قالت صحيفة “الغارديان”، في تقرير للمحرر الدبلوماسي باتريك وينتور، إن إيران تواجه قرارات مصيرية بعد هجوم إسرائيل على حليفها اللبناني “حزب الله”.
ويواجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ضغوطاً داخلية، إلا أن المحللين يشيرون إلى مخاطر المواجهة المباشرة مع إسرائيل.
وقال الرئيس الإصلاحي إن حكومته ليس لديها خطط لإرسال قوات لدعم “حزب الله” في لبنان، لكنها تتعرض لضغوط محلية من التيار المتشدد الداعي لاستغلال ما يرونه الفشل في الوقوف بوجه إسرائيل، ويأملون بعرقلة الحوار مع الغرب بشأن الرقابة على برامج إيران النووية.
وزادت الدعوات لموقف أكثر تشدداً، بعد الكشف عن مقتل الجنرال عباس نيلفوروشان قائد “الحرس الثوري” في سوريا ولبنان بالغارة التي أدت لمقتل زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، ليلة الجمعة.
ووصل التوتر في إيران لهذه الدرجة، حيث وجهت اتهامات لبعض المحافظين بأنهم يقومون بخلق جوٍ سام على منصات التواصل الاجتماعي، وتشويه تعليقات للرئيس بزشكيان والمتحدث باسمه، والتي بدت بأنها غير داعمة لمحور المقاومة.
ويقول وينتور إن الخط الرسمي للحكومة بأنه يجب تجنّب الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل، ولأنها ستكون في مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يريد جرّ الولايات المتحدة إلى الحرب مع طهران، لكن يجب عدم ترك “حزب الله” ليواجه الحرب بنفسه، وهذا هو الموقف الذي كرره بزشكيان في نيويورك، الأسبوع الماضي، وقبل مقتل نصر الله.
وبنفس السياق، تعهد المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، يوم الإثنين، قائلاً إن أفعال إسرائيل لن تمر دون رد، مضيفاً أنه لا توجد حاجة لنشر قوات إيرانية مساعدة أو متطوعة، لأن الحكومتين اللبنانية والفلسطينية لديهما القدرة على مواجهة العدوان الإسرائيلي.
ولا يزال بزشكيان يشعر بالاستياء، نظراً لعدم وفاء الولايات المتحدة لتعهداتها التي قطعتها له عبر وسطاء بأنه إنْ لم يهاجم إسرائيل انتقاماً لمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، في طهران، نهاية شهر تموز/يوليو، فسيوقّع الإسرائيليون على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
وزعم المتشددون في البرلمان، مثل حسين أمير صابتي، مستشار سعيد جليلي، أحد المرشحين الذين هزمهم بزشكيان في الانتخابات الرئاسية، أن شخصاً ما عصا أمراً للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، ولم ينتقم لمقتل هنية. وزعم أن ضبط النفس الذي مارسته طهران أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لقتل نصر الله. وتساءل: “لماذا يدفع 80 مليون إيراني وجبهة المقاومة ثمن سذاجة مجموعة من الناس؟”.
ولقد دفعت هذه الاتهامات نجل الرئيس للرد دفاعاً عن والده، قائلاً إن حكومته لن تعصي أبداً أمر المرشد الأعلى.
ومن غير المؤكد ما إذا كان هناك شخص لديه السلطة لتقديم مثل هذا العرض إلى طهران، ويتضمن وعداً بوقف إطلاق النار، ولكن الاقتتال الداخلي الحالي يكشف عن القلق السياسي بشأن الكيفية التي قد تتمكّن بها إيران من استعادة قوة الردع ضد إسرائيل.
ومن المتوقع أن يدعو جليلي، في خطاب له نهاية هذا الأسبوع، إيران لأن تعيد إشعال ما يطلق عليها “حلقة النار” حول إسرائيل، ورفض أي فكرة لاستسلام “حزب الله”، والتخلي عن دعم غزة.
وفي محاولة لإزالة أي شك حول ولائه، ذهب بزشكيان بنفسه إلى مكاتب “حزب الله” في طهران، وقدم مذكرة تعزية مكتوبة بخط اليد. كما كثف دعواته للدول العربية والإسلامية، وذكّرها بمسؤوليتها الثقيلة للتدخل.
وربما تأثر المناخ السياسي في إيران بتصريحات نتنياهو حول مقتل نصر الله، وأن وفاته كانت ضرورية لـ “تغيير ميزان القوة بالمنطقة”، ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بصراحة لتغيير النظام في طهران، قائلاً إن إيران ستكون “حرة … أسرع بكثير مما يعتقد الناس”.
وفي تغريدة على منصة إكس، كتبها مستشار دونالد ترامب السابق جاريد كوشنر، قال إن تدمير قيادة “حزب الله” “أمرٌ مهم، لأن إيران أصبحت الآن مكشوفة تماماً، والسبب وراء عدم تدمير منشآتهم النووية، على الرغم من أنظمة الدفاع الجوي الضعيفة، هو أن “حزب الله” لديه بندقية محملة موجهة نحو إسرائيل. لقد أمضت إيران السنوات الأربعين الماضية في بناء هذه القدرة كرادع لها. كان الرئيس ترامب يقول دائماً: “لم تفز إيران أبداً في حرب، ولكنها لم تخسر أبداً أي مفاوضات”. إن نظام الجمهورية الإسلامية أكثر صرامة عندما يخاطر بحياة “حماس” و”حزب الله” والسوريين والحوثيين مقارنة بالمخاطرة بحياته”.
وتحدث عن إمكانية نشوء شرق أوسط جديد “بدون إيران المعززة بترسانة موجهة لإسرائيل”.
وقال إن الوقت قد حان الآن لكي تنهي إسرائيل المهمة. وقد لا يكون كوشنر قريباً الآن من الحكومة في الولايات المتحدة، لكن هذا قد يتغير في غضون أسابيع.
ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه التصريحات إلى زيادة التوترات في طهران، وتعزيز قضية الإيرانيين الذين يقولون إن نتنياهو لا يتردد في الصعود على سلّم التصعيد، وإن الحكومة الأمريكية ليس لديها أي وسيلة أو مصلحة في منعه.
وفي الوقت الحالي، ليس لدى إيران سوى عدد قليل من الخيارات الجيدة لإعادة ميزان الردع، ولكن الدكتورة بوركو أوزشليك، الزميلة في شؤون الشرق الأوسط بالمعهد الملكي للدراسات المتحدة (روسي) بلندن، ترى أن الخيار الأسوأ أمام إيران هو المواجهة المباشرة مع إسرائيل، و”ربما أنقذ هذا مصداقية إيران مع قاعدتها الرئيسية في إيران ومحور المقاومة، مثل هجمات 13 نيسان/أبريل، عندما ردّت على تدمير قنصليتها في دمشق بوابل من الصواريخ والمسيّرات التي اعترضتها القبة الحديدية والولايات المتحدة والحلفاء العرب. وهذا من شأنه أن يزيد من تآكل استعراض إيران للقوة العسكرية، ويسبّب أزمة شرعية داخل إيران”.
كل هذا يترك لإيران خيار إعادة بناء “حزب الله” المحطم ببطء، أو اللجوء إلى الإرهاب المدعوم من الدولة، وإنْ على وتيرة منخفضة، أو مواصلة بناء سلاحها النووي الخاص.