كان أحد البنود المدرجة على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية هو تسمية الحرب على غزة التي تخوضها إسرائيل في غزة منذ أكثر من 11 أسبوعاً ضد غزة.
ستكون هذه هي ثاني محاولات نتنياهو بهذا الصدد. ففي الأسبوع الأول للحرب، أطلق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، لأسباب لا يعلمها إلا هو، “حرب السيوف الحديدية”. وقد طُبِعَ الاسم على البيانات الرسمية، لكنَّه لم يلقَ انتشاراً بين الجمهور الإسرائيلي. وحتى وزراء نتنياهو وجنرالات الجيش الإسرائيلي نادراً ما استخدموا هذه التسمية. وهذه المرة، فضَّل نتنياهو تسمية “حرب التكوين” (اشتقاقاً من “سفر التكوين” التوراتي).
إنَّ محاولة السياسيين تسمية حرب هي بطبيعة الحال ممارسة عقيمة، حسبما تقول صحيفة The Times البريطانية، التي تقول: “وينبغي على نتنياهو، وهو ابن مؤرخ، إدراك أنَّ الحروب عادةً ما تكتسب تسميتها بمرور الوقت، من خلال الثقافة الشعبية، والاستخدام الإعلامي، وأخيراً حكم التاريخ”.
نتنياهو يطلق اسماً مضللاً على الحرب على غزة
لكن نتنياهو حريص على تأطير سردية ما يحدث في غزة لأغراضه السياسية الخاصة، و”حرب التكوين” تستحضر حدثاً ملحمياً لا علاقة له بأي شيءٍ كان قبله. وهي محاولة لإقناع الجمهور الإسرائيلي بأنَّ هجوم حماس المفاجئ في السابع من أكتوبر/تشرين الأول لا علاقة له بسياساته وإدارته لشؤون إسرائيل خلال السنوات الطويلة التي سبقت الهجوم حين كان رئيساً للوزراء.
باءت هذه المحاولات بالفشل حتى الآن. ففي كل استطلاع رأي ودراسة مسحية تقريباً أُجريَت منذ بدء الحرب، ردَّت أغلبية ساحقة من الجمهور الإسرائيلي بأنَّها ترى نتنياهو مسؤولاً، وتعتقد أنَّه يجب أن يستقيل، إمَّا على الفور أو بمجرد أن تنتهي الحرب. وترغب أغلبية واضحة من الإسرائيليين أيضاً في انتخابات مبكرة.
نتنياهو سيخسر الانتخابات لو أجريت اليوم
وإذا ما أُجريَت الانتخابات اليوم، تتوقع معظم استطلاعات الرأي أنَّ حزب الليكود سيخسر نحو نصف الأصوات التي حصل عليها قبل عام واحد فقط، وأنَّ بيني غانتس، وزير الدفاع السابق الذي انضم إلى حكومة الحرب المصغرة التي تشكَّلت بعد أيام من بدء الحرب، سيحقق فوزاً مريحاً ويصبح رئيس وزراء إسرائيل التالي.
كان نتنياهو في موقف سياسي صعب حتى قبل بدء الحرب. فبسبب لوائح الاتهام بالفساد ودعوى قضائية ضده، يواجه فيها احتمال السجن لعشر سنوات، رفضت الأحزاب الوسطية في الكنيست الانضمام إلى ائتلاف حكومي تحت قيادته.
وفي يونيو/حزيران 2021، خسر السلطة وظلَّ عاماً ونصف العام في المعارضة حتى استعاد السلطة نهاية عام 2022 في الانتخابات الإسرائيلية الخامسة في أربع سنوات.
وعلى الرغم من فوز ائتلافه من الأحزاب اليمينية المتطرفة والدينية المتشددة أخيراً بأغلبية، عانى نتنياهو من أجل السيطرة على حكومته الجديدة، ولم يحظَ بشعبية على المستوى الوطني. واحتج الإسرائيليون طوال العام على برنامج “الإصلاح القضائي” المثير للجدل لحكومته، والذي سعى لإضعاف استقلال المحكمة العليا.
إنه يفتقر للأغلبية وينأى بنفسه عن القرارات العسكرية
يترأس نتنياهو الآن حكومة الحرب، لكنَّه يفتقر إلى الأغلبية العددية فيها. فإلى جانب غانتس، تضم الحكومة وزير الدفاع الحالي يوآف غالانت، وهو عضو بحزب الليكود ابتعد عن زعيم حزبه منذ مارس/آذار الماضي، حين حاول نتنياهو إقالته بعد انتقاده خطة الحكومة المثيرة للجدل لإصلاح النظام القضائي الإسرائيلي. وغادي آيزنكوت، وهو حليف سياسي لغانتس. كان الثلاثة جميعهم جنرالات بارزين سابقين بالجيش، على عكس نتنياهو، الذي وصل فقط إلى رتبة نقيب. ولم ينتقل حليفه الوحيد في حكومة الحرب، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، إلى إسرائيل إلا وهو رجل بالغ وليست لديه خبرة عسكرية.
وقال مساعد وزاري بارز: “تُتخَذ معظم القرارات في حكومة الحرب من جانب الجنرالات الثلاثة السابقين، ويبقى نتنياهو منتظراً حسم قراره حتى يرى في أي اتجاه يهب الريح. وهو ليس منخرطاً في معظم القرارات العسكرية اليومية، ويحتاج إلى كثير من الإقناع قبل أن يُوقِّع على القرارات الأكبر”.
ويقضي وقته في الدعاية ومحاولة التبرؤ من التقصير أمام طوفان الأقصى
لكنَّ ذلك لا يعني أنَّه غير مشغول. إذ أمضى ساعاتٍ طويلة خلال الحرب في لقاءات مع المستشارين السياسيين والصحفيين المتعاطفين، وفي مناسبات التقاط الصور مع قادة العالم والمشاهير الزائرين أمثال إيلون ماسك.
وكانت هناك أيضاً زيارات مُصمَّمة بعناية للقوات في الميدان، سواء للمجندين الصغار المضطرين لإمساك ألسنتهم، أو في مناسبات نادرة إلى قوات الاحتياط بعد إخضاعها للفحص جيداً.
مع ذلك، كانت هنالك في بداية الحرب بضع حوادث ضايق فيها جنود من قوات الاحتياط رئيس الوزراء وطالبوه بالاستقالة.
وسيتعين على الحكومة الإسرائيلية في قادم الأيام والأسابيع اتخاذ سلسلة من القرارات التي ستحدد مستقبل الحرب وما بعدها. ولن يكون نتنياهو وحيداً في اتخاذها، لكنَّه سيكون منخرطاً بقوة في العملية بما أنَّه سيكون لها تداعيات سياسية.
نتنياهو عليه اتخاذ قرار بتقليص الهجوم البري
ويُعَد القرار الأكثر إلحاحاً هو توقيت تقليص الهجوم البري في غزة. وفي حين لا يُتوقَّع أن توافق الحكومة الإسرائيلية على وقفٍ لإطلاق النار، فإنَّ الحرب ستتخذ شكلاً مختلفاً الآن بعد تدمير معظم معاقل حركة حماس في مدينة غزة واحتلال الجيش الإسرائيلي لمعظم خان يونس، ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة.
مع ذلك، حماس كقوة عسكرية لم تُهزَم، فالآلاف من مقاتليها لا يزالون يختبئون بالأنفاق أو اختفوا وسط السكان المدنيين. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أنَّ الأمر سيستغرق أشهراً أخرى من أجل القضاء عليهم، لكنَّ الحملة ستكون حملة أكثر حركية، بحيث يتم نشر وحدات أصغر من الفرق الكاملة الحالية.
وإبرام هدنة مؤقتة
وسيتمثل قرار رئيسي آخر في الموافقة على هدنة مؤقتة أخرى مع حماس للسماح باتفاق لإطلاق سراح الرهائن من عدمه. ولا يزال هنالك 120 رهينة إسرائيلية محتجزين في غزة. وتطالب حماس بوقفٍ شامل لإطلاق النار كشرط للمحادثات. ومع أنَّ الحكومة تنظر إلى الهدنة السابقة، التي استمرت أسبوعاً، باعتبارها نجاحاً بعد إطلاق حماس سراح 110 رهائن، فإنَّ حكومة الحرب كانت منقسمة في الأصل بشأن ما إن كان ينبغي السماح بمتنفس لحماس. وتردد نتنياهو ولم ينحَز لأي طرف.
وقال مسؤول أمني يقدم المشورة للحكومة: “كان بإمكان اتفاق الرهائن أن يتم قبل ذلك بأسابيع لو لم يكن نتنياهو متردداً للغاية على هذا النحو. لقد كلَّف ذلك وقتاً ثميناً”. ومع توقُّع دفع حماس بصفقة أصعب هذه المرة، وتحول وضع الرهائن إلى حالة يائسة، ستكون المعضلات أكثر شدة.
وتوسيع المساعدات المسموح بدخولها إلى غزة
سيتعين على الحكومة أيضاً أن تتخذ قراراً بشأن السماح بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة لأكثر من مليوني شخص هناك، معظمهم شُرِّدوا بسبب القتال. وأي قرارٍ كهذا سيؤدي إلى انقسام الحكومة الكاملة. مع ذلك، يتعرَّض نتنياهو أيضاً لضغوط شديدة من حليف إسرائيل الرئيسي، إدارة بايدن، من أجل بذل السماح بمزيد من المساعدات لسكان غزة.
ويلعب الضغط الأمريكي دوراً رئيسياً في تشكيل استراتيجية إسرائيل الخاصة بالأيام التي ستلي الحرب في غزة. وتتصور سياسة الرئيس بايدن المعلنة أن تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة. عارض نتنياهو مراراً تلك الخطة، لكن يبدو أنَّ هذه بالأساس حيلة لتعزيز قاعدته القومية المتراجعة وليس موقفاً نهائياً حقيقياً.
يريد خلق سلطة فلسطينية تابعة في غزة، ولكن الأمريكيين يرفضون ذلك
ففي الأسبوع الماضي، نشر مستشار نتنياهو للأمن القومي، تساحي هنغبي، مقال رأي في موقع “إيلاف” العربي ومقره لندن، يقول فيه إنَّه ستكون هنالك حاجة لهيئة فلسطينية معتدلة حاكمة تتمتع بدعم وشعبية واسعين. وأضاف: “في شكلها الحالي، تجد السلطة (الفلسطينية) صعوبة في القيام بذلك، وسيتطلب الأمر جهداً ومساعدة كبيرين من المجتمع الدولي وكذلك من دول المنطقة، ونحن مستعدون لهذا الجهد”.
وما كان هنغبي ليكتب هذا دون موافقة رئيسه.
ويبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي عالقاً: فأحزاب اليمين المتطرف التي تُبقيه في السلطة تهدد بإساقط الحكومة إذا ما تقلَّص نطاق الحرب وسُمِحَ للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة. مع ذلك، تحتاج إسرائيل الدعم الأمريكي المتواصل، وغانتس الأكثر براغماتية ربما يغادر أيضاً حكومة الحرب إذا ما اعتقد أنَّ السياسة تُوجِّه قرارات نتنياهو، وينضم إلى الدعوات بإجراء انتخابات مبكرة.
وأياً كان ما سيفعله نتنياهو بعد ذلك، فإنَّه لن يحدد فقط كيف ستمضي الحرب عديمة الاسم، بل أيضاً مصيره السياسي الآني، وإرثه في الداخل وعلى الساحة الدولية، وربما حريته.