الاسلام السياسي والاسلام المقاوم.. والاسلام الجهادي.. د. جواد الهنداوي

يندرجُ “مصطلح الاسلام السياسي” بالنسبة لي في قائمة الاستخدامات السيئة للدين، و مِنْ تبعات توظيفهِ تهّرأ المنظمومة القيميّة للفرد وللمجتمع وللدولة، وهذا، وللاسف، ما نشهدهُ، على سبيل المثال،في العراق ؛ اعتقادات و ممارسات و طقوس شاذه ومنحرفه، بأسم الدين، ولغرض السلطة، و بعنوان حزب او حركة او تيّار، ولا تمتْ الى الاسلام بصلة .
 الاحزاب الدينية او ذات الطابع الديني في العراق او في المنطقة تمارس السياسة و تسعى الى السلطة، ولا تمارس فرائض او قواعد الاسلام، و لا تسعى لرضا الله (عزه وجلْ) ولا لضمان ماهو خيرٌ للعباد لا في الدنيا و لا في الاخرة. وليست مُطالبة بذلك. شأنها شأن الاحزاب الاخرى الليبرالية او الاشتراكية
 ألمُسميات الاسلامية لبعض الاحزاب والحركات والتيارات في المنطقة لا تُزكّي و لا تُبّرأ هذه الاحزاب و مُرادفاتها من لوث السياسة و مغريات السلطة، والتضحية بالموعود الآخروي من اجل الفوز بالموجود الدنيوي .
 لا يوجد اسلام سياسي، و انما احزاب سياسية بمسميات اسلامية او دينيّة، ومن المفترض ان تلتزم، اكثر من الاحزاب الاخرى (التي لا تحمل مسميات اسلامية)، بقواعد لعبة السياسة، وبما تبّقى من اخلاق في السياسة. لماذا؟ لانها تتحمّل ألتزاميّن: التزام شرعي (اسلامي) يتمّمهُ التزام مدني، يفرضه القانون، و كلا الالتزاميّن يفرضان التحلي بالصدق والاخلاص و الوفاء وحب الوطن، وعدم ارتكاب الفواحش ( الغش والفساد والاغتيال )، الخ …
يدرجُ اغلب السياسيين و الاعلاميين و المفكرين في الغرب الحركات و التنظيمات الارهابية والمسلحة والمتطرفة ( كداعش والنصرّة و جند الشام وطالبان وغيرهم ) في قائمة الاسلام السياسي، الامر الذي أساء كثيراً الى الاحزاب و الحركات والتيارات السياسية ذات المُسميات الاسلامية، و ضاعفَ فشلها .
 فشلت الاحزاب السياسية ذات المُسميات الاسلامية في العراق و في المنطقة في تحقيق العدالة الاجتماعية و بناء الدولة والقضاء على الجهل والفساد ؛ وفشلتْ ايضاً في تحصين كياناتها من تُهم الفساد و المتاجرة بمقومات الدولة والاهتمام بالصفقات والسرقات، و بعض الاحزاب السياسية ذات المُسميات الاسلامية لم تترّددْ بالاعتراف بأسرائيل و التواصل مع اسرائيل، مع تيقنّهم بأغتصاب هذا الكيان لفلسطين، وظلمه المُعلن للشعب الفلسطيني، وجرائمه بحق الفلسطينيين والشعوب العربيةالاخرى .
 أُستدِرِجتْ الاحزاب السياسية ذات المُسميات الاسلامية في العراق وفي المنطقة، وكذلك الاحزاب الاخرى الى فخْ الفشل و الانفصال عن القيم و المبادئ، حين استهوت نيل السلطة على بناء الدولة، والفساد والمال والمحسوبية بدلاً من القيم الفضيلة والكفاءة، والتطبيع مع اسرائيل بدلاً من الالتزام بثوابت الامة وبكرامة الشعوب ومبادئ الحق و العدالة . وكان الامر مدروساً و محسوباً من قبل الدوائر الصهيونية و عملائهم،كي تعّم الفوضى،باسم الديمقراطية، و يعّم الفساد بأسم الحرية، وتطّبقْ سياسة الرجل غير المناسب في المكان المناسب لتعطيل مشروع بناء الدولة .
 فَشَلَ الاسلام السياسي،او فشلَت الاحزاب السياسية ذات المُسميات الاسلامية، كما اصفها، و نجحَ الاسلام المُقاوم، ومثالهُ حزب الله في لبنان و الحشد الشعبي و فصائل المقاومة في العراق .
 هدف الاول كان و لا يزال السلطة، وعلى حساب الدولة والمجتمع، وهدف الثاني ( الاسلام المقاوم ) حماية مقومات الدولة وسيادة وكرامة الشعب . كلاهما ( حزب الله والحشد الشعبي ) وكلٌ من حسب موقعه وبحسب بيئته، يساهمان بحماية الوطن من الاحتلال ومن الارهاب، هما من اجل الدولة، وهذا هو سبب استهدافهما من قوى الامبريالية والصهيونية و عملائهم، وتحاول هذه القوى، دون نجاح، تشويه صورتهما لدى الرأي العام، وتقويض قوتهما .
 الاسلام المقاوم هو ليس الاسلام الجهادي الذي اقترن بالقاعدة وبداعش وبالمنظمات الارهابية والمتطرفة الاخرى . يزعم الاسلام الجهادي بأنَّ هدفه محاربة الكفّار ونشر الاسلام و اقامة الخلافة الاسلامية . ليس في ادبيات الاسلام الجهادي مصطلح المقاومة و حماية الشعوب الاسلامية، بل تجربة الاسلام الجهادي دَلّتْ على تدمير ه للشعوب الاسلامية و تشويه الاسلام .
 سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي
للسياسات و تعزيز القدرات .