السعودية وكوريا.. 6 عقود من الشراكة الإستراتيجية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً

تواكب زيارة الرئيس الكوري مون جيهإن إلى الرياض الذكرى الـ60 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وجمهورية كوريا، التي بدأت في 16 أكتوبر 1962، وتعتبر السعودية من أوائل الشركاء التجاريين لجمهورية كوريا في منطقة الشرق الأوسط، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين حتى شهر أكتوبر 2021 إلى 21 مليار دولار، فيما بلغت قيمة الميزان التجاري 15.5 مليار دولار لصالح السعودية.

لقد أسس البلدان اللجنة السعودية الكورية المشتركة قبل أكثر من 40 عاماً تقريباً، ويكمن دورها في تعزيز العلاقات والمصالح المشتركة بين المملكة وجمهورية كوريا، وتعقد هذه اللجنة اجتماعاتها كل سنتين بالتناوب بين الرياض وسول، وكان آخر انعقاد لها في الدورة الـ19 خلال شهر ديسمبر 2019، في الرياض.

وأطلق البلدان «الرؤية السعودية الكورية 2030»، في شهر أكتوبر عام 2017 حيث تم تشكيل لجنة مشتركة من ممثلي الجهات والهيئات الحكومية ذات العلاقة من البلدين، لمراجعة التقدم في هذه الشراكة، واعتماد مشاريع الرؤية وخططها التنفيذية، وتذليل الصعوبات في تنفيذها، وبذلك تعتبر جمهورية كوريا واحدة من ثمان دول تتعاون مع السعودية لتحقيق رؤية 2030.

إن التوافق بين البلدين من خلال لجنة «الرؤية السعودية الكورية 2030» على 40 مشروعاً ومبادرة مبدئية لتأسيس الشراكة بينهما، وتتوزع هذه المشاريع على خمس مجموعات فرعية لحوكمة اللجنة، وذلك بغرض متابعتها ودعمها للوصول إلى أهدافها المرجوة، وهذه المجموعات هي: مجموعة الطاقة والتصنيع، ومجموعة البنية التحتية الذكية والتحول الرقمي، ومجموعة بناء القدرات، ومجموعة الرعاية الصحية وعلوم الحياة، وأخيراً مجموعة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والاستثمار.

وتعد السعودية المصدر الرئيسي لواردات البترول في جمهورية كوريا، حيث ارتفعت واردات كوريا من الخام السعودي بنسبة 2.1% على أساس سنوي (نوفمبر 2020) إلى 24.41 مليون برميل مقارنة بكمية الواردات المسجلة في الشهر نفسه من العام 2019 وتعد شركة أرامكو السعودية من أكبر الشركات السعودية المستثمرة في السوق الكورية، إذ تستثمر في أكبر شركة نفطية كورية «SOil»، بامتلاكها نحو 60% من القيمة السوقية للشركة.

ويناقش الجانبان السعودي والكوري التعاون المشترك بينهما في قطاع الطاقة، خصوصا في ما يتعلق بالاستخدامات السلمية المتعلقة بالطاقة النووية، وتبادل الخبرات في مجال التطبيقات والرقابة النووية، وتطوير الكفاءات البشرية، وذلك بما ينسجم مع «الرؤية السعودية الكورية 2030».

كما حصلت شركة سامسونغ للهندسة ومجموعة هيونداي الكوريتين على عقد لتنفيذ بعض أعمال مشروع حقل الجافورة للغاز في السعودية، بقيمة تفوق 11 مليار دولار، كما دخلت شركة هيونداي للصناعات الثقيلة شريكاً في مشروع إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية في رأس الخير، الذي يعد أكبر مشروع من نوعه في المملكة والمنطقة من حيث القدرة الإنتاجية.

ولطالما كانت العلاقات بين الشعبين السعودي والكوري مبنية على أسس قوية ومتينة، حيث اتسمت بالود والصداقة والاحترام المتبادل، ويكن الكثير من الكوريين الذين شاركوا في مشاريع التنمية في السبعينيات من القرن الماضي احتراماً وتقديراً كبيراً للسعودية وشعبها، كذلك أسهمت الجامعات الكورية خلال السنوات الماضية في تأهيل آلاف المبتعثين السعوديين في تخصصات عدة، كما بلغ عدد السعوديين المقيمين في كوريا (سبتمبر 2020) نحو 600 مواطن سعودي.

وفي الشأن العسكري، تسعى وزارتا الدفاع في البلدين من خلال لجنة التعاون العسكري السعودية الكورية إلى تعزيز التعاون في المجالات العسكرية والدفاعية بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين في هذا المجال، كذلك بدأ البلدان التعاون في مجال الصناعات العسكرية، إذ وقعت الشركة (SAMI) السعودية مذكرة تفاهم مع ثلاث شركات تابعة لمجموعة «هانوا» الكورية، لتوطين الصناعات العسكرية في السعودية.

وتمتلك السعودية وكوريا خططا متماثلة لمكافحة تغير المناخ والاحتباس الحراري، إذ أعلنت سول خطتها لتحقيق الحياد الكربوني وخفض الانبعاثات الكربونية إلى مستوى الصفر في غضون العام 2050، ويتوافق ذلك مع مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، وإعلان السعودية عزمها تحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2060.

وفي جانب الأبحاث الذرية والنووي، بدأ 48 مهندساً سعودياً في عام 2018 مشروعاً مشتركاً مع معهد أبحاث الطاقة الذرية الكوري (KAERI) في مدينة دايجون، وذلك لإعداد التصاميم الهندسية لمفاعل «سمارت» النووي في المملكة، مع برامج تدريبية مكثفة في مجالات مختلفة بالطاقة النووية، ومنها برامج متخصصة في تصميم قلب المفاعل، وتصميم نظام الموائع، والتصميم الميكانيكي، وتصميم التفاعل بين الآلة وتحليل السلامة لتقنية مفاعلات «سمارت».

كما يستكشف الجانبان الفرص المستقبلية للمشاريع المشتركة في قطاع البتروكيماويات، بما في ذلك تحويل البترول الخام إلى بتروكيماويات، وكذلك الابتكار وتطوير المواد والوقود، خصوصا في مجال المواد المتقدمة، مثل: البوليمرات، والوقود منخفض الانبعاثات للسفن والطائرات، إلى جانب التعاون مع الشركات الرائدة لتقديم حلول اقتصادية وملائمة بيئياً، لتطوير واستخدام البلاستيك المعاد تدويره واستخدامه.

وفي ما يتعلق بالفن والموسيقى والسينما، كان للعروض الموسيقية التي قدمتها فرقتا «سوبر جونيور» و«بي تي أس» الكوريتان، إضافة إلى عرض الأفلام والمسلسلات الكورية في القنوات العربية الأثر الواضح في تزايد اهتمام السعوديين بالثقافة الكورية، الأمر الذي يحفز البلدين على التوسع في مجالات التعاون لتشمل مجالي الثقافة والترفيه.