الإقليم على حافّة الانفجار الكبير…طلال عوكل

لا ينبغي التوقُّف عند حساب الأيام والأسابيع، فلقد تجاوزتها إسرائيل بالدفاعات الحربية والإرهابية التي لا تتوقَّف ضد الفلسطينيين في كل أرض فلسطين التاريخية.
قبل دخول حكومة بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم، كانت توقعات الفلسطينيين في قطاع غزة، تتحدث عن تجدد العدوان كل سنتين أو ثلاث سنين، ولكن مع هذه الحكومة، تقلّصت الفترات بين العدوان والذي يليه، الأمر الذي يعكس إصراراً إسرائيلياً على مواصلة الحرب من دون هوادة أو توقُّف على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وغزة.
منذ فترة، تؤكد الإعلانات المتطابقة مع الواقع، ومن قبل مسؤولين فلسطينيين، وحتى مراقبين، على أن إسرائيل تشنّ حرباً تسمّيها الحرب بين الحروب.
المشهد العام، الذي تؤكده سياسات وممارسات حكومة نتنياهو، يشير إلى أنها تستعجل إعلان السيادة على الضفة، بعد أن اعتقدت بأنها نجحت في ذلك، في القدس، خصوصاً حين مرّت «مسيرة الأعلام» الاستفزازية، من دون ردود فلسطينية قوية.
وفي حين ترتفع الدعوات من قبل متطرفين في الحكومة، لاجتياح الضفة على غرار عدوان «السور الواقي العام 2002»، للقضاء على بؤر المقاومة، تلجأ الحكومة إلى سياسة الضغط المتواصل، من خلال تتابع الاقتحامات للمدن والمخيمات والقرى الفلسطينية.
تركّز إسرائيل حملاتها الوحشية قتلاً وتدميراً واعتقالاً، على نابلس ومخيماتها وجنين ومخيمها، باعتبارهما القاعدتين الأهم والأكثر تأثيراً، ولكن من دون إهمال البؤر الأقلّ تأثيراً في المدن والمخيمات الأخرى في الضفة.
إسرائيل لا تخفي قلقها من إمكانية تصاعد المقاومة المسلّحة في الضفة، ولا تخفي، أيضاً، أن الضفة والقدس تشكلان الأولوية في سياساتها لتحقيق أهدافها الإستراتيجية.
وفيما تركّز إسرائيل على جبهة الضفة والقدس، تتحول بين الحين والآخر نحو قطاع غزة، لإحداث صدعٍ بين فصائل المقاومة، والادعاء بنجاحها في تحييد حركة حماس.
بعد جولتين عدوانيتين استفردت فيها إسرائيل بحركة الجهاد الإسلامي، أو هكذا تصوّر الأمر، تحاول إيقاع فتنة من خلال الادّعاء بأن ثمة اتفاقاً سرّياً بينها وبين «حماس» يضمن حياديتها.
نعلم أنّ هناك تفعيلاً قوياً، إقليمياً ودولياً، للضغط على «حماس» من باب التهديد باغتيال قياداتها، ومن باب الضغوط الاقتصادية والإنسانية على سكان القطاع وتتجاهل تماماً الحسابات السياسية واللوجستية التي تديرها «الغرفة المشتركة» لفصائل المقاومة.
من الواضح أن إسرائيل التي لم تنجح حملاتها العدوانية في الضفة والقدس وعلى غزة، في تخفيف وطأة أزمتها الداخلية، قد بدأت تفكر في استدعاء خطر خارجي أعظم، سيضع «المعارضة» أمام خيارين.. فإمّا دعم الحكومة، وإمّا السقوط في الخيانة العظمى.
منذ عملية مجدّو في الثالث عشر من آذار المنصرم، وبعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان، ومن الجولان، صعّدت إسرائيل من اهتمامها وتهديداتها بشنّ حرب واسعة، وتتهم إيران بشنّ حرب استنزاف ضدها عَبر وكلائها في المنطقة، وتقصد «حزب الله»، و»مقاومة غزّة»، وأيضاً «مقاومة الضفة».
إسرائيل تنظر بخطورة بالغة للتطورات في المنطقة، حيث تتوجه الأنظمة العربية للبحث عن مصالحها والاستفادة من الخيارات الواقعية التي تتيحها التغيرات الدولية، والتي من شأنها أن تحيل إنجازاتها على صعيد التطبيع إلى صفر كبير.
وتنظر إسرائيل بخطورة بالغة، للانسحاب الأميركي من المنطقة، وأولويات الولايات المتحدة التي تتجه نحو روسيا والصين، وجنوب شرق آسيا عموماً.
وفي ظل الظروف الدولية، وفشل الولايات المتحدة في تركيع إيران عبر العقوبات المتتابعة، وفشلها في المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق لكبح المشروع النووي الإيراني، فإن إسرائيل ستكون مضطرّة للعمل مباشرة، لمنع إيران من تجاوز العقبة النووية.
يدّعي رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن إيران تقدمت في تخصيب اليورانيوم على نحو غير مسبوق، خصوصاً وأن إيران خلال فترة توقف المفاوضات لم تتوقف عن متابعة برنامجها، وآخر ما ورد أنها تشيّد منشأة عميقة جداً تحت الأرض خارج نطاق السلاح الأميركي وذلك بحسب وكالة «اسوشيتدبرس»، وفي مقابل تصاعد لهجة التهديد، والاستعدادات الإسرائيلية فإنّ مسؤولاً إيرانياً رفع من سقف التحدّي إلى مستوى غير مسبوق، حين قال: إن استهداف منشآتنا النووية يعني إشعال حرب واسعة ولا خطوط حمراء فيها.
لا يروق للحكومة العنصرية الفاشية أن يتحوّل تركيز الولايات المتحدة وأوروبا الموحّدة، نحو أوكرانيا، وروسيا والصين بينما تعتبر إسرائيل أنّ إيران تشكّل خطراً وجودياً، وتحشد المزيد من القوى والأسلحة في المحيط القريب.
لذلك فالأرجح أنّ إسرائيل ستقوم بعمل كبير على الجبهة الشمالية، أو ضدّ إيران مباشرة، لإعادة توجيه بوصلة القوى الدولية، وتوريط الولايات المتحدة بالعودة إلى المنطقة لحماية مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل.
المناورة العسكرية التي قام بها «حزب الله» مؤخّراً، وتحاكي احتلال مناطق في مناطق إسرائيلية، وأسر جنود ومستوطنين، أشعلت لدى المصادر العسكرية والأمنية الإسرائيلية، الضوء الأحمر.
ما تعتقد إسرائيل أنّها نجحت في تحقيقه تجاه «المقاومة» في غزة، وإيقاع الفتنة بين حركتي «حماس» و»الجهاد»، يمكن أن يساعدها على النجاح في الفصل بين «المقاومة» في غزة، و»حزب الله» في حال اندلعت الحرب على الجبهة الشمالية.
المناخ العام في المنطقة تسيطر عليه رائحة البارود والدخان، ذلك أن أسباب الصدام الكبيرة متوفّرة، وعناصر التفجير كذلك، سواء وقع ذلك غداً أو بعد حين.
لقد قطعت إسرائيل في ظلّ حكومتها الراهنة، كلّ صلة بالقيم والقواعد والقوانين والقرارات، ولم تعد تراعي مصالح وحسابات حلفائها، وقد تحوّلت إلى وحش أعمى، يضرب ويدمّر في كل مكان واتجاه.