“الاغتيالات المركزة”.. تحول في السياسة الإسرائيلية لسحق المقاومة

 حتى اللحظة لا يعرف على وجه الدقة كيفية اغتيال الشهيد في مجموعات “عرين الأسود” تامر الكيلاني (33 عاماً)، فرغم الرواية التي قدمتها مجموعات “العرين”، عبر بيان صحفي مرفق بفيديو خاص بالتخطيط وآخر خاص بلحظات الاستهداف، إلا أن التفاصيل الدقيقة لما حدث ما زالت غير معروفة.

 تضمن البيان ما يشير إلى أن الفيديو يظهر آلية الاستهداف من خلال دراجة نارية تركت في طريق مرور المطارد الكيلاني في أحد أزقة البلدة القديمة في مدينة نابلس، إلا أن أسئلة كثير ما زالت عالقة، وبدون إجابات.

ورغم أن الاستهداف بهذه الطريقة من أجل اغتيال مقاومين ومطلوبين للاحتلال أمر جديد وقديم إلا أن الأسئلة التي أثارها نشطاء وإعلاميون حول طبيعة العبوة ومكان الاستهداف ما زالت عالقة، فلماذا لم تنفجر الدراجة النارية من العبوة التي كانت شديدة الانفجار وشطرت الشهيد إلى نصفين.

وبعيدا عن الأسئلة الفنية حول استهداف المقاوم، يبقى السؤال الأهم هو حول دلالات الاستهداف وطبيعة موقف الاحتلال، فبحسب الخبير في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات فإن خريطة الاغتيال تظهر أن الكيلاني هو أحد قادة “عرين الأسود”.

ويضيف: “حتى اللحظة لم يقم الاحتلال بالنفي أو التأكيد حول تنفيذ العملية، فالجيش، حسب مصادر إسرائيلية، ما زال يفضل الصمت”.

والعملية بحسب بشارات هي فعل تصفية مركزة وغير مألوفة، فلم ينفذ مثلها الاحتلال في الضفة منذ الانتفاضة الثانية، وهي تذكر بعمليات اغتيال كبار النشطاء الفلسطينيين في ساحات أخرى، ومنها مدينة نابلس، وهو ما يجعلها تعكس الرتبة العالية للشخص المغتال والمستهدف.

ويرى بشارات أن الاحتلال يهدف من العملية إلى خلق حالة من إفقاد التنظيم لأي إحساس بالأمن، وتسكير الحساب مع المسؤولين عن الهجمات في منطقة نابلس.

أما المحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد علان دراغمة فيرى، بحسب ما بثته القناة 12 الإسرائيلية، أن التقديرات تشير إلى أن عمليات الاغتيال المُركزة ستستمر في منطقة نابلس. ويؤكد أن إسرائيل التي لم تعلن مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، وهو أمر يشير إلى نمط عمل جهاز “الشاباك”، تغيّر من سياستها، وذلك بعد 15 عاماً على تنفيذ عمليات اغتيال في الضفة الغربية.

 في المقابل، بحسب دراغمة، أعلنت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن حالة الاستنفار خشية من حالة انتقام، رغم أن “عرين الأسود” فهموا أنهم تحولوا من مطلوبين لملاحقين، فاللعبة تغيرت بحسب القناة.

ويشدد دراغمة على أن الرسالة الإسرائيلية لـ “العرين” أنهم مخترقون وضعفاء، لكن في المقابل الضربة التي تلقوها ستزيد الدافعية لديهم لتنفيذ عمليات، وهو الأمر الذي أكده المراسل العسكري في صحيفة هآرتس “يانيف كوبفتس” الذي اعتبر أن “اغتيال نشطاء سيؤدي لتعاظم قوة المجموعات”.

وأكد دراغمة أن الإعلام الإسرائيلي انتقل من مرحلة تحليل عملية الاغتيال، والتلميح بأن أيدي إسرائيلية خلفها، لمرحلة نقل التهديد لأعضاء الجماعة بأنهم الهدف، والملاحقة لهم بذروتها، وفق ما كتبه المحلل العسكري لموقع “واللا نيوز” العبري.

ويستحضر دراغمة في السياق تحليل القناة العبرية 13 التي اعتبرت الاغتيال بمثابة رسالة للسلطة ومفادها “إن لم تتعاملوا مع عرين الأسود نحن نقوم بذلك”.

اقرأ أيضا: يديعوت: هذا هو الهدف من اغتيال الكيلاني بطريقة جديدة

وتأتي هذه السياسة الاحتلالية إلى جانب سياسة دق الأسافين التي ينتهجها الاحتلال منذ 15 يوما بحق مدينة نابلس، بحسب الباحث أنس أبو عرقوب.

ويستند مبدأ دق الإسفين إلى “تركيع العدو” الذي يعيش في وسط المدنيين، بمعنى إيجاد فرق في المصلحة بين الجانبين.

وعلى النقيض من ذلك يرى الباحث الفلسطيني معز كراجة أن الرسالة التي تقرأ من عملية الاغتيال في نابلس تحسب على الاحتلال وليس لصالحه. فهو لم يعد إلى أسلوب الاغتيالات إلا تجنباً للمواجهة، التي لم تعد مجانية كما كانت سابقا.

وتابع أن ذلك يرتبط بفكرة أن كل مواجهة تؤدي إلى تثوير الشارع وزيادة شعبية المقاومة والثقة بها.

ويرى كراجة أن الفيديو الذي نشر للشهيد التميمي، في آخر مواجهة له، جاء أيضا بنتائج عكسية، فبدل أن “يكسر صورة البطل” عزز هذه الصورة وحررها من المجرد والمتخيل لتصبح بطولة واقعية ملموسة رغم استثنائيتها.

وتابع، مشددا على أن الاحتلال حتى الآن يتعامل مع المقاومة في الضفة الغربية بمنطق “المعالجة الدقيقة”، أي “تجفيف المصادر” و”قطع الرؤوس”، في محاولة لتحطيم وتكسير ما يعتقد أنهم مجرد بضع عشرات من الشباب، قبل أن يتحولوا الى حالة شعبية عامة.

ويضيف: “لكن كما يبدو من المعطيات، فإن الشارع بمواقفه بات يعطي هذه المقاومة زخماً ويسهم في توسعها، مثلما المقاومة طوال الفترة الماضية ساهمت في تحرير الحالة العامة من عجزها ومدّها بالثقة من جديد. أي أصبحت العلاقة جدلية تبادلية بين الشارع والمقاومة، كل منهما يساهم في تقوية الآخر”.

وختم قائلا: “لقد قلل الاحتلال من شأن “العمليات الفردية” والهبات السابقة، والآن يبدو أنه تفاجأ بمبدأ أن “تراكمات كمية تؤدي إلى تغيرات نوعية”، وهو يخسر “معركة الصورة” مع كل حدث وكل عملية.. طبعا لا يعني هذا بالضرورة أن الأمور ستتغير جذريا، ولكن الضفة لن تعود إلى حالتها السابقة”.

يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد على سياسة الاغتيالات، كأحد أركان نظامه الأمني لمحاربة المقاومة الفلسطينية، وبحسب المدعي العسكري الإسرائيلي الجنرال مناحيم فلينكشتاين، في تقرير لجنة التحقيق بشأن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة بتاريخ 16 مارس 2001، فإن “جيش الدفاع الإسرائيلي مخول ومصرح له اغتيال عناصر معادية في المناطق الفلسطينية بهدف إنقاذ حياة أشخاص، في غياب بديل آخر. الجيش الإسرائيلي سيواصل اتباع كل الوسائل، بما في ذلك عمليات الاغتيال”.