التقارب بين مصر وإيران | مصراوى

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يتردد حاليًا الحديث عن انفراجة محتملة في العلاقات بين مصر وإيران، بالتزامن مع ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من موجة انفراجات لقضايا تأزمت طوال السنوات الماضية، ومنها إعلان كل من السعودية وإيران توصلهما لاتفاق يعيد العلاقات الدبلوماسية بينهما برعاية صينية في مارس 2023، ودعوة الرئيس بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية التي عقدت منذ أسابيع.

ويدعم الحديث عن التقارب المصري-الإيراني المحتمل عدة تصريحات صدرت عن الجانب الإيراني، ومنها تصريح المرشد آية الله علي خامنئي أثناء استقباله سلطان عمان منذ أيام بأن بلاده ترحب “بعودة العلاقات بشكل كامل مع القاهرة في إطار التوسع في سياسات حُسن الجوار، واستغلال طاقات وإمكانات الدول الإسلامية لتعود بالفائدة على جميع شعوب ودول المنطقة”، وتصريح المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي الذي أكد استعداد بلاده لتعزيز العلاقات مع مصر.

ولم تصدر عن الجانب المصري تصريحات مماثلة، بل إن وزير الخارجية المصري صرح بأن “ما يثار بشأن وجود مسار مصري إيراني مجرد تكهنات لا أساس لها من الصحة”.

إن الحديث عن انفراجة محتملة في العلاقات بين القاهرة وطهران يرتكن إلى تصور سائد في دول عدة في المنطقة مفاده بأن موقف السعودية من إيران طوال السنوات الماضية كان يمثل قيدا خارجيا على سياسات مصر تجاه إيران، وإن وجود تغير في هذا الموقف على النحو الذي يكشف عنه الاتفاق الذي رعته الصين، يترك مساحة ما لمصر لتقرر نمط العلاقات مع إيران خلال الفترة المقبلة.

ولكن رغم أن العلاقة الاستراتيجية بين مصر والسعودية والتي ترسخت بشكل كبير بعد دعم السعودية لثورة 2013 التي أسقطت حكم الإخوان في مصر، كانت تراعيها مصر في كثير من تحركاتها الخارجية وبدرجة ما السعودية، إلا أن تغير موقف السعودية من إيران لا يعني بالتبعية تغير موقف مصر من إيران بذات المستوى.

إذ إن هناك عوامل أخرى تؤثر على فرص التقارب بين مصر وإيران وكانت سببًا في تمسك مصر طوال السنوات الماضية بسياسة “ننتظر ونري” في تعاملها مع فكرة التطبيع الكامل للعلاقات مع إيران، وذلك رغم جهود الوساطة التي مارستها كل من عمان والعراق لسنوات، ومن تلك العوامل عدم حدوث تغير جوهري في موقف إيران من عدة قضايا مهمة لمصر بعضها ذي طبيعة ثنائية وبعضها الآخر يتصل بسياسات إيران في الإقليم.

فمن ناحية، توجد عدة قضايا ثنائية اثيرت في محادثات عدة دارت بين مصر وإيران طوال تسعينيات القرن العشرين ولم تستجب إيران للطلبات المصرية بخصوصها، منها ما يتعلق بتسمية إيران أحد الشوارع الرئيسية فيها باسم قاتل الرئيس السادات واستضافتها عددا من العناصر المطلوبين أمنيا لدى السلطات المصرية فضلا عن مستوى الالتزام بضمان حرية الملاحة في الممرات المائية خاصة البحر الأحمر والتي تعرضت لتهديدات من جانب أطراف مدعومة من إيران.

ومن ناحية ثانية، تتبنى إيران رؤية للمنطقة تتعارض بشكل جوهري مع الرؤية المصرية، حيث ترعى طهران الفاعلين من غير الدول المسلحين وتسعى لتعزيز نفوذهم في دولهم ليكونوا كيانات موازية للمؤسسات الأمنية الرسمية في حين تؤمن مصر بضرورة الحفاظ على وحدة ومركزية المؤسسات الأمنية باعتبارها العمود الفقري للدولة الوطنية. كما تعطي إيران وزنا كبيرا لتركيا من أجل احتواء أي نفوذ حقيقي لكل من مصر والسعودية وفي المقابل تتشارك مصر مع السعودية أهمية الاعتراف بوزن ونفوذ كل منهما في المنطقة وعدم تقويضه أو استبداله بنفوذ إيراني أو تركي.

ومن ناحية ثالثة، تقدم إيران نموذجا للدولة الدينية الشيعية وتعمل على نقله بأشكال وصور مختلفة لدول عدة في المنطقة تارة باستخدام البونياد Bonyads وتارة أخرى باستخدام الاستثمارات الاقتصادية والأنشطة السياحية التي تحمل بعدا طائفيا. وهذا النموذج رفضه الشعب المصري حين سعت حكومة الإخوان لإنشاء دولة دينية مماثلة ولكن سنية وانتصر لنموذج الدولة الديمقراطية الحديثة التي ترتكز على الهوية الوطنية على النحو المنصوص عليه في دستور 2014، وأصبح هذا النموذج ينعكس في السياسات الخارجية المصرية تجاه تسوية الصراع في اليمن وسوريا التي تعد إيران طرفًا رئيسيًا فيها، وهو ما يجعل المساحات المشتركة بين الرؤية الايرانية والرؤية المصرية محدودة في اليمن وسوريا.

ومن ناحية رابعة، يلاحظ أنه على مدار العقود الماضية وفي كل مرة يحدث فيها انفراجة في العلاقات بين إيران والسعودية، كانت إيران تتعامل مع مصر كقوة موازنة في مواجهة السعودية في إطار تنافسهما التقليدي على النفوذ في المنطقة والذي من المتوقع ألا يتلاشى بموجب اتفاق مارس 2023. ولكن تطبيع العلاقات بين مصر وإيران لا يتطلب أن يخدم مصلحة ايرانية ما بل أن يحقق أيضا مصلحة مصرية ما.

يمكن القول إن ما تحتاجه مصر خلال المرحلة الحالية ليس تجنب التعليق الصريح على ما يصدر من إيران من تصريحات حول التقارب مع مصر أو الاستمرار في سياسة “ننتظر ونرى”، ولكن من المهم أن تتبنى سياسات مختلفة تجاه إيران تحكمها المصالح الاستراتيجية للدولة وحسابات الأمن القومي المصري بما يتضمنه ذلك من توازن العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية التي أصبحت طرفا أصيلا في تحقيق وحماية تلك المصالح.