يبدو أن الإدارة الامريكية تعمل بشكل حثيث نحو تعزيز العلاقة مع المملكة السعودية للسير نحو التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، واللحاق بركب دول التطبيع الجديدة التي وقعت “اتفاقات أبراهام”، ويتضح ذلك من إصرار دولة الاحتلال ومثابرتها على توطيد العلاقات مع السعودية والاستجابة العالية من قبل إدارة الرئيس الامركي جو بايدن.
على عكس ما توقعه بعض المراقبين بأن إدارة بايدن قد تؤخر مسار التطبيع، ووفقاً لما تتنقاله وسائل إعلام إسرائيلية أن مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، جيك سوليفان، بحث في الرياض مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، إمكانية تطبيع العلاقات بين السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقا لما ذكره مراسل موقع “واللا” الإلكتروني بارك رابيد، أن مسؤولين في إدارة بايدن قالوا خلال محادثة مع قادة منظمات أميركية يهودية، الجمعة الماضي، إن واشنطن تجري اتصالات هادئة مع عدة دول عربية وإسلامية، ثمة احتمال لانضمامها إلى “اتفاقيات ابراهام”. وأن العلاقات القوية بين إسرائيل والولايات المتحدة هي عنصر مركزي في جميع المحادثات مع تلك الدول العربية والإسلامية.
واضاف رابيد، إن بن سلمان لم يرفض إمكانية تطبيع علاقات بين السعودية ودولة الاحتلال، وان السعوديين قالوا إن خطوة كهذه تستغرق وقتا وقدموا لسوليفان قائمة بخطوات ينبغي تنفيذها قبل خطوة كهذه.
وقسم من هذه الخطوات تتعلق بتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، وذلك في أعقاب فتور هذه العلاقات منذ بداية ولاية إدارة جو بايدن، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان وفي مقدمتها اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي.
المتابع للشان الإسرائيلي يرى أن هناك أسباب عدة حول تطور العلاقات السعودية مع دولة الاحتلال، وفي التقرير الصادر عن “معهد ابحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، في أغسطس/آب الماضي إن إسرائيل موجودة في مرتبة متدنية في سلم التهديدات على السعودي، ويبدو أن السعودية لا تنظر إليها كتهديد له علاقة ببناء قوتها.
وحسب التقرير أن هناك ثمة أهمية بالغة للحفاظ على الجبهة السياسية والأمنية الإقليمية ضد إيران، حيث السعودية هي جزء هام فيها، وأنه لإسرائيل مصلحة واضحة بأن يكون الاستهداف الأميركي للعلاقات بين واشنطن والرياض ضئيلا وقابل للتغيير بقدر الإمكان.
ويضيف التقرير أنه يتوجب على إسرائيل أن تستعرض أمام الإدارة الأميركية التبعات المحتملة للضغوط الممارسة على الرياض والدفاع عن السعودية بحذر وسرية، إذ أن تماهيا إسرائيليا علنيا مع المملكة عموما ومع بن سلمان خصوصا، الذي توجه له انتقادات شديدة خاصة من أوساط الحزب الديمقراطي، قد تلحق ضررا بالحوار بين إسرائيل وواشنطن.
لا شك في تطور العلاقات السعودية مع دولة الاحتلال خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من نفي المسؤولين السعوديين، إلا أن هناك سياق تاريخي تراكمي من الوقائع التي تؤكد ذلك، ولا يمكن تجاهلها.
في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الفائت نقلت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية عن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو السعودية والتقى مع بن سلمان ووزير الخارجيّة الأميركيّ، مايك بومبيو، في مدينة نيوم وتم بحث النووي الإيراني وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
وفي حينه نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول إسرائيلي رصد تحول خلال الأسابيع الأخيرة في الديوان الملكب السعودي قد يجعل الانتقال نحو تطبيع العلاقات ممكنًا.
ولم يبد ولي العهد السعودي أي معارضة للنشر والكشف عن اللقاء الذي جمعه بنتنياهو، وفقا لمصادر سعودية التي أوضحت أن إسرائيل عملت طويلا بغية إخراجه لحيز التنفيذ.
هذا عدا عن اللقاءات السرية والعلنية بذرائع مختلفة اقتصادية وتجارية وأمنية، والتي عقدت بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين بما فيهم رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت الذي التقى في عمان مع مستشار الأمن القومي السعودي، بندر بن سلطان.
إضافة إلى ما ذكره رئيس الوزراء السابق، شمعون بيرس، من أجل تطبيق المبادرة السعودية، يجب أن تتوقف الدول العربية عن الحياء، ورفع رؤوسها والتحاور مع إسرائيل، ويتعين على الدول المعتدلة أن تخرج من الخزانة، والتصرف كما تصرف السادات والملك حسين اللذان قدما إلى القدس، لقد ولت أيام الاتصالات السرية في إشارة للسعودية.
ولم تنكر السعودية التقارير الذي تحدثت عن التبادل الأمني، وفي يونيو/ حزيران الماضي نشرت صحيفة “ذي ماركر” أن شركة قوادريم لإسرائيلية، قدمت خدمات سايبر هجومية للسعودية، وهي واحدة من شركات السايبر الهجومية الإسرائيلية التي تعاقدت معها السعودية.
كما ذكرت مصادر صحفية إسرائيلية عن تشجيع إسرائيل بشكل رسمي شركة NSO لبرامج التجسس عبر الهواتف النقالة وتتوسط بين الشركة ودول في الخليج، من خلال برنامجها “بيغاسوس” لاختراق الهواتف النقالة، ووصلت مبيعاتها إلى مئات ملايين الدولارات في الإمارات والسعودية ودول خليجية أخرى.
التطبيع العربي مع دولة الاحتلال ترفضه الشعوب العربية وتدينه وتستنكره، وتعتبره فعلا شائناً سواء كان التطبيع علني أو سري، بما في ذلك في الدول العربية التي وقعت على اتفاقيات تطبيع منذ نصف قرن وتصفه دولة الاحتلال بالتطبيع السلبي.
إن انضمام السعودية إلى “اتفاقيات أبراهام”، التي تعتبر تحالفا إقليميا مع دولة الاحتلال، ولم ترفض تطبيع الامارات والبحرين والسودان، ومن شان ذلك أن يشجع دول عربية على التطبيع وشرعنته بين دول عربية وإسلامية مع دولة الاحتلال التي تحتل فلسطين وتتنكر لحقوق الفلسطينين.