لم يكن غريبا أن تبعت المملكة السعودية بمساعدات لقطاع غزة، حيث دخلت دفعات متتالية خلال الفترة الأخيرة عبر معبر رفح البري جنوب قطاع غزة، وذلك ضمن الجسر الجوي الذي أقامته بلاد الحرمين لإيصال المساعدات للقطاع ووصلت دفعة المساعدات للمطار العريش قبل أيام، حيث جرى تفريغ الحمولة ونقلها إلى ميناء رفح البري لإدخالها إلى القطاع والتي بلغت قيمتها ثلاثة ملايين دولار، منها مساعدات طبية، في وقت يعاني فيه أهالي غزة من ظروف صعبة تشكلت معالمها بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ 16 سنة ناهيك عن سياسات الاحتلال التي فاقمت من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، خاصة أن 80% من سكان قطاع غزّة يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ويواجه 64% منهم انعدام الأمن الغذائي، ويعاني 59% منهم من الفقر، أرقام ضخمة تعكس الواقع المعاش داخل الرقعة الجغرافية المحاصرة والتي تعاني من جهة أخرى من الاكتظاظ وأزمة الكهرباء وغيرها من المشاكل التي لا تكفي سطور بسيطة شرحها.
أعادت خطوة إرسال المساعدات إلى استحضار تاريخ المملكة العربية السعودية مع القضية الفلسطينية والذي يعتبر الثوابت الرئيسية لسياسة السعوديًة والذي لم يتشكل حديثا بل بدأ مع عهد الملك عبدالعزيز، بداية من مؤتمر لندن عام 1935م المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية، وصولا إلى عهد الملك سلمان، وخلال كل هذه السنوات دعمت السعودية القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها وعلى جميع الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك من منطلق الإيمان بحقيقة القضية والواجب الذي يفرضه الواقع باعتبار السعودية دولة عربية.
وعلى مدى تاريخها، تميزت السعودية بالمواقف الإنسانية والتي تعنى بالدرجة الأولى بمساعدة المحتاجين ودعم كل من يتعرض لأزمة في أي بقعة من بقاع العالم، والتي كان على رأسها قطاع غزة ؛ حيث تضع المملكة القضية الفلسطينية على سلم أولوياتها، وتواصل مساندتها في كل المحافل الدولية، كما تولي أبناء القطاع اهتمامًا خاصًّا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتوالية ضدهم، فمنذ سنوات تواصل السعودية دعم القطاع بمساعدات غذائية وطبية وحتى مالية.
وليس هذا فقط، فقد أولت المملكة اهتمامًا كبيرًا بملف إعادة إعمار غزة بعد الحروب والاعتداءات الإسرائيلية، ففي سنة 2019، كشف مفيد الحساينة وزير الأشغال العامة والإسكان في غزة، أن قيمة دعم المملكة العربية السعودية لملف إعمار غزة منذ 2014 حتى ذلك الوقت، بلغ 500 مليون دولار، عبر مشاريع وحدات سكنية جديدة بشكل كامل، وأخرى لإصلاح منازل تضررت بشكل جزئي جراء القصف، ولفت وقتها إلى أنه تم بناء 2000 وحدة سكنية كانت جزءًا من منحة سعودية تمت بالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة ووكالة الغوث وUNDP؛ حيث الدفعة الأولى كانت عبارة عن 50 مليون دولار، كما أشار إلى أن 30% من ملف إعمار غزة تم إنجازه بدعم سخي من المملكة العربية السعودية.
ورغم الخلافات والعلاقة الدراماتيكية التي تخللتها خلافات عبر فترات متفرقة خلال السنوات القليلة الماضية بين حماس التي تحكم قطاع غزة والسعودية إلى أنها لم تؤثر على النهج الداعم لأهالي قطاع غزة فلطالما صرح مسؤولون سعوديون أن بلادهم لا تخلط الأوراق بين السياسة والشعب، إلا أنها ليست راضية على السياسة الفاشلة التي تنتهجها حماس لتسيير القطاع والتي أدت بشكل نسبي لتردي الأوضاع المعيشية داخل القطاع هذا من جهة، في حين تأثرت العلاقات بين الطرفين بعد اعتقال عدد من نشطاء الحركة في السعودية من جهة أخرى، مما أدى إلى حدوث شرخ وهوة كبيرة لم حتى الآن.
المهم هنا ليس العلاقات بين حماس والسعودية لطالما لا تزال هذه الأخيرة مستمرة في دعمها لقطاع غزة، في وقت أصبحت المعادلات السياسية خارج اهتمامات الغزيين طالما لا تقدم حل جذري للحصار الذي يعانون منه منذ سنوات طويلة، ومن هنا يمكن القول أن تقديم المساعدات لقطاع غزة يجب أن تستمر تحت أي ظرف، وهو أبسط ما يمكن تقديمه لقطاع عاش ويعيش الويلات منذ سنوات.
كاتب لبناني