وترى الدوائر الأمنية الغربية أنه بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان فإن الواقع هناك بات يعتمد على عاملين؛ الأول هو ما إذا كانت طالبان ستسمح بأنشطة القاعدة والثاني هو مدى استعداد المجتمع الدولي للتعامل مع الحركة.
المؤشرات الأولية منذ عودة طالبان إلى الحكم تشير حتى الآن إلى تغييرات جذرية في السياسة التي تنتهجها الحركة في الحكم، ما يؤكد أن هذه الحركة استوعبت درست الـ20 عاما الماضية من التواجد الأمريكي والغربي، وبالنسبة للولايات المتحدة فإن خروجها من أفغانستان سببه أن كلفة وجودها أصبحت عالية جدا كما أنها لم تعد تهتم بهذا الوجود لأنها تنظر إلى أهداف استراتيجية جديدة ومختلفة.
والواضح أن واشنطن رضيت بعودة بحكم طالبان في أفغانستان طالما أن هذا الوجود لا يهدد مصالحها وليس للولايات المتحدة مصالح كبرى في أفغانستان، وطالما أن هذا الحكم يسبب القلق لإيران ويشكل عامل ضغط إضافيا على طهران التي أعربت وزارة خارجيتها عن قلقها العميق مما يجري في أفغانستان.
مع عودة طالبان إلى الحكم تقف أفغانستان أمام مرحلة تظهر فيها الحركة اهتماما بتهدئة المخاوف المحلية والدولية حيال إمكانية تبنيها نهجا متشددا في الحكم والحصول على اعتراف دولي، فإن الكثير سوف يعتمد على ما تفعله بعد استعادتها السلطة. ومن الواضح أن تركيز الحركة منصب في هذه المرحلة على تجنب تكرار ما حصل معها خلال فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001 عندما أدى خطابها وسياساتها إلى عزلها وعدم الاعتراف بها. وتتبنى طالبان منذ سيطرتها على كابول خطابا سياسيا معتدلا تأمل أن تنجح من خلاله في إقناع المجتمع الدولي بقبولها، وربما حتى تقديم مساعدات اقتصادية لتحقيق الاستقرار في بلاد دمرتها الحرب.
ولعل اعتراف باكستان والصين وترحيب روسيا بحكم طالبان يؤكد أن معادلة سياسية جديدة بدأت بالفعل مع مراقبة الولايات المتحدة، وحلفائها في الاتحاد الأوروبي والناتو لتصرفات الحركة فما زال في إمكانهم عزلها ومنع حصول قبول واسع لها على الساحة الدولية وربما هذا ما دعا طالبان إلى تبني خطاب معتدل حتى الآن يشمل احترام التعددية السياسية والحريات الأساسية للأفغان وهذا ما سيكون محل اختبار ومراقبة خلال الفترة المقبلة لتبيان كيفية التعامل الدولي مع الواقع الجديد في أفغانستان.