ما زال العالم ونحن بمعيته نتفرج على فيلم الرعب الطويل داخل غزة من بطولة بايدن ونتانياهو وغالانت وسائر الأسماء التي تقشعر منها الأبدان ويتقزز منها الزمان ذات التذاكر المحجوزة في جهنم ، هذا الفيلم تطلب الكثير من عناصر الدراما والإثارة فيه حتى يحقق أعلى المشاهدات ، التجويع والبرد والخيام التي يتسلل فيها المطر والشهداء وأجزاء آدمية هنا وهناك ودموع امهات وآباء و زوجات وأطفال بلا أي معيل أو أب أو أم ، عشرون ألف يتيم وأكثر من مليون هارب من الجحيم يتجمعون مثل السردين في حيز واحد تمهيدا لدفعهم نحو السور العازل بالقوة وإكمال التمثيلية بإدخالهم إلى سيناء تحت سيناريو بأنهم اقتحموا السور وفلتت الأمور والرحمة قدر مقدور ! ، لقد مات الحياء وهربت العروبة إلى الفلاة وصارت أيامنا عزاءا يا غزة ، الرهائن الذين يقبعون في الحبس منذ شهور أربعة والذين يتكلمون عنهم عبر المفاوضات هم نحن وأنت وحدك يا غزة من يحررنا !
ثمة نظرية مهمة جدا في الفيزياء وذات جمال خاص تعرف علميا بإسم نظرية الديناميكا الحرارية وفي داخل هذه النظرية تقبع الخلفية النظرية والأسس العلمية لعدد هائل من ظواهر الكون المرتبطة بالطاقة وتحولاتها وقوانينها وتساعد على فهمها والتنبؤ بها ، تخلص نظرية الديناميكا الحرارية في نهاية نتائجها الحسابية إلى حقيقة واحدة جذرية كبيرة مصاغة بلغة علمية مستعصية ، وهي أن كل شيء في هذا الكون المنظور يتحرك في اتجاه محتوم من النظام إلى الفوضى أو من الانضباط إلى الفلتان وهذا الوصف يشمل كل حدث مهما كان كبيرا او صغيرا ، وفي هذا الصدد هنالك مصطلح مقترن وبالغ الأهمية ربما تكرر مروره على مسامعكم يعرف بإسم (الانتروبيا ) والانتروبيا هي مقياس وصفي وكمي لمقدارالتحول أو الانفلات الذي يطرا على الأنظمة عند انتقالها من النظام إلى الفوضى ، وبتعبير آخر يمكن القول بأن الانتروبيا هي مقدار الثورة أو التحرر أو الانفلات الذي طرأ على الأنظمة وقاد إلى تحطيم كل قواعدها ، كمثال بسيط فعند وضع بعض السكر داخل كأس الشاي الساخن فإن بلورات السكر تنتقل من حالة النظام والتماسك (البلورات ) إلى جزئيات منفلتة متجولة في المحلول وهذه لا يمكن التنبؤ بطبيعة مسارها أو موضعها ، لقد انتقلت من النظام إلى الفوضى .
يعتقد الكثيرون بأن النظريات والحقائق العلمية المجردة هي في حالة انفكاك أو انفصام عن الحقائق الانسانية أو الفلسفية في هذا الكون ولكن الحقيقة غير ذلك ، فكما تشتغل نظرية الديناميكا الحرارية ومقياس الانتروبيا في الظواهر غير الحية فهي تشتغل أيضا في الظواهر الحية وتتخذ صورا خفية لا يدركها إلا المتبصرون و يعريها التاريخ وتؤكدها حقائق الفناء والاندثار والزوال أو الارتقاء والتبدل ، كانت الامبراطورية الرومانية ذات يوم تمتلك ناصية هذا العالم ومن قبلها أمم أمثال ، كلهم تحولوا من حدود النظام إلى اندثارات الفوضى وتلاشوا وكأنهم لم يكونوا وارتقت على بقاياهم أمم جديدة ، فرعون وهامان وقارون وهتلر وموسولويني كل هذه الأسماء هي ضوابط نظامية شديدة وجدت لكي تخلق حالة (النظام ) الذي كانت تؤمن به ولكن ضوابط الديناميكا الحرارية الكونية لقنتهم الدرس الأكبر بأن البدايات تكون دوما أفضل من الخواتم ، فما يبدأ بالنظام والضبط والشدة والسيطرة يؤول إلى عبرة من التحلل والتفكك تماما كما تفككت أجسادهم وأفكارهم وتحولت من الوحدة والنظام إلى التلاشي والفناء وتركت الفسحة للأحداث الأصغر لكي تكبر وتصبح ذات شأن .
في العدوان على غزة والمعركة المصيرية التي تجري لأمة العرب يلعب نتانياهو وعصابته ضمن لعبة الديناميكا الحرارية التي لا مفر منها ويحاولون فرض النظام الذي يؤمنون به ، وهم بالتالي يعبثون مع الانتروبيا الكونية في محاولة متجددة فاشلة للارتقاء نحو نقطة الخلود والعظمة والمجد للفكرة الكولونيالية الاستعمارية الصهيونية والابقاء على الجسد الاسرائيلي دون أن يتحلل أو تأكله البكتيريا الفلسطينية المقيمة في تراب فلسطين منذ آلاف السنين .
ad
في سبيل الحصول على ظاهرة النظام والانضباط وفقا للعقيدة الصهيونية الاستعمارية التي تستوطن بلاد العرب يجب القيام بالكثير من أجل تحقيق هذه الظاهرة الفيزيائية التاريخية ، لأجل هذا الانضباط والحصول على النظام المنشود ترسل القيادة الأمريكية عتادها وعدتها وجندها إلى أراضينا وسحلت بوارجها وقاذفاتها فوق رؤوسنا ، من أجل ذلك يقتل جيش الاحتلال كل يوم 150-200 فلسطيني في غزة وبعض الاضافات في الضفة الغربية ، من أجل ذلك يقوم جيش الخراب بالفتك بالمنازل والمساجد والشوارع وشبكات الماء والكهرباء ويحول أي مكان يدخله الى رماد صرف ، من أجل ذاك يطوف وزير الخارجية الأمريكي على مستعمراته ليضع أوامره بين يدي ناطور الزيت وناطورالمعبر وناطور الماء وناطورالتجهيل وناطورالتهجير وناطور الفواتير ، من اجل لعبة النظام وفرضه يقوم مجلس الكابينت الجبان وهو يجلس في المكتب الباذخ بصياغة قرارات القتل المتواصل وقرارات منع الدواء والغذاء وتحويل غزة إلى رقعة من وديان جهنم ، من أجل تحقيق حلم النظام يقوم جيش الموتى باقتحام وحرق وقتل وتفجير جنين ومدن الضفة واعتقال العشرات كل يوم وزرع الالام في كل بيت وقلب كل فلسطيني ، من أجل النظام إياه يقوم هذا الكيان بإعلان تمرده على الانسانية والبشرية وتحطيم كل قوانينها وقراراتها ويدوس على كل ما حفظه التاريخ من اخلاقيات ونبل ورفعة ، من اجل هذه العظمة الزائفة والمرفوضة في الديناميكا الحرارية للمجد والعظمة تعربد الطيارات الأمريكية والبريطانية من غزة الى صنعاء ومن العراق الى جنوب لبنان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان .
جرت العادة أن لعبة النظام والعبث مع فيزياء التشدد تهدف في ضمير اللاعبين إلى ترك انطباع العظمة او محاولة الالتصاق بها ، جرت العادة أيضا أن طلب يد العظمة يتطلب جينات أو شخصيات بشرية حلت فيها خصائص سيادية متفردة لا تحدث في الزمان إلا ومضات ، قوانين العظمة تقول بأنه لا يناسبها قصار القامة والقتلة والمتآمرون الصغار الكاذبون على الله والناس ، لعبة العظمة والبقاء لا يليق بها حرب تشن على مدنيين عزل أبرياء وتقتل فيها الطائرات ثلاثين الف إنسان بلا ذنب ولا غاية ، لأن هذه ليست حرب بل زعرنة وجريمة تاريخية ومذبحة لا يقوم بها الا الجبناء ولا معنى لأي انتصار ، العظمة لا يليق بها بلد يقوم ولا يقعد لأجل ثلاثة جنود قتلوا من جنده في الوقت الذي لايحفل بأكثر من مائة ألف مصاب وشهيد بريء ، العظمة لا يليق بها هيئة محكمة عدل على أعلى مستوى تطلق قرارها قبل اسبوع ليتم تحويله الى نكتة مميتة يذهب ضحيتها أكثر من ألف شهيد منذ صدور القرار ، العظمة لا تليق بمخادعين يعلنون عن عقوبات لأربعة مستوطنين ويغضون بصرهم عن حكومة كاملة من المجرمين وقتلة الأطفال ، والعظمة كذلك لا تتلاصق مع رئيس يتكلم عن هدنة بعد أربعة شهور من القتل المتواصل على الهواء ليؤكد أن الهدنة هدفها تحرير (الرهائن ) من غزة وكأنه يدعي الاصابة بالعمى الإنساني ، العظمة أخيرا لا يليق بها مجتمع بأكمله مجرم متعطش للدم والذبح التلمودي ويدفع بحكومته لمزيد من القتل والمزيد من الدم العربي وهدر الأرواح بلا توقف ، من هم هؤلاء الذين يحاولون العبث مع التاريخ وتحدي الانتروبيا ؟ من أنت يا ايتمار ومن انت يا جالانت ومن انت يا بيبي المرتشي ؟
الحقيقة التي تقولها الفيزياء بكل حياد ونزاهة بعد تأملها في شخص يبحث عن العظمة مثل اتان بن كفير بأنه عبارة عن عمل غير صالح تشكل ذات ليلة عقب حفلة سكر جماعي فأنتج بويضة مخصبة فيها 62 كروموسوم ، من انتم يا أبا يائير وسوليفان وبلينكن وسترتش الضئيل ؟
إنهم قصص ضئيلة لطفيليات تولدت من تهجين وتزواج العوامل الخاطئة الآثمـة في الزمان والمكان الخاطئين كما نماذج أوسع وأكثر ، كل هؤلاء المشاركين في دم غزة لا يتعدون الوليد الكائن من تزاوج روح القبيلة الأوروبية والكره والفساد والبذاءة والزعرنة والحداثة وطفرة المال ومملكة الأمية وبذور الشر ، إنهم خليط من الزنا الذي يعقبه تقبيل الكتاب المقدس ، الرشوة ثم الصلاة في الكنيس والتبرع لدور الشبيبة ، جمع التبرعات لتسليح المستوطنين ثم سرقتها واللعب بها في ليلة قمار ، إنهم الاستعداد لارتكاب المحرمات ثم ممارسة الاستغفار وسب الذات الالهية وتشجيع المباريات وتكويم النفايات في الشارع ، إنهم جينات ملعونة تسللوا عبر متسلسة كاملة من حملة الجين الشاذ المسكون ليصلوا إلى زماننا ، هذا الكوكتيل بالضبط هو ذاته الذي أنتج أيضا كافة طبقات المجتمع الغريب الذي يساند الجريمة الصهيونية في غزة من الصحافيين والاعلاميين والاكاديميين وأولئك الذين جنحت بهم سفينة العقل ، لقد نجحت عصابة المجرمين في فتح فروعها في كل العالم من خلال الحـك على جرب الشعوب البلهاء الباحثة عن العنصرية والكراهية والمنتجات الرأسمالية التي تحـن وتشتاق بين الحين والآخر لبعض الوســخ والغش وإسالة الدماء التي لم تتخلى عنها منذ أول التاريخ من أجل النفط والغاز والأرض وفراء الثيران.
في داخل الانتروبيا الفلسطينية لدينا جيش مجرم مدعوم ومحمي من كل جيوش الإستكبار في الأرض ، لدينا سلاح طيران متطور ألف مرة عما انتجته الحرب العالمية الثانية ودبابات ترتعش من الخوف لو وقفت بجوارها تقوم بقصف أبرياء يسكنون الخيام ويشعلون الناربالحطب ويأكلون خبز الشعير ولا يجدون علاجا لجرح ولا ماءا نظيفا للشرب ، لدينا نظام عالمي مجرم أشد نازية من هتلر المسكين الذي يؤلفون عنه الأكاذيب قرر الحكم على شعب غزة بالموت جماعيا والتكرم على هؤلاء بشهادة حرق موقعة ببعض الترحم وبعض التعاطف من العرب والعالم والمحاكم الدولية .
في الجهة غير المنظورة لكل هذا النظام شديد القسوة والإجرام تكمن بذور الانفلات الانتروبي التي لا يريد الطغاة مشاهدتها ، في داخل الانتروبيا الفلسطينية تتفكك كل سطوة وبطش هذا النظام بفعل مكونات بسيطة لا يمكن الانتباه إليها أو إدخالها في الحسابات لأن الاستكبار لا يرى هذه الأشياء من الأصل ، من مثل الياسين 105 وعبوة شواظ وأم تعيد تعليم أبنائها في الخيمة ، مقاتل لم يأكل شيئا منذ أيام ويبيت في البرد وسط الحطام في انتظار الميركافا ، صواريخ انصارالله وحزب الله ، في داخل الانتروبيا الفلسطينية كل طفل قتلتم أبويه أو اخويه سينتقل من السكينة والطفولة إلى الانفلات الذي لن يرحمكم ولن يغفر لكم وسيجد النص المقدس لإبادتكم كما وجدتم نصكم المقدس ، كل بيت هدمتموه سيربي حفنة جديدة من الثائرين ليثأروا له ، كل حي قتلتم أهله سينتج لكم ألفا من جنود الفوضى والانفلات الماحق في كل بقاع الأرض ، عقيدة الانتروبيا التي لا مهرب منها تؤكد بالدليل القاطع بأن الامبراطوريات والدويلات المارقة القائمة على نظام السرقة والقتل والذبح والاحتيال على الشعوب والتاريخ سوف تتفكك وتندثر تتحول في اللحظة المفصلية إلى مهزلة ونكتة ومضرب مثل للناس والزمان ولهذا السبب فمن المحتوم انتقال الحضارة وعناصرها من القوة والعدل والاحسان من بلد مثل الولايات المتحدة ومستعمراتها الى دول تبدو الان اضعف واقل شأنا مثل ايران أو العراق أو تركيا أو اليمن أو المكسيك أو فنزويلا أو أيا كان .
العظمة جزء لا يتجزأ من قوانين الديناميكا الحرارية الانسانية ولا يصنعها الجبناء مهما امتلكوا من أسلحة الدمار الشامل والذكاء الصناعي وقذائف الألف كيلوغرام ، العظمة يصنعها قادة حقيقيون يمتلكون عقيدة وغايات مشرفة وذات شرعية وأحقية كونية ، العظمة يصنعها مقاتلون يلعبون بالموت في مدينة يطوفها الموت في كل زاوية ، هؤلاء المقاتلين هم الانفلات الصحيح الذي يمنح كأس الشاي حلاوته بعد أن غلبت فيه المرارة .
كاتب عربي فلسطيني