في كيفية تعامل إسرائيل مع الأزمات والفضائح والمشكلات الداخلية تلجأ مستوياتها الأمنية والسياسية إلى تحويل الأنظار عن هذه الأزمات، وافتعال أزمات ثانوية بهدف التغطية على الأزمات الحقيقية وحرف الأنظار عن جوهر هذه الأزمات. هذا الأمر يتكرر في هذه الآونة بعد عملية «الهروب العظيم»، فهناك أزمة حقيقية وفضيحة كبرى تعاني منها المستويات الأمنية كما السياسية في دولة الاحتلال، خاصة مصلحة السجون وجهاز «الشاباك»، بعد نجاح عملية «الهروب العظيم». فشل كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على اختلاف تشكيلاتها ومسمياتها في منع هذه العملية، أدى إلى أن تقوم هذه الأجهزة بحشد طاقاتها الهائلة وراء محاولة القبض على العابرين للحرية، في حالة من الهوس والفوضى والارتباك، ما دفعها إلى افتعال معركة جانبية، جعلت منها معركتها الأساسية، وذلك من خلال الحرب المعلنة على الأسرى الفلسطينيين، وتحويل المعتقلات والسجون إلى ثكنات عسكرية حيث يتم التنكيل بالأسرى، بينما تتم ملاحقة ذويهم في أمكنة إقامتهم مع نقل وعزل واستفزاز الأسرى، ومنع زيارتهم، واستخدام كل وسائل التنغيص عليهم. معركة جانبية لم تنجح رغم كل هذه الإجراءات في حرف الأنظار عن سلسلة الإخفاقات، والاختلالات، وبقاء الأسئلة المحرجة بلا إجابات!
إلا أن هذه الحرب الجانبية على الأسرى فشلت حتى الآن في تجنّب المسؤولين الإسرائيليين في المستويات الأمنية والسياسية أن يتحملوا مسؤولياتهم في هذا الفشل والإذلال الذي لحق بهذه المستويات، وذلك مع تزايد المطالبة باستقالة قادة الأذرع المختلفة، ومع إدراك عدد متزايد من المحللين الإسرائيليين أن هذه الحرب لا داعي لها باعتبارها عملية انتقامية أكثر من أن تكون عملية موضوعية، بل من شأنها، حسب هؤلاء، أن تفتح أبواب التصعيد مجدداً في الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، وهو الأمر الذي دعا وزير الحرب الإسرائيلي إلى التخوف من هذا التصعيد، عندما قال غانتس: إنه يأمل في أن تتم حالة الغضب الفلسطيني بهدوء، وذلك ليقينه أن إعلان إسرائيل الحرب على الأسرى سيدفع الجماهير الفلسطينية إلى التحرك لتوسيع دائرة الاشتباك؛ لتفويت الفرصة على أجهزة الأمن القمعية الإسرائيلية بالانفراد بحربها على الأسرى.
حسب صحيفة «هآرتس»، هناك نحو 4500 أسير ومعتقل أمني فلسطيني في السجون الإسرائيلية، من بينهم نحو 2500 يقضون عقوبة السجن، وهناك 1474 لم يدانوا بعد، ونحو 500 دون محاكمة ودون لائحة اتهام وليس لديهم أي فرصة للدفاع عن أنفسهم. كل هؤلاء قيد الأسر والاعتقال في سجون داخل أراضي 1948، باستثناء سجن «عوفر» بالضفة الغربية المحتلة.
كل هؤلاء، مع مختلف أوضاعهم الأمنية والقانونية ومكان سجنهم واعتقالهم، باتوا عرضة مباشرة لعمليات الانتقام من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية مع تزايد تهديد حياتهم. إنها حرب ثأرية تختلف هذه المرة عن كل الحروب التي شنتها أجهزة الأمن الإسرائيلية على الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في أوقات سابقة، ذلك أنها الحرب التي تحاول من خلالها هذه الأجهزة حرف الأنظار عن إخفاقاتها.
لذا، لا يجب التعامل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية كمصدر للأخبار والتحليلات والتقديرات، خاصة بعد اعتقال بعض أبطال نفق الحرية، فالاحتلال يريد أن يظهر وكأنه انتصر في هذه الحرب على الإبداع الفلسطيني، وكشكل من أشكال الرد على إذلاله بعد الاختراق الفلسطيني لمنظوماته الأمنية، مع أن الخطر ما زال قائماً هذه المرة من خلال إمكانية نجاح الاحتلال في زرع الفتنة في الساحة الفلسطينية، وهو الأمر الذي يجب أن يجعلنا نتحلى كوطنيين فلسطينيين بكل القدرة على تجنّب هذه الفتنة من خلال التروي والتوصل إلى الحقائق بعيداً عن الإشاعات التي يصدّرها الاحتلال إلى ساحتنا الفلسطينية.
ما رأيك؟
رائع0
لم يعجبني0
اعجبني0
غير راضي0
غير جيد0
لم افهم0
لا اهتم0