الحرب الأكثر وحشية منذ مائة عام..

بينما يتسابق المرشحان للرئاسة الأميركية، الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس على دعم دولة الاحتلال للفوز بأصوات اليهود الأميركيين وأموالهم ونفوذهم الإعلامي. وبينما تُنكر وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ممارسة إسرائيل لحرب إبادة، تكشف أرقام الضحايا والدمار في غزة عن جرائم غير مسبوقة في التاريخ الحديث ارتكبتها وترتكبها دولة الاحتلال.

فمع تجاوز عدد الشهداء في غزة الأربعين ألفا (أكثر من 2% من إجمالي عدد سكان القطاع)، قامت مؤسسات أبحاث وصحف عالمية بمقارنة هذا الرقم مع صراعات أخرى في العالم. حيث ذكرت صحيفة هآرتس مثلا أن الحرب في سورية قد أودت بحياة أربعمائة ألف إنسان في 13 عاما – أي بين الأعوام (2011 – 2024)، بمعدل 2556 شخصا شهريا. بينما تسببت الحرب في يوغوسلافيا بين الأعوام (1991 – 2001) في مقتل مائة ألف شخص على مدار 10 سنوات، أي ما معدله 833 انسانا شهريا. وفي السنة الأكثر دموية في العراق العام 2015 بلغ عدد الضحايا 1370 شخصا شهريا.
والحقيقة أن المكان الوحيد الذي تجاوزت فيه أعداد الضحايا الحرب في غزة هو أوكرانيا في السنة الأولى من الحرب فيها، حيث تشير الأرقام إلى سقوط 7736 شخصا شهريا، لكن غالبية هؤلاء لم يكونوا مدنيين ولكنهم عسكريون ومن الجانبين الروسي والأوكراني.
وإذا أضفنا لذلك عامل المساحة الجغرافية (غزة 360 كيلومترا مربعا بينما أوكرانيا 600 ألف كيلومتر مربع) وبالتالي عدم وجود أماكن آمنه لأهل غزة يلجؤون إليها للحماية، فإن أرقام الضحايا في غزة تعتبر الأعلى في القرن الحادي والعشرين.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار المدة الزمنية التي استغرقها قتل 2% من عدد السكان في أي حرب، فإن حرب دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني في غزة تعتبر الأكثر دموية منذ مائة عام.
لقد استغرق مقتل 2% من الشعب السوري 13 عاما، بينما استغرق مقتل نصف في المائة من الشعب الأوكراني أكثر من عام.
أما ما يتعلق بحجم الدمار فهو غير مسبوق في التاريخ الحديث أيضا. وقبل شهور قام جوزيف بوريل مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وهو شخصية تكرهها دولة الاحتلال لصراحته ولتقديمه القيم الإنسانية على مصالح الكثير من الدول التي يمثلها، بمقارنة ما يجري في غزة بما جرى خلال قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وقال إن حجم الدمار في غزة أعلى من الذي تعرضت له ألمانيا.
لقد تم تدمير ما نسبته 15 – 20% من ألمانيا خلال ست سنوات في الحرب العالمية الثانية، مقارنة بما نسبته 35% من غزة وفقا لأرقام الأمم المتحدة في نهاية شهر شباط الماضي، أي بعد خمسة أشهر فقط على بدء القتال فيها.
بينما وضعت مصادر مستقلة أخرى هذه النسبة فوق الـ 50% حتى نهاية شهر كانون الثاني الماضي، وهي الآن تفوق 75% وهو ما يؤكد أن دولة الاحتلال تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للسكن حرفياً، من خلال تدمير البنى التحتية وإجبار الفلسطينيين على الرحيل منها، وهو الهدف الأساسي لهذه الحرب الدموية والهمجية الإسرائيلية.
أما ما يتعلق بعدد الصحافيين والموظفين الأمميين الذين قتلتهم دولة الاحتلال، فإنها أيضا أرقام غير مسبوقة. حتى نهاية أيلول الماضي، قامت دولة الاحتلال بقتل 163 صحافيا وهو ما لم يحدث في أي حرب أخرى في العالم. وفي العام 2023 قُتل في العالم 188 موظفا أمميا بينهم 135 موظفا في غزة، أي خلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط من حرب دولة الاحتلال على غزة.
وإذا أخذنا في الاعتبار المدة الزمنية لحرب دولة الاحتلال على غزة والمساحة الجغرافية الضئيلة التي تجري فيها الحرب، فإن هذه الأرقام من الضحايا ومن حجم الدمار لم تحدث في أي مكان آخر من العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وهي تعكس ثلاث حقائق:
الأولى أن دولة الاحتلال تريد حسم القضية الفلسطينية بالقتل والتهجير.
والثانية أن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة متآمرة وشريكة في هذه الحرب لأنها من يقدم الدعم السياسي والعسكري والمالي لاستمرار حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
والثالثة أن غالبية سكان دولة الاحتلال لم يتحركوا لمنع دولتهم من الاستمرار في جرائمها وهمجيتها علما أن دولتهم تمارس حرب الإبادة باسمهم.
إن وحشية ودموية الاحتلال هذه لن تنسى أبدا ولن تتمكن من إنهاء وحسم الصراع لصالحها، وكل ما يُمكنها فعله هو تُعبيد الطريق لجيل جديد من الشعب الفلسطيني يملؤه الغضب والرغبة والتصميم على هزيمة الاحتلال.