العليا الإسرائيلية ترفض إلغاء “قانون القومية” العنصري

رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية، اليوم الخميس، إلغاء “قانون أساس: إسرائيل – الدولة القومية للشعب اليهودي”، والمعروف بـ”قانون القومية”، وذلك في أعقاب الالتماس الذي قدمته جمعيات حقوقية.

وفي تعقيبه على القرار ذكر المركز الحقوقي “عدالة” أن المحكمة “بذلك صادقت على ترسيخ الفوقية الإثنية اليهودية والفصل العنصري كمبادئ تأسيسية للنظام الإسرائيلي”.

ونظرت المحكمة الإسرائيلية العليا في الالتماسات ضد “قانون القومية” بهيئة موسعة مشكلة من 11 قاضيًا، وجاء القرار برفض إلغاء القانون والتعديل في بنوده بأغلبية 10 قضاة مقابل قاض واحد.

ورفضت المحكمة التدخل لتعديل بنود في القانون العنصري الذي يمنح اليهود حصرا “حق تقرير المصير في دولة إسرائيل”، وينص على أن “القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل”.

ادعاءات المحكمة

وكتبت رئيسة المحكمة، إستر حيوت، في قرارها أنه “يجب تأويل القانون بناء على التفسيرات المعتمدة بما يتوافق مع قوانين الأساس الأخرى ويتلاءم مع مبادئ وقيم النظام القانوني”.

وادعت حيوت أن “قوانين الأساس، ومن ضمنها قانون القومية، هي فصول في الدستور الذي يتم بلورته لدولة إسرائيل، والذي يتم تصميمه لترسيخ مكونات هوية الدولة كدولة يهودية، دون الانتقاص من مكونات هويتها الديمقراطية المنصوص عليها في قوانين الأساس والمبادئ الدستورية الأخرى”.

وأضافت حيوت أنه “لا أعتقد أنه في سن ‘قانون أساس: القومية‘ انحرف الكنيست عن نفس التقييد الضيق التي تنطبق على سلطتها التأسيسية. وعليه، ادت حيوت أن المحكمة ليست ملزمة “مرة أخرى بالبت في مسألة صلاحية المحكمة لإجراء مراجعة قضائية لمحتوى قوانين الأساس”.

تعقيب “عدالة”

وشدد مركز “عدالة” الحقوقي، في تعقيبه، على أن “تحديد الهوية الدستورية لدولة إسرائيل كدولة يهودية، وإقصاء السكان الأصليين للبلاد الذين لا ينتمون إلى المجموعة المهيمنة، هو غير شرعي ويقع ضمن المحظورات المطلقة بموجب القانون الدولي”.

وأوضح “عدالة” أنه على الرغم من أن الالتماس الذي تقدم به المركز، تطرق بشكل موسع للقانون الدولي، “فقد اختار المستشار القضائي للحكومة والكنيست عدم التطرق إلى هذه الادعاءات في ردهم على الالتماس. كما وتجاهلت المحكمة طلب مركز ‘عدالة‘ إلزامهما بالرد على هذا الادعاءات، ولم تقم بإصدار أمر احترازي يتيح البت في هذه الادعاءات بشكل معمق”.

وأكد “عدالة” أن “هذا القرار يشكل إثباتًا إضافيًا على أن المحكمة العليا الإسرائيلية لا تدافع عن حقوق الفلسطينيين. فبقرارها هذا تصادق المحكمة الإسرائيلية على أحد القوانين الأكثر عنصرية عالميًا منذ الحرب العالمية الثانية وسقوط نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا”، ولفت إلى أن “المحكمة الإسرائيلية سبق وصادقت على قانون منع لم الشمل، وقانون لجان القبول، وقانون منع المقاطعة، وغيرها الكثير من القوانين العنصرية؛ وقرارها هذا يصادق على مبدأ الفوقية اليهودية كهوية دستورية للنظام الإسرائيلي”.

المحكمة تفسر القانون بما يتنافى مع نصه

ووفقًا لرأي القضاة العشرة، فإن البند الأول من “قانون القومية” (المبادئ الأساسية)، والذي يتناول الحق في تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل، قابل للتفسير على أنه لا ينكر الحقوق الشخصية أو الحقوق الثقافية المعترف بها؛ علما بأن البند يتحدث بوضوح “حصرا” عن حقوق “الشعب اليهودي”.

وفي ما يتعلق بالبند الرابع من القانون، الذي يكرس اللغة العبرية كـ”لغة رئيسية للدولة”، ادعت المحكمة أن هذا لا ينتقص من مكانة اللغة العربية “نظريًا وعمليًا”، ولا يقلل من إمكانية تعزيز مكانة اللغة العربية في المؤسسات الرسمية لدولة إسرائيل.

وحول البند السابع الذي يدعو إلى “تطوير وتشجيع الاستيطان اليهودي”، اعتبرت المحكمة أن “سيكون من الممكن تحقيق (“تطوير وتشجيع الاستيطان”) وفقًا لقيمة المساواة”، واعتبرت أن البند “لم يكن يهدف إلى تبرير التمييز واستبعاد غير اليهود من أراضي الدولة”.

هل يمكن إلغاء “قانون أساس” بأمر قضائي؟ ما رأي رئيسة المحكمة؟

وحول المسألة التي الجدلية التي ترافق النظام القضائي الإسرائيلي والتي تتعلق بالسؤال: هل من الممكن إبطال وإلغاء قوانين أساس، على الرغم من أن إسرائيل ليس لديها دستور كامل؟ وكتبت حيوت أنه “في رأيي، في ما يتعلق بهوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، فإن الإجابة على هذا السؤال هي بالإيجاب”.

وأضافت حيوت “هذا لأن النظام الدستوري ككل لا يدع مجالًا للشك في أن وجود دولة إسرائيل نشأتها وهويتها جاءا من المزيج – ‘يهودي وديمقراطي’، وأن هذا هو القلب النابض لدستور على الطريقة الإسرائيلية”.

وأوضحت حيوت أنها استمدت السلطة (القضائية) لإمكانية إلغاء أو إبطال قوانين أساس التي تنكر وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية من ثلاثة قوانين أساسية تكرس صراحة دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية: “قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته”، و”قانون أساس: حرية العمل”، و”قانون أساس: الكنيست”.

تجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن، ألغى قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا أو طالبوا بتعديل قوانين عادية سنتها الهيئة العامة للكنيست، لكنهم حرصوا على عدم التدخل في تعديل أو إلغاء قوانين أساس.

حجج الملتمسين

وكان مركز “عدالة” قد قدم الالتماس ضد “قانون القومية” باسم لجنة المتابعة العليا والقائمة المشتركة ولجنة رؤساء السلطات المحلية العربية. وشدد الالتماس على أنه “لا يوجد اليوم في دستور أي دولة حول العالم بند يقتصر الدولة ونظام الحكم على مجموعة إثنية واحدة، وينص على أن الدولة هي حصريا لمجموعة إثنية واحدة”.

وجاء في التماس مركز “عدالة” الذي يقع في نحو 60 صفحة، أن على “المحكمة العليا التدخل وإبطال قانون الأساس، كونه قانونًا عنصريًا ويمس بشكل كبير بحقوق الإنسان، ومخالف للمواثيق الدولية، خاصة تلك التي تنص على منع التشريعات التي تؤدي إلى نظام عنصري. كذلك، وعلى خلاف ما جاء في إعلان الأمم المتحدة، يلغي قانون القومية حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وبفرضه على القدس المحتلة والجولان السوري يخالف القانون الدولي الإنساني الذي يسري مفعوله في الأراضي المحتلة”.

ولفت الالتماس إلى أنه يتضح من خلال البحث في دساتير الدول المختلفة أنه “لا يوجد دستور واحد حول العالم لا يشمل بندًا ينص على المساواة بين جميع مواطنيها وسكانها”. وحول الحقوق الجماعية ومكانة اللغة العربية، قال الملتمسون إن “قانون القومية، وبشكل مخالف للقانون الدولي، لا يعترف بأي حق جماعي للعرب كأقلية قومية، مقابل الاعتراف بعدد كبير من الحقوق الجماعية الحصرية لليهود، كما لو أن اليهود أقلية في الدولة ويحتاجون لحماية خاصة. بالإضافة لذلك، فإن هذا القانون ينتقص من مكانة اللغة العربية كلغة رسمية، وبالتالي يسعى إلى الإعلان لأول مرة أنّ اللغة العربية لن تكون لغة رسمية في البلاد”.

وحول البند 7 من قانون القومية، أشار الملتمسون إلى أن “دولة إسرائيل تحولت بعد سن قانون القومية بشكل رسمي لجسم صهيوني ينافس صندوق أراضي إسرائيل، إذ تعلن بشكل واضح في دستورها أنها موجودة فقط لخدمة مصالح اليهود”. وبناء على ذلك عليها إقصاء العرب “من أجل تطوير وتشجيع الاستيطان اليهودي”. يعتبر هذا البند أن “المواطنين العرب في الحيز العام هم ’الآخر’، ولذلك سيتم التمييز ضدهم في عدة مجالات، مثل الأرض والمسكن والميزانيات والهبات المادية والتخطيط”.

وأكد الملتمسون على أنه “لا يوجد اليوم أي دستور في العالم ينص على أن الدولة ستعمل على تعزيز مصالح المجموعة القوية، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالموارد العامة مثل الأراضي”. وجاء في ختام الالتماس أن “القانون الذي يلغي الحقوق المدنية والقومية للفلسطينيين في وطنهم هو قانون عنصري، استعماري وغير شرعي”.

جمعية حقوق المواطن: القرار أفرغ القانون من نواياه العنصرية

من جانبها، رأت جمعية حقوق المواطن أنه “تم سن قانون القومية بقصد المسّ بالأقلية العربية في إسرائيل وترسيخ مكانة العرب كمواطنين من الدرجة الثانية في الدولة، وكان من الأجدر إلغاء القانون كما أقر القاضي جورج قرّا في معرض رأيه الهام والحاسم – ولو أنه مثّل رأي الأقلية بين تركيبة القضاة”.

“ومع ذلك”، أضافت الجمعية أنه “حسنًا فعل قضاة المحكمة العليا عندما قاموا بتفسير القانون بشكل لا يمس بالحق في المساواة للأقلية العربية وأنه لا يتضمن المسّ بمكانة اللغة العربية وإمكانية تقوية مكانتها في الحيز العام”.

وشددت الجمعية على أنه “بالرغم من أن المحكمة العليا أفرغت القانون من نواياه العنصرية، فمن الأنسب أن تقوم الكنيست بإلغاء القانون على الفور”، وأضافت أنه “لا مكان في كتاب القوانين الإسرائيلي لقانون تمييزي ومُسيء، حتى لو كان خاليًا من الصلاحيات الفعلية، لأن أضراره تتعدى المنظومة القضائية ووجوده يُمأسس فعليًا – التمييز المؤسساتيّ المستمر ضد المجتمع العربي في إسرائيل”.