علقت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها على نتائج الانتخابات الإسرائيلية الخامسة، مشيرة إلى أن انتصار اليمين المتطرف “نذير شؤوم” يمكن أن يفضي إلى تقويض الرقابة القضائية على السلطة السياسية.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن النتائج حتى الآن صادمة بشدة، فهي تؤشر على انتصار اليمين المتطرف العنصري، والمتمثل في حلفاء نتنياهو من الصهاينة الدينيين، الذين يرغبون في ترحيل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل المتهمين بعدم الولاء للدولة، ويريدون كذلك أن يضموا الضفة الغربية المحتلة.
وأضافت أنه قد نكون أمام نقطة تحول في الديمقراطية الإسرائيلية، وخاصة بالنسبة للسلطة القضائية فيها، وما سيفضي إليه ذلك من عواقب بائسة ووخيمة.
وتاليا تقرير صحيفة “الغارديان” وفق ما ترجمته “عربي21”:
بشكل ما، بدت انتخابات الثلاثاء بالنسبة للناخبين في إسرائيل أمراً معهوداً، وإن كان يبعث على انقباض الصدر. لا مفر من ذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار أنها الانتخابات الخامسة في أقل من أربعة أعوام. وتارة أخرى، كانت القضية المطروحة للاقتراع هي ما إذا كان بنيامين نتنياهو، الذي ما زال يواجه إجراءات قضائية بتهمة الفساد، يصلح رئيساً للحكومة. لن تعلن النتائج الرسمية حتى الأسبوع المقبل، ويمكن للتحولات الضئيلة في الأصوات أن تمكن أحزابا صغيرة من تجاوز العتبة المطلوبة للتواجد داخل البرلمان، الأمر الذي يغدو حرجاً في العملية المطولة التي تُستغرق في بناء التحالفات. ومع ذلك، يبدو محتملاً جداً أن يعود السيد نتنياهو إلى منصب رئيس الوزراء مرة أخرى، متسلحاً بأغلبية ضئيلة في الكنيست الذي يتكون من مائة وعشرين مقعداً، وذلك بعد فترة انقطاع قصيرة عن الحكم.
مع ذلك فإن النتائج حتى الآن صادمة بشدة. فهي تؤشر على انتصار اليمين المتطرف العنصري، والمتمثل في حلفاء السيد نتنياهو من الصهاينة الدينيين، الذين يرغبون في ترحيل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل المتهمين بعدم الولاء للدولة، ويريدون كذلك أن يضموا الضفة الغربية المحتلة. وهؤلاء ليسوا شركاء السيد نتنياهو فحسب، بل هو الذي صنعهم حين جلب ثلاثة أحزاب يمينية متطرفة وضمها إلى نفس اللائحة، مرحباً بهم كعناصر ضمن مكونات التيار السائد. ومن الشخصيات البارزة في هذا المعسكر إتامار بن غفير، الذي يحتل المنصب الثاني في الترتيب داخل القائمة، وهو معاد للعرب وعضو سابق في مجموعة كاخ الإرهابية المحظورة، ولديه التزام عقائدي بالتحريض على العنصرية. وحتى لحظة ترشحه للكنيست في عام 2019 ظل يحتفظ في غرفة المعيشة داخل منزله بصورة لباروخ غولدستين الذي ارتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل وأزهق أرواح تسعة وعشرين من المصلين المسلمين. ظل لسنوات منبوذاً لا يقربه أحد من الناحية السياسية، ولكن بفضل جهود السيد نتنياهو، ها هو الآن يتصدر ثالث أكبر قوة سياسية في إسرائيل، وبات مرجحاً أن يتقلد منصباً وزارياً كبيراً.
بوضوح لا لبس فيه، صرحت إدارة بايدن، وكانت محقة في ذلك، أنها لن تتعامل مع السيد ابن غفير. ولكن لا يبدو أن ذلك أزعج السيد نتنياهو، الذي ما من شك في أنه يعول على صعود جمهوري جديد من خلال عودة دونالد ترامب للرئاسة في عام 2024، ويعتمد على فرضية أن واشنطن من غير المحتمل أن تتخذ من الإجراءات ما يجبر الليكود على إعادة التفكير في تلك الأثناء.
أما رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية محمد اشتية فقال: “تؤكد النتائج أنه لا يوجد لدينا شريك للسلام في إسرائيل.” وأضاف أن الاختيار بين اليمين وحكومة التغيير التي قادها رئيس الوزراء الوسطي الحالي يائير لابيد – على رأس تحالف صعب المراس مناهض لائتلاف نتنياهو – والذي حل محله لمدة عام قبل أن ينهار – كان بمثابة الاختيار بين البيبسي والكوكا كولا.
إلا أن تلك النظرة قد لا تدوم. فقد نكون أمام نقطة تحول في الديمقراطية الإسرائيلية، وخاصة بالنسبة للسلطة القضائية فيها، وما سيفضي إليه ذلك من عواقب بائسة ووخيمة. وذلك أن الصهاينة الدينيين والليكود يشتركون في مصلحة أساسية واحدة، ألا وهي كبح المحكمة العليا والضمانات الديمقراطية الأخرى، مثل سلطة واستقلالية المدعي العام. يريد السيد نتنياهو لمشاكله القانونية أن تختفي، ولهذا فإن السماح للسلطة التشريعية باختيار قضاة المحكمة العليا وبأن تكون لها صلاحية نقض الأحكام القضائية، وبالتالي سن قوانين غير دستورية، يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام أجندة متطرفة غايتها الاستيلاء على الأراضي وتغيير قواعد الاشتباك في ميدان المعركة، وغض الطرف عن غير ذلك من الانتهاكات.
ولكن بغض النظر عن مدى حاجة زعيم الليكود للسيد ابن غفير، فإن شعبيته المتنامية قد تكون نذير شؤم عليه. إذ قد لا يتمكن السيد نتنياهو من كبح جماح القوة التي صنعها بنفسه. ولطالما ندم شركاؤه السياسيون على تعاملاتهم معه. ولكنه لهذا السبب ذاته، يبدو بلا خيارات أخرى. كما أن الحكومة الأكثر انسجاماً من الناحية العقائدية قد تكون أسهل قياداً وإدارة من ائتلافاته السابقة المتهافتة. إن هذه لحظة مخيفة بالفعل. لقد اختار الناخبون في البلاد، إذ يزدادون ميلاً نحو اليمين، حكومة من المحتمل أن تنهج سلوكاً سلطوياً، تدوس من خلاله على الفلسطينيين وعلى الضمانات الديمقراطية في إسرائيل.