الائتلاف السوري.. حرب «الإخوة الأعداء»

حين تولى سالم المسلط رئاسة الائتلاف السوري في يوليو العام الماضي، كان ملف الإصلاح الداخلي على الطاولة، ولكن الكثير من أعضاء الائتلاف المخضرمين الذين يدركون مرحلة «الشعارات» مع كل رئيس ائتلاف ظنوا «أنها نكتة سمجة» تعودوا عليها مع كل رئيس في البداية حتى تنتهي ولايته وينتهي مفعول «الباور».

منذ سنوات كان الائتلاف ولا يزال بأمس الحاجة إلى عملية إصلاحية تحرك فيه الأحجار الكبيرة المتجذرة منذ بداية التشكيل في نوفمبر 2012، وحاجة الائتلاف مثل هذه العملية، حتى يمثل أكبر شريحة من الشعب السوري ويكون أكثر مصداقية أمام السوريين في الداخل والخارج غير الممثلين في هذا الكيان السياسي الذي يمثل المعارضة أمام المجتمع الدولي.

لذلك كان التحدي الكبير أمام قيادة الائتلاف ورئيسه الجديد أن يتخذ مثل هذه الخطوة الجريئة وتغيير تركيبته لجهة الكتل السياسية، وهذا ما حدث في السابع من أبريل.

قبل ساعات من حادثة فصل 14 عضوا واستبعاد مكونات من الائتلاف، لم يكن هناك صوت واحد يعارض أية خطوات إصلاحية داخلية مهما كانت التكلفة، إلا أن الحسابات السياسية حين اتخذ الائتلاف قرار استبعاد كتل وشخصيات يرى أنها لم تعد قائمة وواقعية مثل «الحراك الثوري» وبعض شخصيات «المجالس المحلية»، وحركة العمل الوطني من أجل سورية، وأعضاء لا يعرفون الطريق أصلا إلى مبنى الائتلاف، كل هؤلاء رفضوا قرارات الإصلاح حين اقتربت سكينة من رقابهم لينفجر الائتلاف من الداخل للمرة الأولى منذ تأسيسه رفضا أية إجراءات إصلاحية تغير «المقدسات»، بذرائع عدم شرعية طريقة الإصلاح.

تغيير التركيبة السياسية

للمرة الأولى، يقترب الائتلاف من المساس بـ«الإسلام السياسي» غير الفاعل حيث تمت الإطاحة بـ8 شخصيات محسوبة على هذا التيار، بينها عضو بارز من جماعة الإخوان، ناهيك عن الإصلاحات لبعض الكتل التقليدية التي لم تعد قائمة أصلا، والمفارقة أن ثمة شخصيات لم تحضر اجتماعات الائتلاف منذ 3 سنوات وبعضها منذ سنتين، إلا أن قرار الفصل على الرغم من الإجماع داخل الأمانة العامة بنسبة عالية من الأصوات وصل إلى 64 من أصل 84 صوتا أثار غضبهم، رغم مطالبة المفصولين دائما بالإصلاح وإعادة هيكلة الائتلاف في كل مناسبة.

بعد ساعات فقط من قرار تغيير التركيبة السياسية وإزالة بعض الأعضاء، بدأت كتلة «المفصولين» من الائتلاف بشن حرب ضروس ضد «شركاء الأمس»؛ معترضة على الطريقة غير القانونية من وجهة نظرها، وعمدت إلى كشف الأوراق الخاصة التي كانت بالأمس في الأدراج في حرب إعلامية مفتوحة أقرب ما تكون إلى الانتقام رغم مشروعية مطالب بعض المفصولين، لكن الطريقة في العداء قضت على الحق القانوني الذي كانت تطالب به، ودبت الخلافات داخل المؤسسة السياسية الوحيدة التي تمثل قضية السوريين في المحافل الدولية.

المواجهة مع المفصولين

وبات المشهد؛ أن ما يسمى بـ«التيار الإصلاحي» (فريق المفصولين) في مواجهة الائتلاف الرسمي بكل الأدوات معلنا عن معركة «أكون أو لا أكون»، وبهذه الصورة أصبح هناك منبر «إصلاحي» مجاني للائتلاف من الخارج باعتبار أن المفصولين من الأركان المؤسسة للائتلاف ويعلمون كل خباياه. هذا الرقيب الجديد على الائتلاف هو رقيب مجاني يهدي للائتلاف عيوبه في كل صغيرة وكبيرة بلا مقابل، وهو يظن أنه يناكف ويترصد الائتلاف، أو أنه يعمل على نزع الشرعية الشعبية والدولية من الائتلاف وهذا أمر مستحيل، في المقابل سيجد الائتلاف (الجديد) وقادته غرقى في بحر الإصلاحات الطويلة التي رفع شعارها، وبالتالي نحن أمام حرب «الإخوة الأعداء» الذين كانوا قبل شهر واحد رفاق نضال سياسي أسسوا هذا الجسم السياسي على كل علاته منذ البداية، وهذه الحرب أو على أقل تقدير «المواجهة» ستكون مفتوحة لن يربح فيها أي من الطرفين، سوى التشويش على سمعة الائتلاف الإقليمية والدولية واستمرار تدني النظرة الثورية السورية لهذه المؤسسة، وما لم يتم التوصل بين الطرفين إلى صيغة وطنية ثورية تحول هذا الخصام إلى وئام، سيكون مسار المعارضة إلى الهاوية، وأخطر ما يمكن أن يقع فيه الطرفان هو عدم إمكانية العودة إلى الوراء وإحراق المراكب. وبحسب المعطيات، فإن «تيار الإصلاح» ماضٍ في المواجهة، إذ تدعو شخصيات من هذا التيار إلى تدويل قضية اتهام وزير الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة إلى إشراك ممثل عن الأمم المتحدة في قضية اتهامات وزير الداخلية لأعضاء في الائتلاف أنهم على علاقة مع أجهزة النظام السوري الأمنية، بل ذهب تيار الإصلاح إلى أبعد من ذلك بتوجيه رسالة إلى الجامعة العربية يشكو فيها طردهم من الائتلاف باعتبارهم من المؤسسين؛ بمعنى أن فضيحة الائتلاف والمعارضة كما يقال «أصبحت بجلاجل».

بالنسبة لرئاسة الائتلاف؛ تؤكد أنها ماضية في عملية توسيع التمثيل لكل السوريين في الداخل والخارج، والهدف الآن هو تعميق التواصل مع الجاليات السورية في كل الدول ذات الوزن السياسي، وإشراك القوى الثورية المدنية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في إعادة بناء مؤسسة الائتلاف.

حرب مفتوحة بين رفاق الدرب

أمام هذا المشهد نحن أمام حرب مفتوحة بين رفاق الدرب والثورة، على الأغلب لا رابح فيها سوى نظام بشار الأسد الذي طالما يعيب على تشرذم هذه المعارضة!؟

في رواية الإخوة الأعداء للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، تقوم فكرة الرواية على الأب الذي لم يكن يهتم بأبنائه الثلاثة لتنشب بينه، وبين الأبناء نتيجة الإهمال وغياب الأبوة، كراهية شديدة. والدرس السياسي من هذه الرواية هو الحاجة الماسة والوطنية التاريخية إلى ائتلاف يحمل مظلة «الأب» القادر على الإصلاح، ولو كان بالقوة، ولكن من منطق الأب الحريص على جمع كل الأطراف الفاعلة لا العابثة والمعرقلة للإصلاح، وعلى «تيار الإصلاح» أيضا ألا يكون في الوقت ذاته الابن العاق الذي يريد أن ينتقم شخصيا ويَفجر في الخصومة، إن تجربة المعارضة السورية تقول إن الدول لا تتعامل مع الكيانات الفرعية ولن تقبل بحالة ائتلافيين، زد على ذلك أن الثورة التي قدمت مليون شهيد وأدت إلى تهجير أكثر من 8 ملايين لاجئ ليست ملكا لأحد، لا لتيارات ولا لائتلاف، فالسوريون لا ينقصهم انقساما على أهرامات الجماجم وركام البيوت المدمرة.