لا تكمن المعضلة في الشعار بقدر ما تكمن في تفسير وتعريف “لكن”، تلك ال “لكن” اللعينة القابلة للتأويل والتبرير والاتهام والجدل وتغييب الحقيقة.
في المقابل لا يمكن الحياد أمام حالات الفقدان والموت، لا يمكن الحياد أمام رؤية حدقات بشرية يغادرها ضوء الحياة إلى الأبد …
لا تكمن مأساة الطفل سليم النواتي رحمه الله في الموت، فالموت حق، لكن المأساة حين تصفعنا قصة سليم بما يختصر حالتنا القاسية المتأرجحة بين الشعار ولكن، برمزية موجعة …
“الانسان أغلى ما نملك”، لكن عائلة سليم النواتي من غزة انتظرت أسبوعين أمام حالة مريرة من البيروقراطية لم تحتملها صحة الطفل سليم الذي كان مرض السرطان ينهش جسده بوحشية، فقررت العناية الإلهية أن تنهي المشهد البائس بطريقة مختلفة، أكثر عدالة ورحمة من خلال تحرير سليم من حالة اللا عدل واحتضانه في الأبدية، فقد تكون الأبدية أكثر عدلاً من سجال حول المسافة بين كلمتي “الشعار” و”لكن” …
هناك في الأعلى سيسترد سليم صحته ويشرق ثانية من اسمه سليماً معافى من كل سوء وانتظار …
لن يكون بحاجة إلى تصريح مرور من غزة إلى الضفة، لن يكون بحاجة إلى قسوة انتظار تحويلة طبية ملائمة تنقذ حياته من الموت، لن يكون محتاجاً لتبرير حقه في العلاج والحياة والكرامة كانسان قبل كل شيء …
لن يقول له أحد: الانسان أغلى ما نملك ولكن …
لن يكون هناك “لكن” في العدالة السماوية المطلقة …
قصة سليم النواتي ليست مجرد حالة مرضية فشلت أمامها حلول الطب الممكنة، لكنها حالة مجتمع وشعب يحتاج إلى الكثير من الجهد الحقيقي والتكاملي بعيداً عن استنزاف الوقت لأرواحنا المنهكة وذلك من أجل جسر تلك الهوة الشاسعة بين الشعار ولكن …
قد تكون البداية المهنية الملائمة المبادرة إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للوقوف حول أسباب المأساة التي أودت بحياة سليم بعيداً عن وهج الشعارات الباهتة والسجالات وليس آخرها وضع توصيات حقيقية لتطوير آلية عمل عادلة تحقق الحد المقبول من العدالة، والحق الممكن في العلاج …
نقول هذا كي لا تصفعنا الحياة برحيل سليم آخر، كان بالامكان إنقاذ حياته من المرض لولا بشاعة كلمة “لكن” …
قد يكون هذا مطلب سليم النواتي الأخير، المطلب الذي لم يتمكن من قوله قبل أن يداهمه الموت في متاهة الانتظار …
الحق والعدالة والصدق …
المأساة ليست في قدرة أو كفاءة طبية بقدر ما هي في خلق فضاء ممكن وضروري من الثقة يكون فيه الشعار “الانسان أغلى ما نملك” حقيقة دون “لكن”.
لروح سليم النواتي الرحمة والعدالة عند رب العالمين.