بقلم د. ناصر اللحام تنتشر كتائب المقاتلين المدافعين عن المدن في اوسع مناطق الضفة الغربية فيما تنحسر قوة السلطة والاجهزة الامنية الى اماكن محددة وفي اوقات محدودة .
لأول مرة في تاريخها تعاني السلطة من فقدان هيبتها وتحطم مجاديفها على صخور المرحلة الجديدة ، ومع كل يوم يمضي تضعف شعبيتها ، وتنحسر لمستويات غير مسبوقة . والأسباب واضحة لدرجة يتحدث عنها كبار مؤسسي السلطة علانية .
الفشل السياسي هو العنوان الأبرز والاقوى. ومنذ 2008 انشغلت السلطة في قراءة السياسة العالمية والسياسة العربية ، ولكنها نسيت قراءة الشعب الفلسطيني . وفشلت السلطة في قراءة الواقع الراهن وخطورة الاعتداءات الإسرائيلية وظلّت حالمة بخطاب باهت وقديم ، خطاب يعتمد على التوسل والرجاء والنوايا الغامضة ، وهو ما ندفع ثمنه اليوم . ان الخطاب السياسي للسلطة صار عبئا على الجماهير ، ولا يقودها بل يعرقل نهضة الحركة الوطنية . خطاب يفتقد للشراكة السياسية ويتفقد للشرعية البرلمانية وشرعية المجلس الوطني والمجلس المركزي ، وينقصه الروح النضالية ، والأخطر انه خطاب لا تخشاه إسرائيل ولا تحترمه ولا تتعامل معه .
الفشل الأكبر بعد الفشل في الخطاب السياسي ، هو الفشل الإداري . وليس لي اية ملاحظات على شخصية رؤساء الحكومات . من المرحوم أبو علاء قريع ومرورا بإسماعيل هنية وسلام فياض ورامي الحمد الله ووصولا الى محمد اشتية . وانما الفشل هو فقدان هذه الحكومات للرؤية البنائية الإنتاجية الإدارية والمالية والتي تضمن عدالة التوزيع . فالحكومات بما فيها حكومة غزة هي حكومات مستهلكة لا تنتج قمحا ولا تنتج فكرا وتكنولوجيا ، ولا تلبي احتياجات الأجيال وتعطشها للديمقراطية وللمشاركة . حكومات تبكي وتشكي طوال الوقت حتى صارت شريكا حصريا في الانقسام وفي الإحباط السياسي وفقدان الشغف . وفي النهاية تحوّلت هذه الحكومات الى منتج اول للازمات .
وصار الحكومات تخلق ازماتها ، وتخلق مشكلة لكل حل . وتخلق يأسا وتخلق فشلا تلو فشل وتغلق الأبواب امام عشرات الاف الخريجين .
إدارة الازمات في السلطة من أسوأ اشكال إدارة الحكم ، فهي تحل المشكل بخلق عشر مشكلات جديدة الى جانبها .
سوء الأداء وغياب الرمزية الكاريزمية . استفحال المحسوبية . وفساد التوظيف . وفشل الاقتصاد . واستبدال الكفاءات بالولاءات الكاذبة ، جعلت من المستحيل الحديث عن اصلاح ينقذ السلطة . حد وصلنا الى ضرورة التوقف وإعادة قراءة ذواتنا من جديد تحت شعار إعادة انشاء نظام حكم صالح ورشيد مبني على الإنتاج ومبني على المحاسبة والرقابة .
كنت قبل سنوات اناقش كل مرة مع الدكتور رامي الحمد الله خشيتي أن تصبح السلطة الفلسطينية سلطة فاشلة مثل الدول العربية الفاشلة التي تعرفونها . وكان لا يزال حينها امل بالإصلاح وبالوحدة .
اليوم انا متأكد اننا وصلنا الى “مرتبة “سلطة فاشلة بامتياز . ولا امل بإصلاحها الا من خلال إعادة تشكيل النظام السياسي وبمشاركة جميع القوى ومختلف الحركات نحو نظام ثوري ديموقراطي يضمن احترامنا لذاتنا الوطنية والإنسانية قبل ذاتنا السياسية .
ربما يخطط اعداء الامة لإجهاض فكرة إقامة دولة ، وانهم يخططون أيضا لإقامة الدويلة في قطاع غزة لتهويد القدس وتهويد الضفة . ولكن هذا ليس مبررا لكل ما نفعله بأنفسنا .
اذا استمر الوضع على ما نحن عليه فان السلطة سوف تنتهي تماما برحيل الرئيس أبو مازن . ويصبح مستقبل الضفة امّا بالضم العنصري الى إسرائيل ، وامّا بضم ما تبقى من سكانها الى المملكة الأردنية .
على صعيد الحكم سوف نكون امام خيارين : امّا نظام بوليسي وامّا الفوضى . وهما خياران بائسان ستدفع الأجيال القادمة ثمنا باهظا عليهما .