّات، ولكن يبدو أنّه لا رغبة كافية بخوض مواجهة كهذه لدى الجهات الأَمنيّة المختصّة. وفي الفترة نفسها، قال المحلّل الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان، إن أغلب رؤساء جهاز الشاباك يبدو أنهم نسَوا أن العبارة التي يجب أن توجههم “ليس هناك لا نستطيع”، وبدأوا يتبنّون عبارة “لا نريد”!
وبين الفترتين الماضية والحالية، ووفقًا للتقارير الإسرائيلية، شهد العامان 2016 و2017 انخفاضًا متواصلًا في عدد حوادث العنف في أراضي الضفة التي اعتبرتها المؤسّسة الأمنية جرائم قومية متطرّفة، وتشمل الاعتداء بالضرب على الفلسطينيين، ورشق الحجارة، وتخريب بيوت وسيارات وقطع أشجار. ونُسب ذلك الانخفاض بالأساس إلى تداعيات جريمة قتل ثلاثة أفراد من عائلة دوابشة في قرية دوما، والتي قام بها مستوطن إسرائيلي من خلال إحراق بيت العائلة بوساطة زجاجات حارقة. وبعد الجريمة، اعتقل “الشاباك” كثيرين من نشطاء اليمين في الضفة، كانوا متورّطين في أعمال عنف وتحريض على العنف ضد الفلسطينيين. وأدّت الخطوات التي اتخذت في تلك الفترة، ومنها الاعتقال الإداري، وأوامر إبعاد من الضفة، والسماح بإجراء تحقيق باستخدام وسائل ضغط شديدة بحالاتٍ معينة، إلى تعزيز الردع تجاه المستوطنين. وعلى هذه الخلفية، انخفضت جرائم الإرهاب اليهودي. ولكن هذه الخطوات سرعان ما تم التخلي عنها وظهرت مجموعات إرهابية جديدة.
وفي عام 2018 سُجّل ارتفاع كبير في عدد جرائم الإرهاب اليهودي في الضفة. وبحسب معطيات جمعتها وسائل إعلام إسرائيلية حتى منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2018، سجلت في ذلك العام 482 حادثة إرهابية – ارتفاع بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة مع عام 2017، الذي سجلت فيه 140 حادثة.
وما يتبيّن الآن، مثلما كانت الحال دائمًا، أن هؤلاء الإرهابيين ليسوا أعشابًا ضارّة، أو ظاهرة عابرة، بل يمكن اعتبارهم بمثابة كتائب تابعة لنظام كولونيالي ينتج منظومة قوانين عنصرية تتعامل مع الناس بناء على أصولهم وانتمائهم. ومثلما قيل مرارًا فإن التشريعات الإسرائيلية المستمرّة، لا تخدم نظام السلب والطرد والقمع للسكان الأصلانيين وحسب، وإنما أيضا، تستهدف ضمان استمرار توليد مجموعة من المستوطنين الموالين والمطيعين والجاهزين لأن يكونوا رأس حربة لهذا النظام.