سعت إسرائيل من خلال عدوانها الأخير على غزة، نهاية الأسبوع الماضي، إلى اغتيال قياديين في حركة الجهاد الإسلامي الذين تولوا مناصبهم في أعقاب اغتيال أسلافهم في عمليات عسكرية عدوانية سابقة. كذلك أشار محللون في الصحف الإسرائيلية اليوم، الإثنين، أن هذا العدوان أظهر أنه لا توجد فروق بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التعامل مع قطاع غزة، فيما العالم صمت إزاء العدوان والدمار الذي أضافه إلى المأساة الإنسانية الحاصلة في قطاع غزة منذ سنين.
وبحسب المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، فإن هذا العدوان هو “جزء من عملية أكبر، مستمرة منذ أشهر، لقمع البنية التحتية التي يبنيها الجهاد الإسلامي بتوجيه إيراني في الضفة الغربية. فقد خطط قادة الحركة في دمشق بإنشاء تهديد من غزة على سكان غلاف غزة، من أجل لجم موجة الاعتقالات التي تنفذها إسرائيل في الضفة، وتوجب على إسرائيل كسر هذه المعادلة”.
وأضاف أن “القدرات العملياتية العسكرية” الإسرائيلية لم تولد يوم الجمعة الماضي. “لقد بنى الشاباك طوال أشهر، وربما سنين، ’ملفات شخصية’ لقادة الجهاد في القطاع”. ومنذ بدء العدوان، “فُتحت هذه الملفات وتعدلت بواسطة منظومات جمع المعلومات والإحباط ضد القطاع، لدى الشاباك وقيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي وشعبة الاستخبارات العسكرية ولواء العمليات في هيئة الأركان العامة”.
وأشار فيشمان إلى أنه “جرى تخطيط الهيكل الأساسي للعملية العسكرية مسبقا، وبضمن ذلك عنصر استدعاء الاحتياط، الأمر الذي سمح باتخاذ قرارات سريع وبموجب التطورات”.
من جانبه، أشار المحلل السياسي في الصحيفة نفسها، ناحوم برنياع، إلى أن “الجولات القتالية في غزة تولد مرارة دائما: الجيش الإسرائيلي يلوح بإنجازاته، لكن معظم الإسرائيليين لا يتأثرون بذلك. فالقتال يستمر فترة طويلة، واستهداف الجبهة الداخلية شديد، واستهداف المواطنين في غزة ضارٌ في الحلبة الدولية، والنتيجة ليست قاطعة وجولة القتال القادمة قريبة”.
وأضاف برنياع أن الجهاد الإسلامي “بقيت وحيدة، تتعرض للقوة العسكرية الإسرائيلية الشديدة… وعلى الأرجح أنها ستعيد ترميم نفسها. لكن في الجيش الإسرائيلي هناك من يأمل بسيناريو آخر، وهو أن يفكك قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، الجهاد ويضم ناشطيها إلى حماس. وهذا مستبعد لكنه ممكن”.
وتابع أنه “في الجيش الإسرائيلي يفضلون النظر إلى العملية العسكرية في نهاية الأسبوع أنها استمرار لحارس الأسوار (العدوان على غزة العام الماضي)، وأن الردع الذي تحقق حينها تعزز وتعمق الآن. والأمل هو أن يدرك حماس وحزب الله أن الأفضل لهما ألا يتحديا إسرائيل عسكريا”.
ولفت برنياع إلى أن “المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعمل، وهوية الذي يتولى رئاسة الحكومة، ومن يجلس في الكابينيت أو في المعارضة، ليست مهمة كثيرا. فجهاز الأمن، وزارة الأمن وررئيس هيئة الأركان العامة يبادرون ويفرضون وينفذون. ولبيد ليس مؤهلا أقل من نتنياهو”.
وأشار إلى أنه “لا يوجد فرق كبير في سياسات الحكومات الإسرائيلية تجاه غزة. والسياسة هي فرق تسد، السعي إلى الفصل بين غزة والضفة… والمستوى السياسي الإسرائيلي لن يخاطر بالقضاء على حماس أو بالعكس، تأهيله كشريك. وهو يصلي من أجل الهدوء وليس من أجل حل”.
رد الفعل العالمي
ورأى الدبلوماسي الإسرائيلي، ألون بنكاس، في مقال بصحيفة “هآرتس” أن “العالم غير مبال ويتثاءب ولا يسارع إلى التنديد بإسرائيل. وبالنسبة للعالم، جولة قتال إسرائيلية – فلسطينية في غزة شبيهة بفيلم وثائقي حول أسد يلاحق حمار الوحش في البراري الأفريقية. فلا أحد يحب الجهاد الإسلامي ولا أحد يهتم بغزة”.
وأضاف أن إسرائيل مطمئنة إزاء الموقف الدولي. “فرنسا والصين وروسيا تدعو لاجتماع لمجلس الأمن الدولي، وبإمكان إسرائيل توقع تنديد تقليدي بها. لكن ينبغي هنا أخذ أمرين بالحسبان. الأول، هو أن مجلس الأمن الدولي هو هيئة مملة ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا لم يتعامل مع أمر هام. وإسرائيل وغزة هما ذريعة وحسب لإظهار وجود عمل وقلق على السلم العالمي. والثاني، هو حتى لو طال القتال فإن الولايات المتحدة ستستخدم الفيتو”.
وأشار بِنكاس إلى العامل الزمني للعمليات العدوانية الإسرائيلية. “فقد كانت فرضية العمل في إسرائيل طوال سنين أنه أمام المستوى السياسي نحو 96 ساعة للعمل قبل أن يستيقظ العالم، ومن هنا ينبغي اختيار شكل وحجم العملية العسكرية. وفي الـ24 ساعة الأولى تحصل على حرية عمل كاملة، لأنه في غال الأحيان تكون عمليات عسكرية كهذه ردا على عمليات إرهابية أو إطلاق قذائف صاروخية”.
وتابع أنه “الـ48 ساعة التالية، يمنح العالم إسرائيل حرية مناورة نسبية، وغالبا ما يكون ذلك بفضل بيانات دعم ومظلة دبلوماسية أميركية، لكنه يبدأ بالتحذير من قتل مدنيين واجتياح بري”.
وأضاف أنه “سواء بقيت ردود فعل العالم محدودة بتنديد ضعيف، أو في حال ازدادت شدة صياغاتها، واضح أن مدى الاهتمام الدولي بغزة تراجع بشكل ملموس. فلم تعد هناك رغبة لدى العالم باستمرار التعامل مع تبادل ضربات بين إسرائيل والجهاد الإسلامي أو حماس، وتخصيص وقت لذلك وتدخل دبلوماسي. والدليل هو جولة قتال (العدوان الأخير) لم تبدأ بإرهاب فلسطيني وإنما خطوة بادرت إليها إسرائيل وقوبلت بعدم اكتراث بأسوأ الأحوال أو بتفهم في أفضل الأحوال. وربما إسرائيل راضية جدا من ذلك، لكن يجدر أن نتذكر حقيقة بسيطة وغير لطيفة: لا توجد حدود للعالم ولا يتعين عليه العيش مع غزة، خلافا لإسرائيل”.