الرعشة الأخيرة.. أنغيلا تترجّل.. انتهاء الحقبة الميركلية

قررت ميركل الرحيل والابتعاد نهائيا عن المشهد السياسي الألماني والأوروبي والعالمي بعد ١٦ عاما من العمل السياسي المضني؛ رغم أنها لا تزال تتمتع بشعبية ويعتبرها شعبها ضمانة استقراره.. أنغيلا ميركل أقوى امرأة في العالم؛ تترجّل اليوم؛ رغم أن معظم قادة العالم كانوا يرغبون باستمرارها ولعب ذات الدور العاقل والواقعي في السياسة الدولية التي طالما لعبتها في إطار العلاقات الثنائية أو الجماعية أو في الإطار الأوروبي الذي كان ملعب ميركل بامتياز. ولعل الاتحاد الأوروبي سيكون أكبر الخاسرين من رحيل ميركل، وهي التي عملت كل شيء من أجل قوة الاتحاد وتماسكه رغم كل الأزمات التراكمية التي ألمت به.وبشكل مباغت، أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أنها ستتخلى عن رئاسة الحزب الديموقراطي المسيحي؛ الذي تترأسه منذ 18 عاماً، لكنها ستكمل مدة ولايتها في منصب المستشارية الذي ينتهي السبت ٢٦ سبتمبر؛ وهو اليوم الذي ستختفي فيه ميركل كلياً من عالم السياسة. لم يكن قرار ابتعاد ميركل سهلا حيث قوبل بعاصفة من ردود الأفعال التي تعدت الأوساط السياسية والشعبية الألمانية إلى المحيط الأوروبي والعالمي.. ورأى بعض المراقبين الألمان أن ميركل غادرت حزبها بعيد انحدار شعبيته، وقد يكون هذا هو الوقت المناسب كي يعيد خليفتها التجديد وترتيب الأوراق، وتكون هي قد بدت كزعيمة فاعلة تغادر المشهد بانتصار. بينما قال فريق ثانٍ إن زمن ميركل قد ولّى، وإنها تبحث عن مخرج مشرف من الحياة السياسية، بعد أن تبوأت منصب سدة المستشارية منذ عام 2005. وقد يكون رأي الفريق الآخر الأصوب ويستحوذ على قدر كبير من الأرجحية. فمن الصعوبة بمكان أن يحتفظ قائد سياسي ما في المجتمعات الليبرالية بطاقة واسعة للحركة والنفوذ، على المستويين الداخلي والخارجي، بين يدي حالة من الوهن في قاعدته الحزبية الضيقة.

وذهب فريق ثالث إلى أن ميركل قد تواجه خيارا آخر من الانهيار السياسي يضاف إلى تحديات أخرى، كالمنافسات التي قد يكسب فيها المتطرفون وقوى التشدد اليميني أرضيات متزايدة، وارتداد قطاعات شعبية على جانبي الأطلسي إلى الأصوليات والأفكار الشوفينية الشعبوية ضيقة الأفق.

ومن خلال الردود المرحبة بقرار ميركل والحزينة تجاهه والوجلة المتوجسة من أسبابه وتداعياته، قومياً وأوروبياً وغربياً وربما دولياً أيضاً، نستطيع الجزم أننا أمام زعيمة استثنائية تنتمي إلى طائفة الشخصيات القيادية العالمية ذات الكارزمية واسعة الإشعاع والتأثير وصناعة القرار الكوني. فعلى الصعيد الأوروبي لا تعد ميركل من جيل المؤسسين للمنظومة الاتحادية.. ففي العام الذي ولدت فيه (1954) كانت هذه المنظومة قد تحركت بالفعل بجهود بذلها بقوة الفرنسيان جان مونيه وروبير شومان والألماني كونراد أديناور.

ويوم صعد نجمها السياسي في أواخر ثمانينات القرن الماضي وأوائل تسعينياته، كانت الفكرة الاتحادية وأذرعها التطبيقية قد اشتد عودها وأضحت قوة يعتد بها دولياً، اقتصادياً بالدرجة الأولى وسياسياً وأمنياً بمعدلات أقل. وميركل عاصرت وعاينت الحلم الوحدوي وهو يتحقق في وطنها الألماني الأم، ويتمدد في طول القارة الأوروبية وعرضها من 6 دول مؤسسة إلى 27 دولة غير أنه قدر لميركل أن تقود القاطرة الاتحادية في العقد الأخير تحت ضغوطات وتحديات وأزمات عاتية. كالأزمة الاقتصادية في بعض دول الاتحاد، والأعباء المالية المتأتية عن التحاق دول الشرق غير المؤهلة للانخراط العاجل في الدولاب الاقتصادي لغرب القارة، وحشود المهاجرين واللاجئين من عوالم الجنوب، وتفشي النزعات والتيارات الانفصالية المجافية للاتجاه الاتحادي، التي بلغت ذروتها بخروج قطب أوروبي ودولي رفيع المكانة والمقام بحجم بريطانيا.. إنها.. الرعشة الأخيرة لأنغيلا ميركل؛ أقوى امرأة في العالم.