قد تلجأ الدول أحيانا لصناعة أعداء وهميين لهم وقد تمدهم بالمال والسلاح وتتحمل بعض الأضرار الناتجة عن أعمالهم تحت مسمى الجهاد والمقاومة، إن كان من خلالهم ستحقق أهدافا استراتيجية بعيدة المدي، وهذا ما جرى مع صناعة وهم الخطر الإسلامي والجماعات الجهادية من جماعة الإخوان المسلمين إلى القاعدة وداعش وأخيرا حركة حماس.
لا يُعقل أن التواجد العسكري الأمريكي الكثيف في المنطقة وخصوصاً في العراق وسوريا، والجيش العراقي والحشد الشعبي الشيعي المليوني …لم يستطيعوا القضاء على تنظيم داعش الذي ما يزال له حضور قوي في العراق وسوريا ودول أخرى في أفريقيا ويسيطر على أراض فيها وخلال هذا العام قام بهجومين كبيرين واحد في العاصمة الروسية موسكو يوم 21 مارس والأخر في العاصمة العمانية مسقط يوم 17 يوليوز، فمن الواضح أن الأمر لا يتعلق بالقدرة بل بالإرادة حيث لا توجد إرادة أمريكية وغربية بإنهاء دور جماعة تم تشكيلها من طرف الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والغربية والتركية وتمويل خليجي زمن ما يسمى الربيع العربي وقد اعترف بذلك وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم و اعترافات هيلاري كلينتون في مذكراتها وأخيرا اعتراف رئيس السي أي أيه الأمريكي.
وحيث إن المؤامرة على العرب وتشويه صورة الإسلام والجهاد مستمرة ومشروع الشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن والسلام الإبراهيمي لم يحققوا كل مبتغاهم، فالحاجة لتنظيم داعش وكل الجماعات الاسلاموية ما زالت موجودة وكل المعارك التي تدعيها واشنطن مع داعش بين فترة وأخرى إنما للتضليل والزعم أنها تحارب داعش بينما في الحقيقة تمد في عمره لاستكمال أدوار مستقبلية في الدول العربية وأفريقيا ومناطق في آسيا.
نفس الأمر الذي جرى مع تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، فبعد ثورة الأفغان 1978 على النظام الموالي لموسكو والغزو السوفييتي 1979 وتهديده للمصالح الأمريكية والغربية تم تأسيس تنظيم القاعدة بتمويل عسكري ومالي من واشنطن ودول الخليج (وذكرت تقارير أنداك أن دول الخليج مدت تنظيم القاعدة مليارات تفوق ما قدمته للقضية الفلسطينية منذ عام 1948 حتى حينه) لمقارعة الاتحاد السوفيتي في البداية وبعد خروج السوفييت تم توظيفهم وتحريكهم في أماكن أخرى قبل أن يختط تنظيم القاعدة نهجا خاصا به، وما زال التنظيم متواجدا حتى الآن وإن كان ضعيفا بعد أن نقل الغرب دعمه الى تنظيم طالبان ثم داعش.
بالتأكيد هناك فروقات بين القاعدة وداعش وجماعة الإخوان المسلمين وفرعها الفلسطيني، من حيث استهداف حركة حماس الإخوانية وفصائل المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ووجود تأييد شعبي فلسطيني وعربي واعترف بعض الدول بجماعة الإخوان وحركة حماس وسلطتها في غزة قبل ٧ أكتوبر (طوفان الأقصى) بل نجحت هذه الجماعة في الانتخابات التشريعية الأخيرة في الأردن. نقاط التشابه أن الغرب ساعد على تأسيس جماعة الإخوان منذ أكثر من 80 عام وتعهدها تمويلا وتوجيها واحتضان قياداتها طوال هذه الفترة لمواجهة الأنظمة والقوى القومية والثورية واليسارية في المنطقة العربية وخلق فتنة فيها كما ساعد الاحتلال على تأسيس حركة حماس لمناكفة منظمة التحرير وخلق فوضى في الساحة الفلسطينية كفوضى الربيع العربي وتشويه صورة المقاومة المسلحة وتحميلها مسؤولية الضرر الذي يلحق بالشعب والقضية الفلسطينية بشكل عام، كما أن واشنطن ضغطت على القيادة الفلسطينية حتى تجرى انتخابات في عام 2006 وهي تعلم أن حركة حماس لها حضور وتأييد شعبي، وكان ذلك بعد أن طرحت واشنطن مشروعها للشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة 2004. والنتيجة فإن ما ألحقته جماعة الإخوان المسلمين وفرعها الفلسطيني حركة حماس من خراب ودمار في الساحة الفلسطينية لا يقل عما ألحقه تنظيم القاعدة وداعش بالساحة العربية.
استمرار الحرب لأربعة عشر شهرا بالرغم من كل الخراب والدمار والموت في القطاع وتوظيف إسرائيل الحرب لاستكمال مخططاتها في الضفة وامتدادها للبنان يطرح تساؤلات حول هدف حماس من استمرارها بالقتال والنصر الذي تسعى لتحقيقه غير استمرار وجودها في المشهد وضمان حياة قادتها؟ هنا تلعب جماعة الإخوان وقطر وقناة الجزيرة وإسرائيل دورا في تضخيم القدرات العسكرية لحماس كما لعبوا نفس الدور مع داعش حتى يُطيلوا امد الحرب حتى تحقق إسرائيل كامل أهدافها.
الحروب بنتائجها وليس بمجرياتها اليومية أو البطولات الفردية للمقاتلين أو بما ترفعه الجماعات والأحزاب من شعارات وما يحركها من أيديولوجيات.
إذا كان استمرار تواجد تنظيم الدولة(داعش) وقبله القاعدة والإخوان المسلمين يخدم مصالح استراتيجية لواشنطن والغرب فإن استمرار الوجود العسكري لحركة حماس في غزة وتضخيم قدراتها واستمرارها في إطلاق الصواريخ العبثية يخدم مصلحة إستراتيجية لإسرائيل ـ وللأسف فقد آل حال حماس في قطاع غزة كحال بقايا داعش في سوريا والعراق مجرد مجموعات مسلحة بعيدة عن أي هدف وطني واضح تُرهب الناس وتسطو على المساعدات ولا تغرننا تصريحات قيادتها في الخارج البعيدين عن الواقع.