السفير المصري لـ «»: الرياض والقاهرة محورا استقرار المنطقة

عد السفير المصري لدى السعودية أحمد فاروق التعاون الاقتصادي بشقيه التجاري والاستثماري أحد الركائز الأساسية للعلاقات المصرية السعودية، مشدداً على أنه رغم جائحة كورونا إلا أن الإحصاءات الرسمية قد أبرزت متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وهنأ السفير المصري السعودية بنجاح تنظيم موسم الحج في ظل الظروف الاستثنائية.

وأكد سفير القاهرة لدى الرياض في حوار مطول مع «»، أن السعودية ومصر أكبر دولتين في المنطقة بما لهما من إمكانات بشرية وسياسية واقتصادية وعسكرية، وعندما يتحركان يحسب لهما ألف حساب على الساحتين الإقليمية والدولية. وشدد على أن البلدين هما محورا استقرار للمنطقة سياسيا واقتصاديا وإسلاميا وثقافيا وعسكريا، وأن مستقبل المنطقة يحتم تعزيز التعاون المشترك بين الدولتين لدعم مصالح شعبيهما. وقدر عدد المصريين في المملكة بنحو مليون و670 ألف مواطن مصري مقيم بالمملكة، ما يمثل أكبر جالية مصرية بالخارج. ووصف الموقف السعودي الداعم لمصر في مساعيها نحو الوصول إلى اتفاق ملزم لكافة الأطراف بشأن سد النهضة بالموقف المشرف. وأكد أن التعاون الاقتصادي بين البلدين يشهد نمواً مطرداً في العامين الماضيين رغم ظروف جائحة كورونا. وإلى نص الحوار:

• كيف قيمتم إدارة المملكة لحج هذا العام في ظل استمرار الجائحة وتعزيز الاستعانة بالتقنية في تنظيم الحج؟

•• اعتادت السعودية على إكرام وفادة ضيوف الرحمن عبر توفير أعلى مستويات الراحة والخدمة لحجاج بيت الله الحرام، والذين يتوافدون بالملايين من كافة بقاع الأرض لزيارة المشاعر المقدسة وأداء فريضة الحج.

وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية شديدة الصعوبة التي يمر بها العالم نتيجة انتشار جائحة كورونا وسلالاته المتحورة، فقد نجحت المملكة في التغلب على الصعوبات الكبيرة المرتبطة بتدابير مواجهة الوباء.

وقد تابعنا ما شهده الحج هذا العام من توظيف التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي لخدمة أهداف توفير الأمن والراحة للحجاج، وهو ما يعكس الخطوات الكبيرة التي قطعتها المملكة في مضمار تقنيات المعلومات والذكاء الاصطناعي، كما نجحت المملكة في تقديم الخدمات المرتبطة بالتقنيات الحديثة للمواطنين والمقيمين بالمملكة، فقد نجحت كذلك في تقديم خدمات الذكاء الاصطناعي لضيوف الرحمن خلال موسم الحج هذا العام.

• تشهد المملكة ومصر ثباتا في المواقف وتحالفا راسخا وتشاركا في الرؤى حول ملفات المنطقة، على الجانب الاقتصادي، هل تطلعوننا بالأرقام على حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين؟

•• يعد التعاون الاقتصادي بشقيه التجاري والاستثماري أحد الركائز الأساسية للعلاقات المصرية السعودية، فعلى الرغم من جائحة كورونا إلا أن الإحصاءات الرسمية أبرزت متانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

فعلى الصعيد التجاري، تعد مصر أكبر شريك تجاري عربي أفريقي للمملكة وثاني أكبر شريك تجاري عربي للمملكة بشكل عام بعد الإمارات، وقد بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين عام 2020 ما قيمته نحو 7.8 مليار دولار، منها نحو 5.1 مليار دولار صادرات سعودية إلى مصر «شاملة الصادرات البترولية»، في المقابل، بلغت الصادرات المصرية إلى المملكة نحو 2.7 مليار دولار. تجدر الإشارة كذلك إلى أن مصر تعد ثامن أكبر مستورد للمنتجات السعودية عام 2020، فيما تأتي السعودية كثاني أكبر مستورد للمنتجات المصرية عن نفس العام.

أما على الصعيد الاستثماري، تعد السعودية ثاني أكبر مستثمر في مصر بنحو 6 مليارات دولار عبر أكثر من 6000 شركة تعمل في قطاعات الصناعة، الإنشاءات، السياحة، الزراعة، التمويل، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كما تعد مصر ثاني أكبر دولة صدرت لها رخص استثمارية بالمملكة عام 2020 بإجمالي 160 رخصة استثمارية، كما بلغ إجمالي الاستثمارات المصرية في السعودية نحو 1.4 مليار دولار بنهاية عام 2020، وهي مؤشرات إيجابية للغاية في ظل انخفاض تدفقات الاستثمار العالمي بنسبة 42% عام 2020 مقارنة بعام 2019 جراء التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.

كما لا يفوتني أن أشير في هذا الصدد إلى عقد اجتماعات الدورة السابعة عشرة للجنة المصرية السعودية المشتركة في يونيو الماضي في القاهرة برئاسة مشتركة للوزيرة نيفين جامع عن الجانب المصري، والوزير ماجد القصبي عن الجانب السعودي، وقد اصطحب الوزير القصبي وفدا يضم 35 من كبار رجال الأعمال السعوديين سواء ممن يمتلكون استثمارات في مصر أو الذين يرغبون في دخول السوق المصرية، وقد التقى القصبي على هامش زيارته لمصر بالرئيس عبدالفتاح السيسي الذي وجه بتذليل كافة العقبات التي تواجه المستثمرين السعوديين في مصر، كما صرح الوزير ماجد القصبي أثناء وجوده في القاهرة بأن المملكة تستهدف أن تكون الشريك التجاري الأول لمصر خلال السنوات الخمس القادمة.

• كم يبلغ عدد المواطنين المصريين المقيمين في السعودية؟

•• وفقًا للإحصاءات المُحدثة التي حصلنا عليها من السلطات السعودية، يبلغ عدد المصريين بالمملكة نحو مليون و670 ألف مواطن مصري مقيم بالمملكة، وهم يمثلون أكبر جالية مصرية بالخارج ويشاركون في عملية التنمية في بلدهم الثاني، من خلال انتظامهم بالكثير من الوظائف والأعمال والحرف، وهم يعملون في مناخ آمن وبيئة ثقافية عربية.

وأود أن أشير كذلك إلى أن المصريين من أبناء الجالية المصرية بالمملكة لا يشعرون بالغربة بين أشقائهم، والذين يرتبطون ببعضهم البعض، بعلاقات الصداقة والزمالة والجيرة والود والمحبة.

وأود أن أشير كذلك إلى أن السعوديين في مصر يقتربون من مليون مواطن سعودي سواء من رجال الأعمال أو المستثمرين، أو الطلاب الدارسين بالجامعات المصرية.

• أعلنت القوات المسلحة المصرية انطلاق فعاليات التدريب المشترك «طويق ـــ 2» بقاعدة الأمير سلطان الجوية السعودية، والتي ضمت القوات الجوية من مصر والسعودية والإمارات والأردن وسلطنة عمان، إضافة إلى مشاركة البحرين والكويت بصفة مراقب. ما دور التعاون العسكري الثنائي والعربي في تعزيز أمن المنطقة، وما إسهام التدريبات المشتركة في جاهزية القوات؟

•• أحب أن أوضح في بداية الأمر أن التعاون العسكري بين مصر والسعودية وكل الدول العربية الشقيقة هو توجه القيادة السياسية المصرية، فعلى سبيل المثال في مجال التمثيل الدبلوماسي لمصر مكتب دفاع في الرياض يتبع السفارة المصرية، ويختص بالشؤون العسكرية وهو مكتب كبير بالشكل الذي يتماشى مع الأهمية الكبيرة للمملكة.

وفى مجال التعاون الثنائي بين البلدين وكافة الدول العربية الشقيقة، فأود أن أوضح أنه يشمل كافة الأفرع والمجالات العسكرية، وفي كل أوقات السنة وعلى كل أنواع الأرض. وهدفنا هو تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة كما ذكرت، وهو توجه القيادة المصرية.

• هل من تعاون بين المملكة ومصر في المجال الثقافي والإعلامي والفني؟ وما أبرز الأمثلة على ذلك؟

•• يعد التعاون الثقافي والعلمي من أهم مجالات التعاون الثنائي بين مصر والسعودية لتعميق العلاقات والروابط الأخوية بين البلدين، وتعكس العلاقات الثنائية المتميزة للبلدين نظراً للمكانة والقدرات الهائلة التي تتمتع بهما الدولتان على الساحة الإقليمية والدولية. وتحرص البعثة المصرية في المملكة على التنسيق مع الجهات السعودية المعنية لإقامة فعاليات ثقافية لتعزيز التعاون الثنائي وتبادل الخبرات الثقافية بين البلدين.

وكذلك تم تنظيم عدد من الأمسيات الشعرية والصالونات الثقافية بمناسبة يوم الشعر في مارس الماضي، بمشاركة شعراء من البلدين، لإحياء الشعر المعاصر وإبراز دور الفن في الارتقاء بالذوق العام، ومناقشة القضايا المجتمعية الاجتماعية المختلفة، فضلا عن مناقشة القضايا المتعلقة بشؤون المرأة وتعزيز دورها الفعال في المجتمع خلال الندوة الاحتفالية باليوم العالمي للمرأة.

وتسعى الجهات الثقافية في كل من مصر والسعودية إلى تعزيز التعاون الأكاديمي والعلمي من خلال تشجيع الطلاب الوافدين للدراسة في الجامعات المختلفة في البلدين، وزيادة تبادل الطلاب بين الجانبين.

من جانبها، توفر الجهات السعودية المعنية كافة الدعم اللازم لآلاف الطلاب المصريين الدارسين في المملكة، وتذليل كافة العقبات لتيسير المسيرة الدراسية للطلاب.

وشهدت العلاقات الثقافية العلمية تناميا ملحوظا خلال الآونة الأخيرة من خلال تطوير توأمة بين الجامعات الرائدة في البلدين والعمل المشترك على تطوير المشاريع البحثية وتبادل الخبرات والمهارات العلمية من خلال مذكرات التفاهم والبروتكولات والبرامج التنفيذية العلمية المقترحة من البلدين لتحفيز البحث العلمي والتعاون الأكاديمي.

وتضطلع المراكز الثقافية في كل من مصر والسعودية ومن ضمنها أكاديمية الفنون المصرية بتعزيز التعاون المثمر بين وزارتي الثقافة في البلدين، وذلك من خلال البرامج المطروحة عن طريق مشاركة أعضاء هيئات التدريس من الجانبين في مجالات الفنون المسرحية والموسيقى والمؤسسات التعليمية السعودية لتعزيز التعاون الفني والأدبي بين البلدين الشقيقين وتبادل الخبرات والمهارات الفنية بينهما.

وفي سياق متصل، شهدت العلاقات الفنية تطوراً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، وذلك من خلال إقامة العديد من الحفلات الفنية والغنائية ضمن موسم الرياض، وإحياء نخبة من الفنانين المصريين للحفلات الفنية المقامة في المملكة والتي تنظمها هيئة الترفيه، وكذلك زيادة التعاون السينمائي والإنتاج الفني من خلال تصوير عدد من الأفلام السينمائية والبرامج الترفيهية في المدن السعودية، وهو ما ساهم في إبراز التطور الذي شهدته المملكة خلال السنوات الماضية، وتوطيد العلاقات الثقافية الثنائية.

وفي النهاية أود أن أشير إلى أن الثقافة المصرية ليست بغريبة على المواطن السعودي فهي مقبولة ولها شعبية طاغية وتتفق مع التقاليد والثقافة السعودية العريقة بل وتمتزج معها.

• بعد نحو عامين من تعيينكم سفيرا لمصر في الرياض، ما أبرز المجالات التي شهدت نموا في التعاون بين البلدين الشقيقين؟

•• بصفة عامة العلاقات المصرية السعودية تتسم بالخصوصية، فنحن نتحدث عن أكبر دولتين في المنطقة بما لهما من إمكانات بشرية وسياسية واقتصادية وعسكرية، وبالتالي فعندما يتحركان يحسب لهما ألف حساب على الساحتين الإقليمية والدولية، وقد شهدت العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين نموا مطردا خلال العامين الماضيين، ورغم ظروف تفشي جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على العلاقات بين دول العالم المختلفة، إلا أن قوة ورسوخ وتشعب العلاقات المصرية السعودية أسهم في مواصلة العلاقات بين البلدين مسار تطورها الإيجابي فكان الحرص على عقد آلية التشاور السياسي على مستوى وزيري خارجية البلدين، وعقد اللجان التشاورية على مستوى كبار المسؤولين في البلدين بشكل دوري من أجل تعزيز التنسيق والتفاهم بين مصر والسعودية إزاء كافة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وقد عقدت الجولة الماضية من لجنة المتابعة والتشاور السياسي برئاسة وزيري الخارجية في الرياض في ديسمبر 2020، وأكد البيان الختامي الصادر عن اللجنة على الأهمية التي تمثلها خصوصية العلاقات الوثيقة بين البلدين الشقيقين، باعتبارهما محوري استقرار للمنطقة سياسيا واقتصاديا وإسلاميا وثقافيا وعسكريا، وأن البلدين يأخذان في الاعتبار أن مستقبل المنطقة يحتم تعزيز التعاون المشترك بين الدولتين لدعم مصالح شعبيهما، كذلك تجدر الإشارة إلى أن العام الحالي قد شهد حصول «بنك مصر»، والذي يعد أعرق وأقدم البنوك الوطنية المصرية والعربية على الإطلاق، على رخصة بفتح أول فرع له في السعودية، وهي خطوة مهمة في سبيل تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، وأؤكد أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من التعاون المتنامي بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات.

• في ظل الجائحة أبدى الاقتصاد المصري صلابة في مواجهتها كما أشار صندوق النقد، حيث كان الاقتصاد المصري من الاقتصادات القليلة التي حققت معدل نمو موجبا في 2020، ما أبرز هذه السياسات، وكم تتوقعون نسبة النمو للعام الحالي؟

•• الاقتصاد المصري كما ذكرت في سؤالك هو أحد الاقتصادات القليلة التي حققت معدل نمو موجبا في 2020، بل دعني أضيف أن الاقتصاد المصري ورغم ظروف جائحة كورونا كان صاحب ثاني أكبر معدل نمو اقتصادي على مستوى العالم في 2020، بنسبة نمو بلغت 3.6%، وهي النسبة التي تجاوزت توقعات صندوق النقد الدولي. والفضل في ذلك يرجع إلى «خطة الإصلاح الاقتصادي» التي اتبعتها الحكومة، والتي وازنت فيها بين الإجراءات الاقتصادية الصعبة والبرامج الحمائية، وقد كان من آثار خطة الإصلاح الاقتصادي، تراجع معدلات التضخم إلى 5.7% خلال العام الماضي 20192020 مقارنة بـ13.9% في عام 20182019، وبذلك تكون مصر قد حققت أكبر تراجع سنوي في معدل التضخم بالأسواق الناشئة في 2020، مقارنة بعام 2019، بتراجع بلغ 8.2 نقطة مئوية بحسب الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي.

إضافة إلى ما سبق، ينبغي الإشارة إلى أن الاقتصاد المصري بات ثاني أكبر اقتصاد عربي بعد السعودية، حيث بلغ حجم الاقتصاد المصري 361.8 مليار دولار في 2020.

• ما رؤيتكم للموقف السعودي من قضية سد النهضة؟

•• موقف السعودية الداعم لمصر في مساعيها نحو الوصول إلى اتفاق ملزم لكافة الأطراف بشأن سد النهضة من خلال الدخول في مفاوضات جادة بين الأطراف المعنية، هو موقف مشرف عبرت عنه السعودية صراحة في البيان الختامي للجنة المتابعة والتشاور السياسي برئاسة وزيري الخارجية في الرياض نهاية العام الماضي، حيث تنظر المملكة للأمن المائي المصري باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأمن المائي العربي.